يكشف توجه "التنسيقية" نحو حشد الشارع في صراعها مع السلطة، عن قراءة مفادها أنها فشلت في توظيف كافة خيارات الحوار لإخضاع السلطة، وبالمقابل تبدو السلطة غير آبهة بتهديدات المعارضة يقينا منها بأن دعوتها لوقفات احتجاجية لا تقدم ولا تؤخر شيئا في واقع الصراع، اعتقادا منها بأن الشارع مستقيل من العمل السياسي ومن ثم فهو عصي على التوظيف من أية جهة كانت بما فيها السلطة. فأين يقف الجزائريون من هذا الصراع؟ وما حقيقة استقالته من العملية السياسية؟ هذه الأسئلة وأخرى يجيب عنها "الملف السياسي" لهذا الخميس. وأدت مبادرة "التنسيقية" وأفشلت مشروع الأفافاس السلطة فازت بحرب المبادرات.. فهل هي مستعدة لمواجهة الشارع؟ تبدو الطبقة السياسية عشية الوقفات الاحتجاجية التي دعت إليها تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي الأسبوع المقبل، منقسمة على نفسها، بين مؤيد للسلطة ومعارض لها، وبين متابع مترقب للوضع، ومستقيل تماما من الممارسة السياسية. ويصب هذا المعطى في صالح السلطة، التي نجحت خلال السنوات الثلاث الأخيرة في إعادة هيكلة المشهد السياسي بعد أقل من سنة من حالة الارتباك التي خلفتها موجة "الربيع العربي" التي اجتاحت دولا مجاورة، وكانت سببا في خسارتها شريكا سياسيا ثقيلا، ليس بحجمه الشعبي وإنما بخلفيته الإيديولوجية، التي لطالما لعب عليها النظام للخروج من عزلته في تسعينيات القرن الماضي. هذا الشريك لم يكن سوى "حركة مجتمع السلم"، التي اعتقدت، بينما كان "الربيع العربي" في أوجّ عنفوانه، أن ساعة الطلاق مع السلطة قد حانت، أملا في اقتطاف ثمار تلك الموجة، غير أن السلطة عرفت كيف تنحني للعاصفة، مستخلصة دروس الماضي، فبادرت إلى مد الجسور في الخفاء مع طرف لا ينكر أي متابع معارضته للسلطة منذ البدايات الأولى للاستقلال، ألا وهي جبهة القوى الاشتراكية. وإن كانت القراءات السياسية والإعلامية متباينة بشأن موقع "الأفافاس" في الوقت الراهن، فإن الأهم بالنسبة للسلطة حاليا، هو أن "حزب الدا الحسين" لم يعد ذلك المعارض الشرس لها، مثلما كان الأمر قبل عام 2012، والدليل أنه لم ينخرط في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، بل إنه ساهم في شق صف المعارضة، بحسب ما تقوله هذه الأخيرة، وذلك من خلال مبادرته بمشروع جديد (مبادرة إعادة بناء الإجماع الوطني) لم يكن واضح المعالم والأهداف، بقدر ما ساهم في فك الخناق السياسي عن السلطة. ويكشف الموعد الذي حددته "التنسيقية" للخروج إلى الشارع (24 فبراير الجاري)، أنها تستهدف التأثير على مبادرة "الأفافاس" ومحاولة إفشالها، لكن السلطة كانت السباقة في إفشالها من خلال الإيحاء لحزبيها، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بطعن المبادرة بعد أشهر من المغازلة، ما يعني أن السلطة لا تثق حتى في "حزب الدا الحسين" الذي أبان عن مواقف سياسية غير معهودة، قدّر الكثير بأنها لا تخدم سوى السلطة. وبعد أن نجحت في إفشال مبادرة "التنسيقية" بعدم التعاطي معها وساهمت في دفع قادتها للخروج إلى الشارع، جاء الدور على مبادرة الأفافاس التي بدت للوهلة الأولى أنها لا تضر سوى "التنسيقية" بالنظر لتوقيتها على الأقل، ما يعني أن السلطة لا تترك هامشا للشك، لأن ندوة 24 فبراير، كان يمكن أن تتحول إلى محاكمة لمؤسسات الدولة.. وهو ما تخوف منه الأمين العام للأفلان، عمار سعداني، عندما تحفّظ على المشاركة فيها. وبهذا يكون كل من "الأفافاس" و"التنسيقية" قد خسرا ولو مؤقتا، فيما تبقى السلطة الرابح الأكبر في الشوط الأول من الصراع (معارك المبادرات)، أما الشوط الثاني وهو رهان الشارع، فذاك تحد آخر يبدو من الصعوبة بمكان تفعيله بالنظر للمعطيات الداخلية والإقليمية المعقدة، لأن جروح العشرية الحمراء لاتزال لم تندمل بعد، أما خارجيا فالأمثلة كثيرة، ولعل ما يحدث في كل من سوريا واليمن وليبيا ومصر من قتل وتدمير.. خيل دليل، وهو ما يجعل الجزائريين يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على الخروج إلى الشارع حتى ولو كان سلميا. قلالة يعتبر موعد 24 فبراير اختبارا للتنسيقية الشارع استقال من العملية السياسية والسلطة تعلم أنه لا يساندها قال الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سليم قلالة، إن تنسيقية التغيير لن تتمكن من حشد الشارع للخروج يوم 24 فيفري المقبل، لأن الشارع أصلا استقال من العملية السياسية وهو حاليا يلعب "دور المتتبع والمراقب للأحداث". وتنبأ سليم قلالة بصعوبة مهمة أحزاب المعارضة المنضوين تحت تنسيقية الانتقال الديمقراطي لحشد الشارع لغرض الضغط على السلطة، من أجل تحقيق مهمة الانتقال الديمقراطي وكذا مطلب الانتخابات المسبقة وغيرها من المطالب التي تنادي بها التنسيقية، مشيرا إلى أنه أكثر متابعة للحدث عن بعد، وقال: "الشارع مستعدا لأن يكون أداة للتغيير كما تحلم المعارضة، لكن لا أتصور بأن الشارع حاليا يمكنه أن يكون طرفا في معادلة التغيير". وأضاف: "الشارع متابع دقيق للوضع السياسي سواء تعلق الأمر بالمعارضة أم السلطة، وأضاف بأن وهو لديه حكم خاص به لم يعبر عليه علانية ويحتاج إلى وقت للتصريح به"، وأكد على أن "السلطة تعرف جيدا بأن الشارع لا يساندها". وأوضح أن "الشارع حاليا يعيش مرحلة تخوف من الانزلاق ويخاف من انعكاس الأمور عليه، لأنه يعي جيدا أنه سيدفع الثمن"، لافتا إلى أن "الجزائريين أوعى بمصلحة الدولة ويعرفون جيدا ما يدور حولهم ويؤثر عليهم". ونوَه قلالة بأن خروج التنسيقية إلى الشارع يوم 24 فيفري سيكون اختبارا لها لتؤكد فعاليتها في الميدان، ونفى ما يروج من ادعاءات مسبقة حول فشل التنسيقية، ليشدد على أن هذا اليوم سيكون خطوة لجس النبض وبداية التجربة، فيما اعتبر عدم تجاوب السلطة مع مطالب المعارضة هو نتيجة عقم في المبادرات التي لم تأت بالجديد، وهي تكرار لنفس الاقتراحات ولم تجلب معها أطروحات جديدة، وحتى الدولة نفسها -حسبه- لم تأت في مبادراتها بالجديد. الناطق الرسمي باسم جبهة التحرير الوطني السعيد بوحجة الشعب لن يلبي دعوات التنسيقية خوفا على استقرار البلاد يرى الناطق الرسمي باسم جبهة التحرير الوطني السعيد بوحجة أن مبادرة تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي بتنظيم وقفات احتجاجية يوم 24 فيفري الجاري "إفلاس سياسي".. واعتبر الوقفات "غير شرعية" وتصطدم بالإجراءات الشرعية التي تمنعها وهذا انتحار حسبه. تنسيقية التغيير والانتقال الديمقراطي دعت إلى وقفات يوم 24 فيفري المقبل. كيف تنظرون إلى هذه المبادرة وهل هو قرار وموقف سليم؟ هذه المبادرة جاءت كرد فعل واحتجاج لأنهم امتنعوا عن الحوار، والملاحظ أن هذا الاحتجاج يأتي في وقت تحضر فيه الطبقة الشغيلة للاحتفال بمحطة عزيزة في تاريخ الثورة وأخرى في ثورة البناء والتشييد، وأعتقد أن هذا اليوم من المفروض أن يكون يوم احتفال وليس احتجاجا. هذه المبادرة ليست ذات بعد سياسي بقدر ما هي مبادرة إفلاس سياسي، وكان من المفروض أن يطلقوا مبادرة لإعداد إجماع يخرج بالبلاد إلى مرحلة أخرى مبنية على التوافق. هل تعتقدون أن "التنسيقية" قادرة على تجنيد الشارع وهل تتخوفون من أن تنحرف هذه المبادرة؟ أعتقد أن مبادرتهم هذه غير شرعية قبل كل شيء، وممكن أن تصطدم بإجراءات الشرعية وهذه مشكلة حقيقية، سببها أن "التنسيقية" مبنية على أساس حساسيات سياسية متناقضة، وهذا يمثل انتحارا ولذلك نتخوف لأنها غير مبنية على العقل والرزانة. وعموما أرى بأن الشعب يرفض أي عمل يزعزع الاستقرار أو أي خطوة غير مدروسة العواقب، خاصة أن موضوع الوقفات هو لدعم احتجاجات عين صالح ضد الغاز الصخري الذي حوّلوه لموضوع سياسي، وهذا أمر خطير لأن سكان عين صالح بحاجة لتوعية وشرح وليس لموقف سياسي. أما التجنيد فلا أعتقد أنهم قادرون على ذلك فهم دعوا لوقفات وليس مسيرات، وأستبعد أن يلبي الشعب هذه الدعوة بالنظر للظروف الإقليمية المحيطة بالبلاد، خاصة أننا رأينا كيف بدأت الأمور في دول عربية وكيف تطورت ونحن نشاهد كيف هو الوضع حاليا في هذه الدول. هل تعتقدون أن السلطة مسؤولة عما قد يحدث لعدم تفاعلها مع مطالب التنسيقية أم أن هناك اطمئنان بأن الشارع لن يتحرك؟ بالعكس السلطة قامت بما عليها والمشكل أنهم هم من امتنعوا عن الحوار، وأقول لهم من أنتم وماذا تمثلون حتى ترفضوا الحوار. لقد نصبوا أنفسهم بمثابة الشرعية الوحيدة في البلاد في حين كان من المفروض أن يستجيبوا للحوار وليس الامتناع عنه، وذلك لا أظن أن الشارع سيمشي معهم فهم يريدون استغلال وسائل أخرى، لكن حتى الجبهات المحتجة كقطاع التربية لن تمشي معهم، لأنه وقبل كل شيء، مبادرتهم هذه غير موضوعية من الأساس. برأيكم لماذا بقي الشارع بعيدا عن التجاذبات السياسية وصار مستقيلا تماما من العمل السياسي؟ الشعب الجزائري يعيش على الأمل وهو خائف في نفس الوقت خاصة في ظل أزمات عالمية اقتصادية في الغرب وتراجع أسعار البترول وأخرى أمنية، ولذلك فهو متخوف وهو يريد نوعا من الهدنة لتحقيق أهداف مسطرة، لذلك نحن بحاجة ماسة إلى تماسك المجتمع. أما العمل السياسي فأعتقد أن الشعب الجزائري ما زال منهارا من مرارة المأساة الوطنية في العشرية السوداء، وهو متردد في العمل السياسي خاصة بعد أن عرف تشكيلات سياسية غير واعية ممن رفعت شعار الإسلام ولكن تبين أنها بعيدة عنه.
ذويبي يؤكد تمسك أحزاب المعارضة بوقفة 24 فيفري والتعبئة لها: السلطة شوّهت العملية السياسية لضرب المعارضة لكنها أخطأت التقدير يعترف الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، بوجود هوة بين المواطن من جهة والطبقة السياسية برمتها من جهة أخرى، وأرجع ذلك لتعرض العملية السياسية للتشويه من قبل السلطة، وتوقع أن يساهم الحراك الحالي في استعادة هذه الثقة من خلال الطرح الإيجابي للمبادرات، ولفت إلى أن الوقفة التي ستنظم في 24 فيفري ستكون بمثابة "بارومتر" لقياس تفاعل المواطن مع طرح أحزاب المعارضة. قررتم الخروج إلى الشارع في 24 فيفري، هل أنتم قادرون على الحشد لهذه الوقفات؟ لقد كثر الكلام عن الخروج إلى الشارع وكأن الأمر خارج عن العادة أو عن المنطق، والعكس هو الصحيح، فهذا أمر عادي لأن تنظيم الوقفات للتعبير عن مواقف هذه الأحزاب أمر صحي، ثم نحن قررنا الخروج للتضامن مع إخواننا في الجنوب الكبير لأن الكيفية التي طرحتها السلطة بخصوص الغاز الصخري، بشكل أحادي انعدمت فيها استشارة الشعب، مثلما لم تتحرك على نحو إيجابي بعد شهرين من خروج مواطني عين صالح. هذا الأمر يستدعي التحرك. توصفون بمعارضة الصالونات وتقول السلطة إنه ليس باستطاعتكم التعبئة لهذه الوقفات، ما ردكم؟ لقد عملت السلطة على تشويه العملية السياسية وتشويه نفسها بنفسها، وكانت تعتقد أنها بتشويه صورة المعارضة ستضم المواطنين إلى صفها غير أنها أخطأت التقدير، لذلك نعيش فراغا سياسيا يمكن أن يتم ملؤه من أي جهة، ونحن نسعى لملء هذا الفراغ بشكل إيجابي، ومن ثمة إعادة الاعتبار للعمل السياسي.. هذا كلام مغرض ونحن ندرك ذلك، ويبقى محاولة يائسة في رأينا. لكن الشعب لم يعد يثق لا في السلطة ولا في أحزاب الموالاة كما أنه لا يثق في أحزاب المعارضة؟ نحن من خلال استقرائنا للحياة السياسية لمسنا وجود تفاعل من طرف المواطنين ونعتقد أن التعبئة ستتم بطريقة إيجابية ويوم 24 فيفري سيؤكد ذلك، لننتظر ونرى، نحن موجودون في كل مكان ونعرف جيدا معاناة المواطنين، لذلك لابد من تغيير المفاهيم، والتغيير لا تقوم به فقط الأحزاب بل المواطن الذي يعد اللبنة الأساسية في كل عملية. السلطة اليوم معزولة عن الشعب ولا تستطيع التسيير، هدفنا هو كيف نربح رأي المواطن بالطرح السليم الحقيقي، وكيف نستعيد ثقته، صحيح أن نسبة الثقة بيننا منخفضة جدا، ولكننا سنعمل على تجاوز مرحلة تشويه العمل السياسي. هل ستتم التعبئة بطريقة شرعية وقانونية أم أنكم ستلجأون لملء الحافلات بمواطنين مقابل المال، مثلما اعتدنا عليه في مختلف الفعاليات السياسية التي تنظم بالبلاد؟ نحن عملنا بعيدا عن شراء الذمم، ونريد أن يتحمل المواطن مسؤوليته بقناعة. هل الخروج إلى الشارع هو آخر ورقة تلعبها المعارضة؟ الخروج إلى الشارع هو وسيلة من الوسائل، فنحن عقدنا الاجتماعات والندوات والتجمعات، وهذا كله لاستنكار ما تقوم به السلطة، واختيارنا للخروج يوم 24 فيفري، جاء كون هذا اليوم يخص كل مواطن جزائري وله رمزية وطنية هي تاريخ تأميم المحروقات، ونحن نعتقد أن هذه الرمزية تنتهك لذلك رأينا أن الوقفة في هذا اليوم قد تساهم في إعادة الحق لأصحابه.