الشروق تكرم المرحوم عبر نجله - تصوير بلال زواوي يوغرطة نايت بلقاسم للشروق: رأيت والدي في أسوأ حالاته عندما ألغي قانون استعمال اللغة العربية مولود قاسم هو صاحب فكرة إلياذة الجزائر وهو من زود مفدي زكريا بالمعلومات التاريخية احتضن فندق الهيلتون سهرة الأحد الماضي حفلا تكريميا معتبرا من تنظيم مؤسسة الشروق، خصت به عائلة المفكر المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، بحضور نجل الراحل الدكتور يوغرطة وثلة من رفقائه. * * وجمع من غفير من متتبعي مساره والمتأثرين بفكره وبمساره الخصب، يتقدمهم الأستاذ عبد الحميد مهري ورئيسي المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الأعلى للغة العربية. * * * نائب رئيس تحرير الشروق ينشط حفل التكريم * * * وجاءت هذه المبادرة التي أطلقتها الشروق منذ رمضان الماضي، وكرمت بموجبها أكثر من 20 عالما جزائريا من الذين لايزالون على قيد الحياة يصارعون في صمت وجع النسيان، كان أولهم العالم الشهير الفذ الشيخ عبد الرحمان الجيلالي وآخرهم الأديب العالم صاحب المائة كتاب وكتاب الشيخ محمد الصالح الصديق وفي الأفق تلوح أسماء أخرى سيكون لها حظها في التكريم والإكبار. * وها هي ذي مبادرة أخرى شقيقة للأولى تطلقها الشروق مع هذا الشهر الفضيل، وهي تكريم عائلات علماء ومفكرين جزائريين رحلوا، لكنهم تركوا بصمات خالدة في سجل تاريخ الجزائر الزاخر بالإنجازات، ولعل الوزير المرحوم بإذن الله تعالى، المفكر الكبير مولود قاسم نايت بلقاسم يأتي في مقدمة هذه الأسماء، لكونه جمع بين ميزات عدة، قلما تجتمع في شخص، أهمها الجمع بين خصال العالم الجليل والسياسي المحنك، وهو ما بدا جليا خلال فترة استوزاره وطيلة إشرافه على ملتقيات الفكر الإسلامي. * وأجمع الذين قدموا شهاداتهم إلى غاية وقت متأخر من الليل على أن الرجل كان مثالا في تواضعه، كفاءته، حنكته وقدرته على التسيير، وهو من الرجال الذين يجب أن تنقل أعمالهم للأجيال، وأن تخصص ملتقيات وأيام دراسية لتدارس أفكاره ومواقفه التي سجلت بأحرف من ذهب، ولعل مبادرة الشروق هذه ستكون فاتحة للاهتمام أكثر بهذه الشخصية الفريدة. * * ** كلمة المدير العام لجريدة الشروق * "تكريم مولود قاسم هو تكريم للعلم والعلماء" * اعتبر المدير العام لجريدة الشروق اليومي السيد علي فضيل في كلمة افتتاحية ألقاها بمناسبة تكريم المفكر الجزائري الراحل مولود بلقاسم نايت بلقاسم ممثلا في عائلته، أن الاحتفاء بهذه الشخصية الوطنية التي نقشت بحروف من ذهب في تاريخ وذاكرة الجزائر هو تكريم لجميع المفكرين والعلماء الذين قدموا وضحوا من أجل الجزائر، وأضاف المدير العام أن التكريم بحد ذاته يعتبر احتفالا بقامة من قامات الفكر الأصيل التي دافعت باستماتة كبيرة على المقومات الحضارية والعربية والإسلامية للجزائر، وقال السيد علي فضيل"إن الشروق اليومي تشرفت باستضافة رفقاء درب المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم من العلماء والمفكرين والأساتذة الذين سيتحفوننا بمختلف الشذرات العبقة من ذكريات هذا الرجل الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة وبين العلم ..الإسلام والوطنية.. وستواصل الشروق اليومي مسيرتها الثابتة في نفض الغبار عن كنوز الجزائر من العلماء والمفكرين والرجال قصد تمجيد ذكراهم واستكمال دربهم المضيء في مسار الفكر والمعرفة والتضحية من أجل الجزائر.." * * مدير عام الشروق يكرم نجل المرحوم * * ** محمد الصغير بن لعلام/ رفيق وصديق للمرحوم * أول قرار اتخذه مولود قاسم هو مقاطعة المراسلات بغير اللغة العربية * كشف محمد الصغير بن لعلام نائب رئيس مؤسسة مولود قاسم نايت بلقاسم عن دور مولود قاسم في خدمة الجزائر بالاستعانة إلى اللغات التسعة التي كان يجيدها، من خلال التقارير التي كان يقدمها للحكومة ولمختلف الوزارات عن كل ما يكتب عن الجزائر بمختلف اللغات في الصحف الأوروبية، حيث كان مولود قاسم "شخصية متعددة الجوانب متسعة الأفق كثيرة المراجع لم أرى في حياتي من يقرأ مثله، شنطته دوما ممتلئة بالصحف الأوروبية ويقرأها في الليل". * وأكد بن لعلام أن مولود قاسم تكوّن عصاميا في اللغات وهو ابن الفلاح العباسي القبائلي، وأصبح يتقن أغلب اللغات حتى القديمة منها اللاتينية وتعلمها لوحده ولم يدخل من أجلها المدارس، مضيفا أن شخصيته وطنية حتى النخاع وسماه ب "بلقاسم الوطني"، وقال أن "الجزائر كانت أنفاسه وحياته وماضيه ومستقبله لاشيء في الدنيا ذو قيمة دون الجزائر"، مضيفا "فخور بأجداده البرابرة الأمازيع وآل حماد وآل زياد وبن باديس والإبراهيمي". * وأفاد بن لعلام أن مولود قاسم ظل يؤكد على أن حوار الديانات آخر أسلوب ابتكر لتنصير الشباب المسلم، معتبرا بأن لكل دين قواعده وأصوله ولا يمكن أن يكون حوار بين الديانات، والحقيقة أن الحوار يكون بين الحضارات. * وأكد المتحدث بأن أول قرار اتخذه نايت بلقاسم حين تعيينه كوزير، سنة 1970، أن لا يمضي أية وثيقة بالفرنسية، أما القرار الثاني فلا يرد ولا يقرأ أي بريد باللغة الأجنبية مهما كان مصدر الرسالة، ولم يتزعزع أو يتنازل رغم تدخل الرئيس بومدين، وقال بن لعلام "للتخفيف عن المؤسسات الرسمية اشترينا آلات راقنة وأصبحنا نشكل للوزارات والمؤسسات الحكومية". * * ** مولود قاسم نايت بلقاسم أو الوطنية في شكلها الأسطوري * في مارس 1992 قال مولود قاسم نايت بلقاسم لأحد مساعديه وهو في قمة الإحباط "لقد انتهى عهدي ودوري"، كانت مناسبة الحديث قرار المجلس الانتقالي تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وفي نفس الأثناء بلغه خبر اختفاء كتب علمية باللغة العربية من مقر جبهة التحرير، كان أشرف شخصيا على جلبها من سوريا والعراق في إطار تعريب الجامعة، ذكّره الموضوع بصدمة أخرى عاشها حين رأى مشروعه للتعليم الأصلي يتفكك وينهار أمامه وهو عاجز عن انقاذه تسببت الصدمة والذكرى في مضاعفة المرض عليه ثم توفي في نهاية أوت من ذلك العام. * * يقول الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، إن مولود الذي ولد في جانفي 1927 جاء كاستجابة من الله تعالى لدعاء والده الذي كان يسأل الله دوما أن يرزقه بابن يكون فقيها في دينه، فمنّ الله علية بولدين من الدعاة إلى الله كان مولود قاسم أحدهما. * بدأ مولود نايت بلقاسم مشواره الدراسي من مسجد قريته، بلعيال بايت عباس، التابعة إداريا لبلدية إقبو، ثم واصل مشواره الدراسي في تونس، حيث التحق بجامعة الزيتونة التي التحق بها سنة 1946. * في تلك السنة التحق بحزب الشعب ثم في 1947 وبعد أربع سنوات التحق بالقاهرة الأول في دفعته، ثم في 1954 التحق بجامعة باريس وسجل للدكتوراه حول بحث اسمه »الحرية عند المعتزلة« ولكن في سنة 1956 تخلى عن المشروع استجابة لنداء الإضراب الذي دعا إليه اتحاد الطلبة المسلمين، ثم اضطرته مضايقات الشرطة الفرنسية إلى مغادرة التراب الفرنسي وتوجه إلى التشيك، حيث سجل مرة أخرى بحثا للدكتوراه حول »الحرية عند كانط«، لكن الوطن ناداه مرة أخرى فأسرع للتلبية وترك بحثه واتجه إلى ألمانيا... ثم طلبه سعد دحلب أثناء مفاوضات إيفيان وكلفه بإعداد رد على المفاوض الفرنسي جوكس الذي كان يصرّ على أن الصحراء لا علاقة لها بالجزائر... ثم بعد الاستقلال شغل ملود قاسم عدة مناصب أثبت في كل منها ولاءه لهذا الوطن وحقق في كل موقع نجاحات باهرة جلبت له عدة خصومات، لكن لم يعرف أنه استسلم في اي مرحلة من نضاله... خلال الثورة التحريرية ضحى مولود قاسم بطموح شخصي جامح تمثل في الحصول على الدكتوراه التي طرق أبوابها أكثر من مرة، لكن هجرته إلى ألمانيا حرمته نهائيا من هذا الهدف. وبعد الاستقلال، عاد سي مولود إلى أرض الوطن وجلب إلى بيته في العاصمة 8 أبناء لأخيه ليمكثوا معه في البيت. * * رجل التعريب الذي اتخذه القوميون عدوّا * كان من حق مولود قاسم بعد الاستقلال أن يخلد إلى الراحة أو يلتفت إلى مصالحه الشخصية التي ضحّى بها من أجل العمل الثوري، لكن الأوضاع في البلاد لم تسمح له بذلك، فهبّ لإحياء مقوّمات الأمة الجزائرية دينا ولغة ومجدا، الذي يطلع على جهاد وجهود مولود قاسم من أجل التعريب يصعب عليه أن يعرف بأن الرجل يتقن 9 لغات عالمية ويؤكد المؤرخ يحي بوعزيز »كان المرحوم مولود قاسم... * * حريصا كل الحرص على أن تستعيد اللغة العربية مكانتها ومركزها« ورغم انخراطه في التعريب أكثر من غيره، إلا أنه ظل رافضا لكل النظريات الفكرية القومية والبعثية التي أرادت أن تجعل من اللغة دينا، وروي عن مولود قاسم أنه سُئل عن القومية فقال أضيفوا نقطة فوق القاف، ولما سألت الدكتور أحمد بن نعمان عن هذا الأمر، قال لي إن مولود قاسم كان جزائريا وكفى وكان يدافع عن اللغة الوطنية، ومعنى هذا الكلام أنه لو اختيرت لغة أخرى لتكون لغة وطنية لدافع عنها مولود، لكن لم أجد في تصريحات مولود قاسم ما يشير إلى هذا، بل بالعكس كان دائما يدافع عن اللغة العربية الني قال عنها أكثر من مرة إنها لغة قادت العالم من قبل، وأعرب عن أمله بل عمل من أجل أن تعود إلى القيادة، وفي الواقع قلما نجد واحدا من دعاة التعريب قام بجهود تتفوق على جهود مولود بل كل أعماله تدل على أن الرجل كان مقتنعا بما يقول ويفعل، من أهم أعماله في هذا المجال »بجاية الإسلام علّمت أوروبا الرياضيات بلغة العروبة« وهو عمل أثبت فيه أن اللغة العربية قادرة على استيعاب كل العلوم. * * الجزائر في فكر قاسم * ولعل من بين النقاط الفكرية التي خالف فيها مولود قاسم غيره، هو تاريخ الجزائر وبدايتها. ففي الوقت الذي ذهب البعض إلى اعتبار استقلال البلاد بداية لقيام الجزائر وقال آخرون إن الفتح الإسلامي أو وصول العرب إلى الجزائر هو بدايتها في تلك الأثناء، خرج مولود قاسم على الناس ببحث تاريخي أسماه »شخصية الجزائر الدولية قبل 1830« عاد فيه إلى الأصول القديمة لهذه الأمة التي كان لها دوما دور في التاريخ..، وحين قال الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان للرئيس الراحل هواري بومدين »فرنسا التاريخية تمد يدها للجزائر الفتية«، غضب قاسم وقال للرئيس بومدين »إنه يشتمنا«، كما أسهم من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي على بإبراز ماضي الجزائر وإسهامها في الحضارة الإسلامية. * * يوغرطة... مفخرة مولود ومصدر مشاكله * في أبحاثه التاريخية، وصل مولود قاسم إلى عدد من أمجاد الأمة الجزائرية وكان منهم الملك يوغرطة، ولشدة إعجابه به وبدوره اختار أن يكون هذا الملك ملف العدد الأول من مجلة الأصالة التي أصدرها حين كان وزيرا للشؤون الدينية، وقد سبب له هذا الملف بعض المتاعب كان بعضها بحسن نية وبعضها الآخر لحاجات في نفوس أصحابها، لقد اعتبر مولود قاسم أن يوغرطة هو واحد من أهم أبطال الجزائر الذين لا يمكن ان نتخلى عنهم واعتبر الاعتزاز بهم لا يناقض الإنتماء إلى الإسلام. وفي كتابه »شخصية الجزائر«، قال نايت بلقاسم إن كفاح الأبطال السابقين هم مصدر فخر زمن الشدة. تأثر مولود قاسم بيوغرطة فاختار أن يمنح اسمه لإبنه البكر، ولما سُئل عن سبب الاختيار قال: »إنه أعظم ملك في تاريخ الجزائر«. ويروي الأستاذ محمد الهادي الحسني، في مقال نشره تحت عنوان »للتاريخ«، روى الانزعاج الذي ظهر لدى كثير من المتتبعين لقطاع الشؤون الدينية وهو واحد منهم ولكنه أكد أن اطلاعه على محتوى المجلة وافتتاحية مولود قاسم أطفأت الغضب الذي كان. ويذكر عثمان شبوب مدير الأصالة، آنذاك، أن موضوع الغلاف أثار حساسية كبيرة حتى الرئاسة استفسرت عن سبب الاختيار، ولم يستسلم مولود قاسم طوال حياته لأي مضايقات... * * عزيمة وعزة نفس * ومن المهم هنا الإشارة إلى مواقف جمع فيها مولود قاسم بين العزيمة وعزة النفس، دفعته إلى حد أن قال للرئيس بومدين بعد خلاف بينهما، »أفضل أن أكون بوابا في السويد على أن أكون وزيرا في حكومة ضعيفة« وكذلك فعل في حدود سنة 71 حينما ذهب في زيارة إلى روسيا ولما وصل إلى المطار، علم أن في استقباله إطار في وزارة الخارجية، فرفض النزول من الطائرة وعاد إلى الجزائر وبرر موقفه بأنه لو نزل من الطائرة واستقبله إطار عادي لكان ذلك انتقاصا من قيمة الجزائر. وقال للروس إنه »لن يدخل بلادهم إلا إذا جاء لاستقباله شخص في مرتبة وزير« ولما عاد إلى الجزائر قدم استقالة إلى الرئيس بومدين، لكنه رفضها... * * * التعليم الأصلي، الجامعة الإسلامية وتعميم اللغة العربية... مقاتل أصيب فيها مولود * في عزّ فرحة مولود قاسم بنجاح التعليم الأصلي وتفوق طلبته على تلاميذ المدارس الأخرى العادية، جاء الميثاق الوطني ليعلن »أما التعليم الأصلي فيجب إلغاؤه في أسرع الآجال«. وقال كل الذين عايشوا الفترة، إن مولود قاسم، بالإضافة إلى الصدمة التي تلقاها، إلا أنه ظل إلى آخر نفس يحاول إنقاذ المشروع، ولكن »لم يؤيدني إلا عبد المالك بن حبيلس وزير العدل آنذاك«، فتفكك المشروع بين يديه، * ومنذ مغادرته الوزارة لم يفتح أي مركز جديد لتكوين الأئمة. وبقيت الجامعة الإسلامية مجرد كلية كبيرة لتدريس العلوم الدينية التقليدية. * ثم جاء قرار المجلس الاستشارى الانتقالي الذي قرر تجميد تعميم استعمال اللغة العربية، ليضاعف آلام مولود قاسم الذي رأى إنجازاته تتفكك أمامه دون أن يقدر على شيء... * * اجتهاد ونكران للذات * عندما سألت أصدقاء مولود قاسم خلال الأيام الماضية أن يزودوني بصور فوتوغرافية جمعتهم بالراحل، فوجئت بأن أغلبهم لا يملك صورا من هذا النوع، إلا ما التقط لهم وهم جالسون أمام الراحل خلال الملتقيات والندوات الفكرية، وهو أحد المظاهر التي تبرز جدية الرجل الذي خاض كل الميادين وجهر بمواقفه، في نفس الوقت لم يهتم بمصالحه الشخصية. ففي وقت الثورة فرّط في دراسته وفي الاستقلال قال الدكتور بوعلام بن حمودة إنه اضطر لأن يقنعه ويساعده على استرجاع اسمه الثوري من أجل الحفاظ على مصالحه الاجتماعية... * قيل 17 عاما، مات مولود قاسم نايت بلقاسم، الموتة التي كتبها الله له ووري جثمانه الثرى مخلفا وراءه آثارا سوف لن تسمح له بمغادرتنا حتى ولو أراد، لأنه الرجل الذي خدم دينه ولغته ووطنه بشكل أسطوري. * * ** عبد الحميد مهري / رفيق المرحوم * مولود قاسم شخصية متعددة الجوانب، المواهب والمكاسب * أكد، عبد الحميد مهري، رئيس مؤسسة مولود قاسم نايت بلقاسم بأن ذكر رفيق دربه وزميل دراسته مولود قاسم هو ذكر جيل بكامله، حيث جمع فضل النضال في الحركة العصرية "ويمثل نقلة نوعية بين الانتماء للأصالة والتفتح على العالم"، موضحا بأن عمل نايت بلقاسم في المجتمع كان يهدف إلى إحداث نقطة توازن بين التمسك بالأصالة والتفتح على العصر والعالم الحديث، وجعل الجزائر في موقعها الصحيح بين العراقة والتقاليد والعصرنة. * ودعا مهري، خلال حفل تكريم عائلة مولود قاسم، إلى مواصلة بادرة الخير لنفض الغبار عن الماضي البعيد، وأفاد أن الاهتمام بشخصية مولد قاسم يشمل كل معالم التفتح والفكر الأصيل والعراقة، وهي الثوابت التي جعلت، بحسب مهري، الجزائر تسهم بثورتها في قلب موازين القوى بالبحر المتوسط، ودفعت مجموعة من الدول الإفريقية لإحداث سلسلة من الاستقلال لكل منها بعد سنة 1960، وقال مهري بأن الرجل الفقيد كان يكرس معالم النهضة في ملتقيات الفكر الإسلامي، وجزءا آخرا من نضاله في سبيل التفتح ونهج الحداثة واللجوء إلى العقل لفهم الماضي والحاضر. * وأفاد المتحدث بأن خلاصة فكر نايت بلقاسم هو استدراك الفجوة لدى الشعوب العربية الإسلامية عامة والجزائر بشكل خاص، وهي معضلة توطين الحداثة وترسيخ الأصالة والإسلام والعروبة، وقال مهري "إننا أمام شخصية متعددة الجوانب والمواهب والمكاسب". * وقال مهري بأن الذين كانوا لا يعرفون نايت بلقاسم في جانبه الأصيل يضعونه في خانة المتشدّدين، وآخرون يعتبرونه محدث من المحدثين لا أصالة له، لكن منهاجه البحث عن الفكر الأصيل بالمقومات العربية والأمازيغية والتفتح على العصر. * * ** الشيخ محمد الطاهر آيت علجت/ شيخ المرحوم * "حيّر فرنسا وهو في السادسة عشرة من عمره" * ذكر الشيخ محمد الطاهر آيت علجت أن معرفته بالراحل مولود قاسم نايت بلقاسم كانت قديمة منذ أن كان يافعا وكان والده صديقا له، لأن سكناتهما كانت متقاربة، وكان أبوه تاجرا يجالس العلماء ويحبهم ويتمنى أن يكون ولده عالما مثله مثل والد الغزالي الذي رزقه الله بحجة الإسلام. * وعلّم ابنه في قريته حتى تعلّم القراءة والكتابة ثم ذهب به إلى المدرسة الفرنسية إلى قرية بني عباس، حيث كانت أول مدرسة في بلاد القبائل اسماها ابن باديس بالقلعة، ولم يستطع مواصلة تعليمه هناك لعدم وجود مكان يستقر به واضطر للانتقال إلى ذويه بقرية تامقران وهناك تسنت لي معرفته. * وقال الشيخ آيت علجت أن مولود قاسم نايت بلقاسم كان قوي الذاكرة والحافظة، يحافظ على وقته لا يضيّع منه دقيقة واحدة، يسعى دائما لمخالطة من هم أكبر منه سنا وعلما ومن جملتهم الربيع يعلاوي. * أبى الذهاب لآداء الخدمة العسكرية أو أن يعمل في هذا المجال، واختفى بإحدى الزواية واشتغل بحفظ القرآن الكريم والدروس والتفاسير. * * ** أحمد بن نعمان، كاتب وصديق المرحوم * "مولود قاسم كان أمة يتقن 09 لغات بلهجاتها المحلية" * أكد الكاتب أحمد بن نعمان أن الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم كان يجيد 09 لغات ولهجات أوروبية محلية، تعلمها بمفرده دون اللجوء إلى المدارس، وأضاف "عرفت مولود قاسم فردا في أمة، وفارقته وهو أمة في فرد، لقد كان شخصية عبقرية فريدة من نوعها جمعت بين العلم والأصالة والحكمة، كان يدافع عن الإسلام والعربية بشراسة منقطعة النظير، وكان ينفق 99 بالمائة من وقته في المطالعة والمعرفة، لدرجة أني كنت أشفق عليه.. لقد استطاع من خلال معرفته المدهشة باللغات خدمة القضية الجزائرية في العديد من الدول الأوروبية، أين كتبت الكثير من الصحف عن الثورة وبطولات الشعب الجزائري. * وذكر الدكتور بعض المواقف المؤثرة للراحل الذي كان يعيش مسكونا باللغة العربية وقضايا الأمة. * * ** الشيخ بوعمران/ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى * "سفري مع المرحوم جعلني أقف على عظمة الرجل" * ذكر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ أبوعمران في منتدى تكريم نجل الفقيد مولود قاسم نايت بلقاسم، أن ميزة الرجل ثقافته الواسعة وخبرته في عدة لغات، ولما سمع عن إتقانه للغات الأجنبية، تساءل الشيخ بوعمران عن عددها فقيل له أنها 4 أو 5 لغات، لكن عندما سافر معه إلى إسبانيا اكتشف أنه يتقن أكثر من ذلك. * وروى بوعمران الواقعة أنه كان هناك ملتقى في قرطبة، زاروا فيه المسجد العظيم هناك، وقمت أنا بزيارة مكتبات وجدت فيها معاجم للعربية والإسبانية، ولما عدت إلى الفندق أخبرته عنها، فألحّ علي أن أدله على مكانها، وعلى الرغم من أننا لم نكن نمتلك سعر تلك المعاجم، إلا أنه أصرّ على شرائها وعاودنا الرجوع إلى الجزائر، حيث دفعت الوزارة حينها تكاليف الرحلة. * * * * ** الدكتور يوغرطة نجل المرحوم نايت بلقاسم * "الشروق أثلجت صدورنا وبعثت ذكرى والدي من جديد" * أبدى ابن المفكر الجزائري مولود قاسم نايت بلقاسم الدكتور يوغرطة سعادته البالغة بتكريم والده من طرف جريدة الشروق اليومي معتبرا هذا الحدث بمثابة إعادة بعث لأفكار وذكريات والده بعد 17 سنة من وفاته، وقال يوغورطة الذي جاء خصيصا من باريس لحضور الوقفة التكريمية، وعلامات التأثر بادية على محياه "تكريم الشروق لوالدي أثلج صدر جميع أفراد العائلة، وسأتحدث اليوم عن والدي من باب الرعاية والتأديب، فقد كان قلبه يحتوي اعتزازا كبيرا للإسلام والعربية التي ربانا عليها منذ الصغر، وعلمنا أن نفتخر بالامتداد التاريخي للجزائر، ولهذا سماني باسم أحد أبرز رموزها التاريخية وهو يوغرطة الذي وضع صورته في مجلة الأصالة التي أسسها للدفاع عن المقومات الحضارية للجزائر.. أشكر كل من حضر في هذا التكريم من أساتذة والدي ورفقاء دربه، كما أجدد شكري الخالص لجريدة الشروق اليومي التي فرحت لها كثيرا بسحبها 800 ألف نسخة، وهذا ماأعتبره مفخرة للإعلام الجزائري الأصيل .." * ** يوغرطة نايت بلقاسم ل "الشروق": فخور بأني ابن مولود قاسم ولم أفكر يوما في ممارسة السياسة * * أبي كان يلزمنا بالمطالعة حتى عند الحلاق * أصعب وضع رأيت فيه والدي حين ألغي قانون تعميم استعمال اللغة العربية * * نجل المرحوم يلبس برنوس الشروق * على هامش الندوة التكريمية لمولود قاسم نايت بلقاسم كانت لنا هذه الدردشة مع نجله يوغرطة الذي حدثنا عن الحياة الأخرى للمفكر الراحل.. * * اسمك يوغرطة نايت بلقاسم متخصص في العلوم الطبية ومقيم في فرنسا، أي هذه الأمور تفتخر بها؟ **أعتز أني ابن مولود قاسم نايت بلقاسم وأريد أن أضيف أن إقامتي في فرنسا هي مؤقتة لغرض مواصلة الدراسات العليا وأنا الآن متربص في تخصص الصور الطبية. * *مولود قاسم بذل حياته كلها في خدمة اللغة العربية ثم اختار لابنه اسم بربري موغل في القدم، هل تحدثت معه في هذا الموضوع؟ **هذا الموضوع سئل عنه كثيرا وكان من الذين سألوه إطار سامي في الدولة، سأله عن خلفيات التسمية حين ولدت، فقال له أبي "يوغرطة هو أعظم ملوك الجزائر عبر التاريخ" * * وأنت هل شعرت يوما بإحراج من هذا الاسم؟ **أبدا، هذا اسم جزائري أمازيغي وأنا أعتبر نفسي.. بل أنا أمازيغي.. * *دراستك للعلوم الطبية.. هل كانت رغبتك أم توجيه من الوالد؟ **اجتمع فيها الأمران، لكن أرجح أن أمنية الوالد كانت أكثر من رغبتي، رغم أنه لم يفرض علي ذلك، إلا أنني كنت دائما أحس أنه كان يتمنى أن أكون طبيبا، ويوم اخترت دراسة العلوم الطبية أحسست بأني أرضيته أحسست بأنه راضي رغم أن القرار كان قراري. * *قلت أن الاختيار كان أمنية الوالد أكثر منه أمنيتك، ماذا كنت تتمنى أنت أن تدرس؟ **أنا كنت طالبا في الفرع العلمي فاخترت الطب، وأنا راضي عن اختياري، ولكني سعيد لأن اختياري أرضى الوالد.. * *مولود قاسم كانت له اهتمامات وهموم كبيرة تتجاوز حدود العائلة والقبيلة بل حدود الوطن، هل أحسست يوما أن ذلك كان على حسابك كابن لهذا الرجل؟ **كان أبي يتغيّب عن البيت، خاصة خلال إشرافه على المجلس الأعلى للغة العربية - يوغرطة ولد سنة 1971 ولم يعش مع والده تجربة التعليم الأصلي والمعارك الأخرى - كان يذهب بشكل دوري إلى الولايات ويراقب ويتابع عملية التعريب، لكن كان يتابع أمورنا خاصة الدراسية منها، وكان نادرا ما يغيب عن لقاءات الأساتذة والأولياء وكان يراقبنا في البيت. * * مولود قاسم في الوزارة والعمل كان جادا وصارما، كيف كانت تصرفاته في البيت؟ ** كان ضحوكا وكثير المزاح وكان يغضب فقط إن يرى في كشف النقاط علامات لم يكن يرغب في رؤيتها، في تلك الحالات كان يتغيّر وينقلب، وأنا أتذكر كيف كان يداعب أختي الصغيرة "جزائر" ويلعب معها، وكان يحب النكت وأكل طعام القرية.. * *هل تذكر أنه غضب منك في يوم من الأيام؟ (بعد ضحك وتفكير) في الحقيقة لم أكن أرتكب أشياء تغضبه، كنت أعرف أنه يغضبه أن يجدنا نلعب في الخارج، وكان يحب أن يجدنا نقرأ، وأذكر أنه كان يأخذنا إلى الحلاق، ونأخذ معنا كتبا للمطالعة، كان الناس يتحدثون ونحن ملزمون بالقراءة.. أما الغضب أنا أتذكر أنه ذات مرة فاجأني بكراس لغة أجنبية، لا أتذكر تماما إذا كان كراس الفرنسية أو الإنجليزية، وطرح علي أسئلة لم أجب عن جميعها فغضب وقال لي أغرب عني. * * مولود قاسم كان سياسيا وله خصومات مع أشخاص ومشاكل كيف كان يتحدث عنها في البيت؟ ** لم يكن يتحدث عن هذه الأمور في البيت، عندما توفي كنت في سن ال21 سنة، وبالتالي لم أكن أعرف عن مشاكله شيء وإلى الآن أنا أطرح أسئلة لم أجد إجابة عنها.. * * ماهي طموحاتك السياسية؟ **لم أفكر في السياسة. * *لم تجد فرصة أم تعتبر نفسك غير معني؟ **ربما تخصصي العلمي لم يترك لي فرصة التفكير في الموضوع. * مولود قاسم كان مرشح لدراسة الطيران هل حدثك عن الموضوع؟ ** لم يحدثني لكني حاولت مرارا أن أتصور مرتديا لباس الطيارين وجالس في طائرة حربية.. * * ما هي أهم لحظة حرجة عشتها مع والدك؟ ** رأيته محطما حين ألغي قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وقيل لي أنه عاش معنويات مشابهة حين ألغي التعليم الأصلي. * *في حالات التعب ما الذي كان يسلي عنه؟ ** الذهاب إلى القرية في نهاية الأسبوع. * * * ضيوف حفل التكريم / تصوير بلال زواوي