خسائر ب7 ملايير دولار تتكبدها الخزينة بسبب حالات فساد بقطاع الجمارك الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد لم تر النور رغم تكليف الحكومة بإنشائها سنة 2005 كشف مصدر مسؤول بقطاع الجمارك أن التقارير السرية التي بلغت رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وكشفت عن خسائر تكبدتها الخزينة العمومية تجاوزت قيمتها 7 ملايير دولار، هي التي شجعت الرئيس على تعديل قانون الجمارك رقم 79 - 07 الصادر في 21 جويلية 1979، المعدل والمتمم بموجب القانون 98 - 10 الصادر في 22 جويلية 1998. * حيث أن التعديل الذي جاءت به المادة 46 من قانون المالية التكميلي التي عدلت بموجبها المادة 92 من قانون الجمارك، من خلال استحداث مادة تسمى 92 مكرر من قانون الجمارك، والتي تتضمن إنشاء شركات أجنبية لمراقبة السلع الموجهة إلى الإقليم الجمركي (التراب الوطني)، ونصت المادة الجديدة على أن هذه المراقبة تتضمن خصوصا عناصر التصريح الجمركي المتمثلة في قيمة ونوع البضائع وبلد المنشأ والكمية. * وحذر المصدر، من تأخر صدور المراسيم التطبيقية للمادة 92 مكرر، لأن أي تأخر حسبه، سيفتح باب التلاعب على مصراعيه لمقتنصي الفرص من اللوبيات المختلفة المعششة في إدارة الجمارك والإدارة الاقتصادية للبلاد بوصف المتحدث الذي يعرف جيدا قطاع التجارة الخارجية ونقاط الظل التي يتضمنها ومنافذ المافيا التي تعرف كيفية التلاعب بالقوانين والتشريعات وجعلها تصب في مصلحتها الشخصية، وهو ما بدأ يظهر جليا من خلال محاولة هذه الأطراف التغطية على امتعاضها من لجوء الرئيس إلى تشريع التعديل بأمر رئاسي ليغلق الباب أمام أية محاولة لوأد التعديل في المهد، للتحجج بضرورة فتح نقاش حول تعديل قانون الجمارك وإشراك نواب المجلس الشعبي الوطني المخول دستوريا لتشريع القوانين، فضلا عن مختلف الشركاء الاقتصاديين، ولكن جواب الرئيس كان واضحا، ولجأ إلى حقه الدستوري في التشريع بأوامر. * وتعتبر بعض الجهات داخل إدارة الجمارك، أن الرئيس بوتفليقة جرد إدارة الجمارك من الصلاحيات التقليدية المتمثلة في مراقبة السلع التي تدخل أو تخرج من الإقليم الجمركي، وتحويل هذه الصلاحية إلى شركات عالمية، متحججين بأن الإجراء تعدي على السيادة الوطنية، بعد ما تصبح تحت رحمة هذه الشركات الأجنبية التي ستستفيد من مداخيل هامة بالعملة الصعبة ستتراوح بين 500 مليون دولار و1 مليار دولار سنويا، وهي المبالغ التي كانت تذهب سنويا إلى الخزينة العمومية، بالإضافة إلى المواقف والآراء الصادرة عن المنظمات والهيآت الدولية المختصة من هذا الموقف، وفي مقدمتها المنظمة العالمية للجمارك وصندوق النقد والبنك العالميين والمنظمة العالمية للتجارة، وهو ما سبق ل"الشروق اليومي" الإشارة إليه في عددها الصادر يوم 4 أوت الجاري، وهي الآراء التي أجمعت على أن اللجوء إلى هذا النوع من القرارات لا يصدر من دولة إلا في إحدى الحالتين، إما أنها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية الدولية، وهو شرط لا ينطبق على الدولة الجزائرية التي تتوفر على بعض من الصحة المالية المقبولة، وبالتالي هناك شرط ثاني، وهو أن الدولة التي تلجأ إلى هكذا خيارات تكون من بين الدول التي نهشت الرشوة وعششت في جهازها الجمركي، وتجاوزت الحدود الدنيا (ولو أن الفاسد فساد صغر أو كبر)، وهو ما يكون الدافع وراء اتخاذ الرئيس بوتفليقة لقراره بعد أن رأى أن الكيل طفح ولم يعد هناك ما يمكن السكوت عليه، بعد سلسلة التقارير المفصلة التي بلغته، من مصادر متنوعة أجمعت على خطورة الوضع، على غرار حادثة استيراد ثلاجات بأسعار مخفضة جدا لا تتعدى 3 أورو أي 300 دج للثلاجة، من أوروبا بأسماء مستعارة سنة 2003، وتمت جمركتها على أساس هذا السعر الغريب والعجيب الذي يثير الضحك، وهو ما دفع ببعض المخلصين من القطاع إلى إبلاغ فرقة التحقيق التابعة للدرك الوطني التي تبين لها بعد التحقيق أن صاحب الصفقة مقيم بولاية وهران ويكون قد أبرم صفقة مع شركة أوروبية لاستيراد 100000 ثلاجة بسعر 300 دج للواحدة بهدف إغراق السوق الوطنية بهذا المنتج الذي يقدر سعره الحقيقي 280 أورو، مما يسهل له وللعصابة التي تقف وراءه بخنق المؤسسة الوطنية للمواد الكهرومنزلية بولاية تيزي وزو ودفعها إلى الموت الأكيد، وهي القضية التي حكمت فيها محكمة سيدي امحمد بالعاصمة بإدانة 20 متورط بالسجن النافد. * وقدرت الخبرة أضرار الخزينة العمومية ب180 مليار سنتيم، وهو ما بين أن واحدة من الآليات والتقنيات الخبيثة المستعلمة لتهديم الاقتصاد الوطني وإثراء اللوبيات هي تقنية التصريح المخفض بقيمة السلع الواردة إلى الإقليم الجمركي، أي إلى التراب الوطني، وهذا لأن الجزائر لا تتوفر على قائمة أو آلية لتدقيق أسعار البضائع والمنتجات المستوردة سواء بتخفيض قيمتها أو رفعها بغرض الإثراء غير المشروع عن طريق التهرب الضريبي والجبائي، والغريب أن الجمركيين الذين كشفوا الجريمة تمت معاقبتهم، وهي القضية التي بلغت الرئيس شخصيا ليطلع على عينة من الفساد والتعفن الذي بلغته إدارة الجمارك، من جراء ممارسات بعض المنتسبين إليه. * وتملك "الشروق اليومي" نسخة كاملة من الملف الذي وجه لرئيس الجمهورية في وقته، والذي يكون واحدا من الأسباب التي دفعت الرئيس إلى تحويل صلاحيات المراقبة من الجمارك الجزائرية إلى شركات أجنبية متخصصة يتم اعتمادها من طرف السلطة التنفيذية من خلال مراسيم تضبط عمل هذه الشركات، وفي حال المخالفة يتم اللجوء إلى فسخ العقد المبرم بينها وبين الدولة الجزائرية، مع إمكانية متابعتها جزائيا مع إلزامها بالتعويض أمام الهيآت الدولية المتخصصة. * وهنا تبرز مسألة السيادة الوطنية متجلية في نوعية العقود وشروطها والأطراف التي تقوم بإبرامها بإسم الدولة الجزائرية مع هذه الشركات، وهل ستكون هذه العقود محاطة بسياج منيع ضد التجاوزات التي ستكون وبالا على مصالح الجزائر من بعض الأطراف داخل وزارة المالية تكون قد باشرت اتصالاتها مع شركات متخصصة في الخارج حتى قبل صدور النصوص التطبيقية، وهذا من اجل التعاقد معها بمجرد صدور النصوص التطبيقية مقابل منافع مشتركة على حاسب مصلحة الاقتصاد الوطني. * * جهات داخل وزارة المالية تريد الالتفاف على مبادرة الرئيس بوتفليقة * ومن بين الشركات المتخصصة التي تم الاتصال بها من بعض الأطراف الجزائرية بطريقة غير قانونية وغير شرعية، شركة موجودة في مدينة جنيف السويسرية تسمى شركة "أس جي أس" (SGS)، وتنشط هذه المجموعة في مجالات المراقبة وتسيير المخاطر والاستشارة التقنية والتكوين والتحليل في مجالات الصناعات الغذائية والمنتجات الفلاحية والسلع الاستهلاكية المختلفة ومجالات البيئة والخدمات المختلفة والصناعة والمنتجات الصيدلانية والبترول والغاز والمواد الكمياوية والتدقيق والمصادقة على الجودة ونوعية المنتجات. * وتعتبر مجموعة "أس جي أس" مجموعة عالمية ضخمة جدا متخصصة في مجال خدمات التحقق والاختبار والتصديق، أنشئت فى عام 1878 ويعمل بالمجموعة 32000 موظف فى الشبكة المكونة 840 مكتب وفرع وأكثر من 320 معمل فى جميع أنحاء العالم تنشط في مجالات متنوعة منها التحقق ومراقبة التجارة العالمية فى فروع الزراعة والمعادن والبترول والمنتجات الاستهلاكية بالإضافة إلى خدمات التصديق وخدمات أخرى تقدم إلى الحكومات والمؤسسات الدولية. كما تقدم المجموعة أيضا خدمات إستراتيجية في مجال الاختبارات الصناعية والبيئية والاختبارات غير التدميرية وموارد المشروعات وقطاعات السوق والصحة. وتقدم المجموعة نفسها على أساس أنها تلتزم بأقصى درجات الشفافية والسلوك الأخلاقي. * وتقوم المجموعة بفحص ملايين الأطنان من السلع التي يتم شحنها كل عام إلى جميع إنحاء العالم. مثل: الوزن، الفرز، التحليل، الإشراف على الشحن والتفريغ، المطابقة، وضمانات الوزن والجودة. وفي خدمات البترول تشمل مجالات الخبرة: مراقبة الكم والجودة، اختبارات المعامل، تعبئة وشحن العينات (Destpack) خدمات التفتيش على الخزانات والحاويات. * وتضع هذه المعطيات الطريقة التي سيتم بها التعاقد مع شركات المراقبة الأجنبية، على المحك، حيث يتطلب درجة عالية من الانتباه والحيطة والحذر من طرف الحكومة وإلا سيجد أصحاب النفوس المريضة الباب مشرعا أمامهم للدخول في شراكة مع هذه الشركات التي تملك فروعا حول العامل ويكون حاميها حارميها مرة أخرى وبالتالي سيتم تفريغ قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من محتواه ومن أهدافه السامية، ويومها تكون السيادة الوطنية فعلا تحت رحمة هذه المجموعات العالمية التي تعمل لصالح لوبيات عالمية اخطر من السرطان في حد ذاته. * وهنا تجدر الإشارة برأي الخبراء والمختصين في قطاع الجمارك، إلى ضرورة انتباه رئيس الجمهورية كونه صاحب المبادرة إلى عدم الاكتفاء بتعيين شركات مراقبة في فرنسا وبلدان الإتحاد الأوروبي، دون اللجوء إلى تعيين شركات في الدولة والمناطق الجغرافية التي تتعامل معها الجزائر تجاريا بقوة ومنها الصين وكوريا الجنوبية وتركيا والولايات المتحدة وبلدان أمريكا اللاتينية، وهذا من أجل غلق باب المناورات أمام اللوبيات المنتفعة من التحرير الفوضوي للتجارة الخارجية، وحتى يكون تقييم هذه الشركات موضوعيا ويمكن مراقبته على المدى المتوسط وقياس مدى نجاعتها وهل فعلا تراجعت قيمة السلع والبضائع وتحسنت نوعيتها بالمقارنة مع الوضع السابق الذي كان يشوبه الانتشار الرهيب لأخطبوط الرشوة وسرطان الفساد والنهب والاغتناء غير المشروع، مما أضر بسمعة المؤسسات الجزائرية العمومية والخاصة التي تحترم نفسها وسمعتها، وخاصة منذ اعتماد نظام المستودعات العمومية والموانئ الجافة الخاضعة للجمارك والتي سمحت بارتفاع مذهل لحالات الرشوة والفساد وخاصة من طرف شركات النقل البحري الأجنبية التي حولت الجزائر إلى جنة مالية عاثت فيها فسادا بلا رقيب ولا حسيب، لأن هذه الشركات وجدت حيلة ذكية للاغتناء على حساب المواطن والخزينة العمومية من خلال اشتراطها على المستورد نقل بضاعته إلى الميناء الجاف وهي حيلة لحصولها على حقوق إضافية، يدفعها المواطن من جيبه والخزينة العمومية في شكل أرباح بالعملة الصعبة تحول سنويا إلى الخارج من طرف شركات الشحن البحري الأجنبية التي اشتد ساعدها بأموال الجزائريين. * * جماعات ضغط تمنع صدور النصوص التطبيقية لقانون مكافحة الفساد والأمر المتعلق بمكافحة التهريب * كما أن هذه الشركات الأجنبية استفادت من بقاء النصوص والقوانين بما فيها التي أصدرها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في شكل مراسيم، حبرا على ورق، ومنها القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فيفري 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، الذي بقي نسيا منسيا رغم تكليف الرئيس بوتفليقة لحكومة بلخادم وبعدها الحكومة الحالية بإصدار النصوص التنظيمية التي تسمح بتطبيق هذا النص لا سيما الباب الثالث من القانون الذي ينص على إنشاء الهيأة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وفق المادة 17 من القانون، التي تسمح بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد، وتنص المادة 18 من القانون على أن "الهيئة سلطة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتوضع لدى رئيس الجمهورية". * وهنا السؤال، أين هي هذه الهيأة ولماذا لم ترى النور رغم إصرار الرئيس على إنشائها؟ والسؤال نفسه يطرح بشأن الأمر رقم 05 - 06 الصادر في 23 آوت 2005، المتعلق بمكافحة التهريب (الجمركي). ويهدف الأمر إلى وضع آليات وقائية ودعم وسائل مكافحة التهريب الجمركي، إلخ. * ولكن للأسف الشديد أن الهيأة لم ترى النور منذ صدور الأمر في سنة 2005، وخاصة عندما نقف على المادة 6 من الأمر التي تنص على إنشاء: ديوان وطني مكلف بمكافحة التهريب له شخصية معنوية واستقلال مالي، ويوضع الديوان تحت وصاية رئيس الحكومة، وستحدد كيفيات تنظيمه وتسييره عن طريق قرارات ومراسيم، ولكن لم يرى النور الأمر إلى اليوم، والسؤال المطروح اليوم، هل أصبحت الدولة الجزائرية عاجزة عن تسيير شؤونها، أم أن جماعات الضغط وأصحاب المصالح واللوبيات، قادرة على توقيف كل المحاولات الهادفة لمكافحة الفساد والتهريب، مما نتج عنه حالة لاعقاب، بسبب ترهل دور العديد من الهيآت ومنها المفتشية العامة للمالية التي أصبح دورها يتصادم مع الوصاية التي أصبحت تنام على كل التحقيقات التي تنجز من طرف المفتشية بطريقة احترافية عالية، ولكنها تبقى تحت رحمة الوزير أو الحكومة، ونفس المصير تلقاه هيأة مهمة جدا في حماية المال العام وهو مجلس المحاسبة، ولكنه يعيش حالة موت إكلينيكي، وجمدت أعماله على الرغم من أن المجلس له صلاحية الفصل بأحكام قضائية قابلة للتنفيذ وتحويل الملفات للقضاء العادي لتنفيذ الأحكام المتعلقة بالسجن أو الغرامات الجزائية، ولكن الملاحظ هو تجمد نشاط المجلس من طرف جهات نافدة.