تتكرّر مع كل عيد ظاهرة الغياب الكلّي لكل مرافق الحياة من محلات وأسواق ومؤسسات استشفائية، رغم التهديد والوعيد من قبل السلطات المعنية بالشّكل الذي جعل كل تلك الضّجة التي يحدثها بعض المسؤولين قبل الأعياد مجرّد صياح ديكة ينتهي مفعوله في اللحظة ذاتها. أين المحلات التي قيل إنها ستكون في خدمة المواطن يومي العيد؟ وأين تلك الوعود التي أطلقت بشأن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة؟ وماذا عن العقوبات التي قيل إنها ستُطبق على المخالفين للتعليمات؟ وليت الأمر توقف على يومي العيد، بل إن الظاهرة توسّعت لقرابة أسبوع كامل قبل العيد وستستمر لأسبوع آخر لما بعد العيد، حيث تتضاءل الخدمات وترتفع الأسعار ويصبح حصول المواطن على ضروريات الحياة من خبز وحليب وخضر وخدمات الوقود إلى ما يشبه مهمة مستحيلة تستدعي التفرغ الكلي لها. وبدل أن تبادر وزارة التجارة وباقي السلطات المعنية إلى التصدي لهذه الظاهرة السلبية التي جعلت المواطن يعيش في جمهورية خارج الزمن، حاولت هذه السلطات التّغطية عليها بالادّعاء أنّ نسبة المداومة يومي العيد بلغت 95 بالمائة. وهذه النّسبة تعفيها من أي مسؤولية في متابعة المقصّرين والرّافضين لتطبيق التّعليمات، وبالتالي الرضا بالواقع الذي يفرضه التّجار في كل عيد بالشكل الذي حول هذه المناسبات السّعيدة إلى معاناة وحرمان من أبسط حقوق المواطنة وهي الحصول على ضرورات البقاء على قيد الحياة. لقد غابت تماما هيبة الدولة، وتبدّد رادع القانون، وأصبح الجميع يتصرّف وفق هواه، ولا يقيم أدنى اعتبار لحقوق النّاس، والنّتيجة ما نراه من تسيّب وفوضى يدفع ثمنهما المواطن الذي يسدّد كذلك فاتورة لامبالاته واستقالته من مهمة القيام بأيّ دور رقابي. ما يحدث في الجزائر لا يحدث في دول الجوار، حيث لا تزال الدّولة حاضرة وتدير شؤون النّاس، ولا تزال المؤسّسات تقوم بواجبها في رعاية مصالح النّاس، وحتى الأسعار حافظت على مستوياتها ولم تقفز بالشّكل الذي جعل سعر البطاطا مثلا يفوق سعر الدّواء!! وتكفي الإشارة إلى سعر تذكرة الطّائرة من باريس إلى الجزائر الذي يصل إلى 500 يورو، فيما لا يتجاوز 60 يورو باتّجاه مطارات المغرب، وهذا مثال فقط على الحالة التي وصلنا إليها بسبب اعتماد السّلطات سياسة النّعامة في مواجهة المقصرين في واجباتهم نحو المواطن.