منذ عدة عقود والهيئات والمؤسسات العربية الحكومية والرسمية حين تجتمع تحت المسمى العربي وهي تختلف سواء كان ذلك على مستوى الملوك والأمراء والرؤساء في القمة أو على مستوى محرري الصحف السياحية بل وأدنى من ذلك .. فعدم الإنفاق على شيء هو سمة عرب نظام سايكس بيكو وملحقاتها وقد انقسموا في داخل جامعة الدول العربية إلى قسمين رئيسيين: قسم دول النفط وقسم دول الشفط وكثيرا ما تبيع دول الشفط قراراتها إلى دول النفط مقابل دولارات تدفع تحت هذا المسمى أو ذاك من مسميات المساعدات في التنمية والأعمار، والشيء الوحيد الذي ينمو ويعمر في دول الشفط العربي هو جيوب سياسييها، أما الشعوب فلا تزال على حالها، فهاهو اليمن المحاذي لدول النفط يتأخر حاله رغم الأموال التي شفطها قادته منذ هيئة إعمار الجنوب العربي برئاسة الشاعر الكويتي الكبير أحمد السقاف رحمه الله رغم ما ضخته الهيئة من أموال في الجنوب، أما جنوبلبنان فحدث ولا حرج وأما جنوبالأردن المحاذي للسعودية دولة النفط الكبرى فقد قامت فيه أول ثورة خبز في تاريخ المملكة الهاشمية والأمثلة كثيرة في جنوب مصر وجنوب السودان، وكأن القوم في دول الشفط كانوا على وفاق واتفاق مع دول النفط أن يظل الحال على حاله شفطا ونفطا. لأن الحال في جميع هذه الدول نفاطها وشفاطها حال واحد، فالمواطن العربي - إن صحت تسمية مواطن وعربي- لا يستطيع أن يعيش إلا إذا طبق قاعدة: أدفع أو ارفع.. فإما أن يدفع رشوة لتمرير يومه بما فيها رشوة الحصول على رغيف أو رغيفين من الخبز العفن لأجير المخبرة وإلا فلن يحصل على خبزة ذلك اليوم... وإما أن يرفع تقريره اليومي عن جيرانه وزملائه لجهاز الأمن فساعتها سيحصل على الكسرة بل وعلى البيت ولا على القروض وعلى الوظيفة.. فهذا المواطن إما هو دافع وإما هو رافع فإن لم يدفع فيدفعونه إلى جهنم وبئس القرار وإن لم يرفع فسيرفعونه إلى العلى عبر المشانق المتعددة الأشكال والأنواع ومصادر التصنيع... أما الشيء الذي تتحد فيه دول العرب غنيها وفقيرها كبيرها وصغيرها ولا يختلف فيه ملوكها وأمراؤها ورؤساؤها ولا هيئاتها فهو وزراء الداخلية.. فمنذ أن صار هؤلاء يجتمعون دوريا قبل عقود لم نسمع عن أي خلاف بينهم.. وقراراتهم تأخذ طريقها إلى التنفيذ سريعا وبالدقة البالغة.. فكل شيء في هذا الوطن العربي من محيطه الهادر إلى خليجه الثائر فوضى ولا ناظم ولا نظام له، إلا القمع فهو الشيء الوحيد المنظم الذي عشناه ونعيشه. وآخر ما اتفق عليه وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم قبل أسابيع هو توحيد بطاقة تعريف الهوية بين الدول العربية أي أن يحمل العربي النفاط نفس بطاقة العربي الشفاط، فحيثيات أي نفاط وأي شفاط موجودة على الحاسوب، وما على الشرطي إلا أن "يعبز" على زر فتنجلي أمامه حركات وسكنات هذا المواطن منذ أن كان نطفة في ظهر جده الأعلى سواء كان من قحطان أو من عدنان فلسان الحاسوب يجمعنا فلا دين يفرقنا ولا حد يباعدنا فكلنا تحت القمع أخوان. * ومع أن المقصود بهذه العربية الموحدة المقترحة والتي لابد أن يقرها ويستحسنها قادتنا في مؤتمرهم الدوري القادم ليس وحدتنا وسهولة تنقل الناس في سجنهم الكبير المسمى وطنا عربيا أو تحقيق التنمية في وطن مدمر من ليبيا حتى العراق ولم يعد فيه حتى حجارة لإعادة البناء، فقد صارت ترابا خشنا ولم يعد فيه بشر يبنون فهم مقتولون، أما بسيف الإسلام الذي يتخذ اليوم اسم داعش كما اتخذ أمس اسم القذافي واسم القارض القرضاوي وقبلهما اسم سيف السلام حميد الدين اليماني أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من سيوف قطع الأعناق وقطع الأرزاق.. ومع كل هذا علينا كعرب أن نشكرهم حتى ورقابنا الآن تتدلى من المشنقة...فقد اعترف هؤلاء الوزراء أخيرا بأننا عرب تجمعنا بطاقة تعريف هوية واحدة. لكن السؤال هل ستفلح هذه البطاقة الورقية أو الالكترونية التي ترفع في الوقت الضائع في استتباب الأمن الذي لم تفلح فيه جهود وزراء الداخلية العرب منذ نحو قرن من الزمان وكانت نتيجته سحل وشنق وقتل وهرب وحرق وعزل وقطع رؤوس ملوك وأمراء ورؤساء ومواطنين وصحفيين وضيوف واستهتار بالقيم حتى الدعارة سميت جهادا والجريمة مرابطة وما إلى ذلك من منتجات وزراء الداخلية الذين لم يختلفوا مرة واحدة على قمعنا وإذلالنا ..هل ستفلح هذه البطاقة في هذا الوقت الضائع؟ لا أعتقد. فقد قال المتنبي منذ قرون: وَإِنَّما الناسُ بِالمُلوكِ وَما تُفلِحُ عُربٌ مُلوكُها عَجَمُ فماذا سيقول المتنبي لو عاش حتى زماننا هذا ورأى أن ملوك العرب بين رومي استعجم وعجمي استروم؟