انقضت عشر سنوات بالتمام من عمر ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، غير أن القراءات التقييمية لهذا المشروع الذي لا يزال قيد التجسيد، اختلفت بين المواقف الرسمية والجهات الحقوقية المستقلة، وكذا ضحايا المأساة الوطنية. وبينما يؤكد رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية "حقق وفي زمن قياسي كل أهدافه"، مستدلا بتراجع حجم ووتيرة الأعمال الإرهابية، يذهب حقوقيون مستقلون عكس ذلك. ويقول المدافعون إن ميثاق السلم جلب الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد، ما فتح المجال أمام الدولة كي تضخ مبالغ مالية باهظة من أجل إعادة تأهيل البنى التحتية، ناهزت ال 800 مليار دولار، وإطلاق مشاريع جديدة، فضلا عن إعادة بعث الورشات التي تعثرت إبان عشرية التسعينيات الحمراء. وفي هذا الصدد، يذكر مروان عزي، رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، أن أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية شملت 9000 شخص إلى غاية ديسمبر 2013، يضاف إلى ذلك أولئك الذين استفادوا من إجراءات الوئام المدني في عام 1999، الذين يقدر عددهم بنحو ستة آلاف شخص، ما يرفع العدد الإجمالي إلى 15 ألفا. ويعترف المشرفون على تجسيد تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بوجود اختلالات على هذا الصعيد، الأمر الذي حد من تحقيق النتائج المرجوة، وقد تجلى ذلك من خلال رفع مطالب إلى رئيس الجمهورية لاستصدار إجراءات جديدة من أجل تسوية بعض الحالات التي أغفلها ميثاق السلم، التي تم الوقوف عليها من خلال جلسات الاستماع التي باشرتها لجنة تجسيد تدابير المصالحة، مع المتضررين من المأساة الوطنية، كما سماها ميثاق السلم. ويبقى ملف المفقودين واحدا من المسائل التي لا تزال تلغم مشروع المصالحة، في ظل الانسداد الحاصل بشأن العدد وكذا التعويضات، التي فاقت ال 11 ألف ملف، وكذا معرفة حيثيات اختفاء المفقودين وعلى من تقع المسؤولية، وهو المطلب الذي عادة ما ترفعه الهيئات المدافعة عن المفقودين الرافضين استلام التعويضات قبل معرفة "الحقيقة"، كما يقولون. غير أن للطرف الآخر رؤية مغايرة، يعبر عنها الناشط الحقوقي المستقيل من المجلس الشعبي الوطني، مصطفى بوشاشي، الذي شكك في صدقية النتائج التي تتحدث عنها السلطة في هذا الإطار، فهو يذهب بعيدا عندما يربط نجاح المشروع بمعرفة حقيقة ما جرى في البلاد عشرية التسعينيات، وهو أمر طواه ميثاق السلم، من خلال تجريم فعل النبش في الماضي. وبينما تتحدث السلطة عن تعويض المفقودين، يقدم بوشاشي مفهوما أوسع لهذه القضية، حيث يتحدث عن ضرورة أن يشمل التعويض الفئات التي تعرضت للتعذيب، وأولئك الذين سجنوا خارج القانون، وهو أمر أغفله أو تجاهله ميثاق السلم.
أما الطرف الآخر، ممثلا في جمعيات ضحايا الإرهاب، فله رؤية أخرى تقوم على إقصاء طرف رئيسي في المأساة وهم من يسمون ب "التائبين"، فضحايا الإرهاب يعتبرون استفادة هذه الفئة (التائبين)، من قانون المصالحة "إفلاتا من العقاب". وهو المطلب الذي لم يأخذ به ميثاق المصالحة وشدد على رفضه.