كل شيء في الجزائر أضحى يضبط على عقارب ساعة المنتخب الوطني، حتى أن لاعبي الخضر تحولوا في أشهر قليلة فقط إلى نجوم فوق العادة. * * ويكفي للتأكيد على هذه الحقيقة التحول إلى مطار هواري بومدين عندما يكون اللاعبون المحترفون على موعد مع تربص من تربصات التشكيلة الوطنية، لأن المناسبة فرصة لأخذ صورة عن الهوس الكبير الذي سكن الجماهير الجزائرية، هوس عنوانه "الخضر" إلى درجة أن المسؤولين في المطار يعلنون حالة الطوارئ في كل مرة تحط فيها طائرة قادمة من أحد بلدان القارة العجوز وتقل على متنها لاعبا أو مجموعة من لاعبي تشكيلة "الشيخ" رابح سعدان. * * قدوم المحترفين يحدث طوارئ في المطار * هو ما وقفت عليه "الشروق" بمناسبة الموعد الجديد لمحترفي "الخضر" ضد رواندا حيث ارتأت التنقل إلى المطار الدولي للعاصمة لتكون من بين مستقبلي العناصر الوطنية القادمة من أوروبا وقطر (صايفي).. وقضت الشروق ساعات طويلة بمطار هواري ببومدين لرصد قدوم كل هؤلاء اللاعبين، تحسبا للمواجهة الهامة المرتقبة يوم الأحد المقبل مع المنتخب الرواندي، بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة، فكانت الصورة ذاتها التي بدأ الجميع بتعود عليها سواء بالمطار أو بأي مكان آخر يمر به نجوم المنتخب الوطني، على الرغم من أنه ولوقت ليس ببعيد، كان هؤلاء اللاعبين أنفسهم يمرون عبر المطار سواء قادمين إلى الجزائر أو خارجين منها، في تجاهل تام من طرف كل المتواجدين بعين المكان من مسافرين وعمال المطار. * هي إذن ليست المرة الأولى التي يعيش فيها مطار العاصمة الدولي حالة من الطوارئ، فكلما كان الخضر على موعد مع مباراة رسمية أو ودية، تشهد دائما قاعة انتظار المسافرين حضور عدد كبير من مناصري الخضر، آملين في الاقتراب من لاعبينا المغتربين لتشجيعهم وأخذ صور تذكارية معهم، ولا يمل الأنصار من الانتظار إلى ساعات متأخرة من الليل بغية تحقيق غايتهم. * وتعد هذه الظاهرة جديدة في تاريخ المنتخب الجزائري، إذ لم يكن أحد يأبه بقدوم اللاعبين المحترفين إلى الجزائر في ظل النتائج الهزيلة التي كان يحققها الخضر، خاصة وأنه خيّب الشعب الجزائري في مناسبتين، فبعد الوجه الطيب في سنة 2004 بكأس إفريقا التي احتضنتها تونس، تغيب الخضر عن طبعتي 2006 و 2008 بغانا ومصر، وهو الأمر الذي قضى على الثقة التي كانت متواجدة بين المنتخب والجمهور الجزائري. * وقد انقلبت الأمور رأسا على عقب منذ السنة الفارطة، بحيث دخل الخضر الدور التصوفي الأول لكأسي العالم وإفريقيا 2010 بخطى ثابتة ليمروا إلى الدور الأخير والذي فتح به أشبال الناخب الوطني رابح سعدان باب التأهل إلى المونديال، خاصة عقب الفوز على مصر بثلاثية والعودة بفوز ثمين على حساب المنتخب الزامبي. * * الحراسة المشددة لم تنفع * بالنظر للأهمية البالغة التي أصبح يوليها الجمهور الجزائري لمنتخبه ولاعبيه، وضعت السلطات المعنية بالخضر حراسة مشددة على اللاعبين، لتسهيل الأمور عليهم في مطار هواري بومدين، خاصة بعد المرور عبر مصلحة الجمارك، تحسبا لتدفع عشاق الخضر عليهم، ولئن نجح المناصرون في تحقيق مرادهم هذه المرة مع لاعبين أمثال بوعزة ومطمور وجبور ويبده بالاقتراب منهم وأخذ صور تذكارية معهم، إلا أنهم لم يغنموا بلاعب لاتسيو روما الإيطالي مراد مغني، هذا الأخير خرج تحت حراسة مشددة ونقل بسرعة البرق إلى مركبة خاصة، قادته مباشرة إلى الفندق العسكري ببني مسوس، أين يتواجد المنتخب الجزائري الذي يستعد لمواجهة رواندا يوم الأحد المقبل. * * عائلات وأقارب اللاعبين يصنعون الحدث * وليس بعض محبي المنتخب الجزائري من يصنعون الحدث بمطار هواري بومدين فقط، بل حتى أقارب اللاعبين يغتنمون الفرصة للقائهم بعد غيابهم عن أرض الوطن لعدة سنوات، مثلما حدث مع مراد مغني في التربص الأول له مع الخضر بمناسبة مواجهة الأورغواي، بحيث زارته عائلته المقيمة بأولاد هداج، ونفس الشيء مع لاعب نادي بورتسموث الانجليزي حسان يبده الذي التقيناه مع عدد كبير من أفراد عائلته المقيمة بالعاصمة وبلدية مقلة بولاية تيزي وزو، الذين قدموا خصيصا لاستقباله بعد مدة من تغيّبه. ولا ينطبق الأمر على مغني ويبده فقط، بل على جل لاعبي المنتخب الجزائري، وقد لمسنا فرحة وافتخارا لدى أقارب لاعبينا المغتربين بتحقيق حلم حمل الألوان الوطنية والدفاع عن الكرة الجزائرية، خاصة وأن المنتخب على مشارف التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا 2010. * * مصيدة لصايفي بباب الزوار * وكما جرت العادة يبقى مدلل مولودية الجزائر الأسبق رفيق صايفي يصنع الحديث أين ما حل وارتحل، فبعدما وصل أمس الأول إلى الجزائر عند منتصف النهار ذهب مباشرة إلى مقر سكناه بباب الزوار لزيارة العائلة قبل أن يلتحق بالفندق العسكري ببني مسوس، فالتف عدد كبير من الأنصار به، مرحبين بعودته إلى أرض الوطن من أجل الخضر، كما أخذوا معه صورا تذكارية، وعلى الرغم من أن أبناء الحي الذي يقطن به لاعب الخور القطري كانوا كثر، إلا أنه لم يأبه بذلك، لتيقنه من أنهم فخورين به * ويعلقون آمالا كبيرة عليه وعلى زملائه في المنتخب الجزائري للتأهل لزيارة جنوب إفريقيا في الصيف المقبل على حساب المنتخب المصري. * * الخضر وحدوا الشعب وحلم المونديال مشروع * فعلت النتائج الإيجابية للمنتخب الجزائري ما لم يفعله أي حزب سياسي بالجزائر، بحيث وحد الأمة الجزائرية وأنسى الشعب كل همومه، وتجلى ذلك من خلال الاحتفالات التي تعرفها كل مناطق البلاد بعد أي نتيجة إيجابية يحققها أشبال سعدان داخل أو خارج الوطن، في هذا الدور التصفوي الأخير المؤهل لكأسي العالم وإفريقيا 2010 . والملفت للانتباه كذلك هو أن حديث الشارع في الآونة الأخيرة يدور حول التأهل إلى كأس العالم والذي كان مجرد الحلم به صعبا، ولكن رفقاء زياني أعادوا إلى الشارع الجزائري أجواء سنوات الثمانينات، تلك الفترة التي كان فيها المنتخب الجزائري في عز عطائه * ويحسب له ألف حساب. والأكيد هو أنه يومي السبت والأحد المقبلين سيبقيان ذكرى خالدة في أذهان الشعب الجزائري، خاصة في حال تعادل أو انهزام المنتخب المصري في زامبيا، وفوز الخضر على رواندا ولو بهدف يتيم لأنه سيضمن المشاركة الثالثة للجزائر بأغلى منافسة في العالم. وفي انتظار ذلك، يحق لأشبال سعدان أن ينعموا بالدفء الخاص الذي يحيطهم به أنصارهم حيثما تواجدوا، ولو أن الأمر يتحول في غالب الأحيان إلى إزعاج قد يجبر القائمين على المنتخب الوطني إلى تعيين حراس خواص لنجوم "الخضر" لتجنيبهم المتاعب خلال الأيام التي يقضونها في بلدهم الأم.. والأكيد في كل هذا أن كثيرا من لاعبي "الخضر" ما كانوا يحلمون بمثل هذه المكانة بين أبناء وطنهم وهم الذين زاد وزنهم بين أنديتهم الأوروبية منذ أن استفاق العملاق النائم.. وبعد كل هذا، يحق لنا أن "نواسي" بعض اللاعبين المغتربين الذين لا يزالون يرفضون الاستجابة لنداء المنتخب الوطني على غرار مهدي لحسن، فو الله إنهم بصدد تضييع فرصة ذهبية لصناعة مجدهم بين أبناء وطنهم.