مرّ الآن أزيد من شهرين عن مباراة الخرطوم بين المنتخبين الجزائري والمصري وما تبعها من إفرازات قذرة، وهي مدة من المفروض أن تعيد الذين "شعللوها" إلى وعيهم ليعترفوا - على الأقل مع أنفسهم - بالأخطاء التي ارتكبوها في حق أنفسهم قبل غيرهم.. * ولكن الأداء الإعلامي المصري مازال يتهاوى ويلطّخ نفسه بكل العبارات السيئة التي أكدت أنه معقد وحالته ميؤوس منها بعد أن أصبح لا يتحرّج عن تقديم صور بهجة المصريين وتشفّيهم المرضي في حالة الهزيمة الجزائرية، ولا يتحرّج في تقديم إعلامي مصري وهو يدعو "الخالق" أن تنهزم الجزائر أمام كوت ديفوار سهرة الغد، مما يعني أن الجماعة لم تعلن هدنة وإنما كانت فيما يشبه "إستراحة المحارب" الذي خسر المعركة فصار مثل "الولايا" أو العوانس اللائي يردن الشر لمن حرق قلوبهن واختار عروسا أخرى. * لقد حاولنا على مدار الشهرين السابقين رغم "داء الإهانات والاعتداء" أن نبحث للإعلاميين والمثقفين المصريين عن أعذار سياسية وحتى حياتية، وحاولنا ان ننسى ما اقترفوه في حقنا، وأقنعنا أنفسنا بأن الذين دخلوا دائرة الأحقاد مجرد كمشة في صحراء شاسعة، وتمنينا أن تبتلع هذه الصحراء هذه الكمشة حتى نضع أول خطوة في رحلة البحث عن ضوء وسط الظلام الذي حدث إبان العدوان الغريب الذي شنّه المصريون بكل أطيافهم الدينية والثقافية والسياسية والإعلامية والمجتمعية على الجزائر.. ولكن هيهات هيهات، فقد اقتنعنا الآن أن الإعلام المصري الذي هو من المفروض مرآة المجتمع يرفض العودة إلى جادة الصواب، حيث أحرق كل سفن العودة، ويؤسفنا أن نقول أن كلمة "الجزائر" تتردد هذه الأيام في الإعلام المصري بأكثر "سوء" من كلمة "إسرائيل" دون أن تتحرك السلطة المصرية التي منحت قنوات الدولة الضوء الأخضر لسب الجزائر أواخر نوفمبر، ثم طلبت منها تفادي ذكر إسم الجزائر نهائيا وتركت للفضائيات الخاصة حرية التنافس لتقديم القرابين تحت أقدام "إله السياسة القادم"... * سؤال يجدر الآن طرحه وحصر الإجابة في جوابين لا ثالث لهما، وهو من المنتصر ومن الخاسر في هذا الذي حدث.. هل هي مصر أم الجزائر؟ * لقد قاطع الجزائريون من هول ما شاهدوه واستمعوا إليه وقرأوه الفن المصري بكل أنواعه دون أن يطلب منهم فعل ذلك من أي جهة كانت، والفن هو المجال الوحيد الذي مازال فيه للمصريين منفذ بعد أن تراجع الأداء الثقافي واضمحل الأداء الإعلامي وانبطح الأداء السياسي، ولم يبق للمصريين وهم يعلمون ذلك إلا الجزائر التي طبقت الحديث القائل "إرحموا عزيز قوم ذل"، وللأسف أرادوها بهاته الممارسات المتواصلة قطيعة وعملوا لأن لا تكون بعدها عودة.. وهم جاهزون لكل السيناريوهات التي يرسمونها حسب النتائج الكروية التي تحدث للمنتخبين المصري أو الجزائري وليس بالضرورة أن يلتقيا وجها لوجه.. ومهما كانت هذه النتائج التي لن تمنح لأي من الطرفين بطاقة دخول الجنة أو دخول السعير، فإن الخاسرين الذين سجلوا في مرماهم عدة أهداف يواصلون الآن الأداء المهزوم في الوقت بدل الضائع.. وحتى بعد نهاية المباراة.