هو أمر عجيب وغريب، عندما تفشل أطياف الطبقة السياسية والمجتمع المدني والجمعيات وكلّ الفاعلين وغير الفاعلين، في إطفاء نار الفتنة في غرداية، ووقف الاحتجاجات بتمنراست وعدة ولايات جنوبية، فأين الخلل، وماذا تفعل إذن الدولة بوزرائها وولاتها ونوابها وأميارها، إذا كان الغاضبون يرفضون الاستماع إلى كلّ هؤلاء؟ عندما ينزل وزير إلى "بؤرة احتجاج" في أيّ مكان من الجزائر، فهذا مؤشر، على أن القضية تجاوزت المير والوالي، وعندما ينزل مثلا الوزير الأول إلى المنطقة، فهذا دليل أن الوزير "المرسول" عجز عن إقناع المحتجين وامتصاص غضبهم والاستجابة لمطالبهم! كثيرة هي المشاكل التي عجز عن حلها وزراء وولاة ونواب وأميار، لكن إلى أن يثبت العكس، ولا أحد من هؤلاء تشجّع واعترف بالفشل، فقدّم استقالته وانسحب بشرف، قبل أن تتحرّك آلة الإقالة و"الطرد" فتقتلعه مثلما يقتلع "الراشكلو" مسمارا من خشبة مبلّلة! هل يُعقل أن تستمر الاعتصامات بولايات جنوبية لعدّة أسابيع، بسبب حكاية الغاز الصخري، دون أن يجد أصحاب الحلّ والربط حلاّ عاجلا وعادلا لمثل هذه الاحتجاجات التي قد تأخذ أبعادا أخرى؟ لا يُستبعد أن يكون احتجاج عين صالح وغيرها، مجرّد الظاهر من جبل الجليد الذي يُخفي "ريح الجنوب"، أو الشجرة التي تغطي غابة "تخلاط وتخياط"، ليس غريبا أن يستثمر فيه منتفعون ومستفيدون يحترفون ركوب الموجات واستغلال غضب الزوالية من عامة الجزائريين! لم تُسارع الحكومة مثلما لم يُسارع البرلمان، إلى عقد "اجتماع طارئ"، يبحث فيه عن قرارات وإجراءات سريعة، تُطفئ نار الفتنة، وتفضح الصيّادين في المياه العكرة، وتُنصف "المحڤورين" في الجنوب الذي يبقى جزءا لا يتجزأ من هذه الجزائر الواقفة والصامدة. من الطبيعي أن يخاف المحتجون على حياتهم وحياة أبنائهم ورزقهم ومصادر قوتهم، مستقبلا، نتيجة استغلال هذا الغاز الصخري، الذي تحوّل بفعل الإشاعة وعدم التواصل والفشل في الإقناع، إلى "غول" ينام تحت الصحراء، ويهدّد بتفجيرها والعياذ بالله!
ما يحدث في الجنوب، هو فشل ذريع لهذه الطبقة السياسية، التي لا تظهر إلاّ في الانتخابات، وإذا ظهرت، فإنها تسكت دهرا، ثم تنطق كفرا، ولذلك، لم يعد يستمع إليها المحتجون، وهي في نظرهم "كاذبة حتى وإن صدقت".. فألم يحن الوقت للبحث عن آليات جديدة ومقنعة تجنّب البلاد والعباد المزيد من تضييع الوقت في معارك تستهدف قوانا قبل المعركة الحاسمة!