في عام 2006 أعجبت بمبادرة قام بها السيد غول حين زار جمعا من الشباب في أحد المخيمات وكنت من الحضور ليحدثنا طويلا عن تجربته كوزير وما استخلصه منها بخصوص شروط النجاح ومواصفات المسير الناجح. وقد استفدنا بنصائح الوزير، وكنا نرى فيه حينذاك مثالا للإطار الجزائري الكفء، وقدوة للشباب المتطلع لمستقبل واعد. وكان من أسباب ما حظي به من قبول أنه غلّب في مساره شخصية التكنوقراطي على السياسي، وتجنب الانخراط في مهاترات سياسية تؤثر سلبا في مصداقيته. هذه المصداقية الجريحة على مر السنين، وجدت نفسها في مأزق أخلاقي وآخر سياسي بعد تأسيسه حزب تاج، ومذاك وهو يذكر بعظمة الرئيس وإنجازاته، ثم مرافعاته المتوالية بالعهدة الرابعة. وردا لجميل السيد غول، كما نصحنا في وقت مضى، أرفع إليه توضيحين، مشفوعين بنصيحة قد تنفعنا وتنفعه في مثل هذه الظروف المفصلية التي تمر بها البلاد. أولها حين ترشح باسم تحالف الجزائر الخضراء، ثم تحول بُعيد نجاحه في الانتخابات إلى تشكيل حزب جديد، مع ثلة من أصحاب التوجه الإسلامي الناجحين باسم نفس القائمة، وكأنها عملية اختطاف عن سبق إصرار وترصد. والسؤال العالق هنا: لماذا ترشح باسم "حمس" وهو ينوي الخروج عنها قريبا؟ أن يقرر السيد غول إنشاء حزب جديد يعني أنه فكر في الأمر منذ أمد، وكان يعد الرجال وما يتبعهم من إمكانات لوجستية وتنظيمية معتبرة، وهذا يتطلب فترة ليست بالقليلة؛ فلماذا قِبل أن يترشح باسم حزبه الأول وهو قد حسم أمر الانشقاق عنه.؟ ! كيف سنصف هذا التحوّل؟ إذا كنا من المجاملين سنقول إنّه إخلال بالتزام قانوني وتنظيمي ومعنوي مع حزب الراحل نحناح. وإذا كنا معتدلين وعادلين، سنقول عنها بكل بساطة إنها خيانة في وضح النهار! وفي مناسبات متكررة، منذ تأسيس حزبه "تاج"، لم يتوقف عن إعادة نفس التصريحات، وإن كانت تتبع الموضة السياسية منذ أكثر من عشر سنوات. وبغية الاختصار سأتناول مقطعين شائعين عند كثير من أتباع الرئيس، يلقونها على أسماع الشعب، بمناسبة وبغير مناسبة، فيها مغالطة تاريخية، وقفز على الحقائق بشكل صارخ. قال السيدّ غول : "الجزائر تنعم بنعمة الأمن والاستقرار بفضل الرئيس بوتفليقة.." أي بفضل تجسّيد مشروع المصالحة الوطنية. ونحن لا نقلل من دور الرئيس في هذا المشروع؛ لكن الفضل ليس له وحده. الفضل الأول يعود إلى نخبة سياسية وفكرية و دينية، ومعظم فاعلي المجتمع المدني، ممن ناضلوا، منذ بدايات العشرية السوداء، في سبيل إقناع السلطة والنظام بوجوب حل سياسي لهذه الأزمة المعقدة. فالرئيس استجاب عمليا لما اتفقت عليه هذه النخب، بضرورة مد جسور الحوار كطريقة مثلى لإصلاح ذات البين. وحصرُ الفضل في شخص واحد افتيات في حق التاريخ والرجال. ومن حديث السيد غول كذلك، أن الديون سُددت بفضل الرئيس، وأنّ الجزائر تجنبت أزمة مالية عصفت بالعالم كله، سنة 2009، لولا حكمة ولي أمرنا! هذا الكلام، حتى وإن جاء في إطار المرافعات المتوالية لعهدة رئاسية رابعة، لا يُقبل ولا يستساغ؛ لأنه من السطحية والاختلال الصارخ ما يجعلنا نتمنى لو أن السيد غول، وهو الدكتور صاحب المؤلفات العلمية، ما قاله هكذا مباشرة. لقد وددنا لو أنّه اجتهد بنوع من التحليل والتعليل، ولو بسيط، أحسن من إطلاق الكلام هكذا بطريقة "شعاراتية" ليس لها أي صلة قريبة أو بعيدة بالموضوعية العلمية. يا سيدي، الفضل كل الفضل لله على ما وهبنا من بترول، وعلى تسخيره ظروفا دولية سنة 2001، أفضت إلى حروب أضرت بدول و نفعتنا، فقفزت الأسعار إلى حدّ لم نحلم به منذ عقود. أين هي المزية في تسديد الديون حين يكون رصيد بلادنا من العملة الصعبة قرابة مائتي مليار دولار، لم يكن لأحد فيها فضل لا من قريب ولا من بعيد، بل كانت منحة إلهية صرفة. لكن سيكون للرئيس فضل إذا استطاع ببرنامج اقتصادي قوي ومنتج أن يوفر للجزائر دخلا محترما من العملة الصعبة دون ما حاجة مباشرة إلى البترول. هذا الريع النفطي نفسه هو ما جنّب الجزائر ارتدادات الهزة المالية العالمية، وليست حكمة فلان أو علان. وأخيرا أنصحك، سيد غول، أن لا تتعب نفسك وتجهدها في إقناعنا، نحن الشباب، بلغة خشب ميت، لأننا فهمنا الدرس ووعيناه، ومللنا من تكراره بنفس ألفاظه ومعانيه وأشخاصه. وإنك لم ولن تكون "رجل تغيير"، كما تصف نفسك، وخطابك تعبير خالص للاستمرار عنوانه "العهدة الرابعة".