خلّفت المقابلات التي جمعت بين بعض الدبلوماسيين الغربيين، وفي مقدمتهم سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجزائر، جوان بولاشيك، بعدد من رموز المعارضة في البلاد، جملة من التساؤلات حول طبيعة هذه اللقاءات وحقيقة ما دار خلف الجدران.. وإن كانت مثل هذه اللقاءات لا تعتبر الأولى من نوعها في الجزائر، إلا أن السياق الذي جاءت فيه، والذي يطبعه سجال سياسي و"حرب" بين الفرقاء السياسيين، أعطاها أبعادا أخرى.. فهل مناقشة مواضيع من هذا القبيل تضخيم لأشياء عادية؟ وماذا يستهدف الدبلوماسيون الغربيون من وراء لقاءاتهم برموز المعارضة؟ وعلى أي أساس يتم اختيار الأشخاص؟ وهل الأشخاص المختارون مكونون سياسيا بشكل يحول دون سقوطهم في فخ الاستدراج والإدلاء بمعلومات سرية لدولة أجنبية؟ وبالمقابل، هل يلتقي سفراء الجزائر برموز المعارضة في الدول التي يعملون بها، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا العدد. التقوا بالعديد من رموز المعارضة الدبلوماسيون الغربيون.. ماذا يريدون؟ يسابق الدبلوماسيون الغربيون الزمن من أجل سبر أغوار ما يجري في الساحة السياسية، هذه الأيام. وكان لافتا في كل ما حدث، الأجندة المكتظة لسفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية، جوان بولاشيك، التي طافت على مقرات العديد من الأحزاب السياسية المعارضة . ولم تكن السفيرة الأمريكية هي الدبلوماسية الغربية الوحيدة التي دشنت مجموعة من "الإنزالات" على مقرات أحزاب المعارضة لمقابلة رموزها، بل رافقتها دبلوماسيات أخريات في صورة كل من كارين فال، سفيرة السويد، وكذا إيزابيل روا، سفيرة كندا. وقبل ذلك كانت بعثة المفوضية الأوربية قد التقت أيضا بالعديد من رموز المعارضة . وهكذا، قابلت السفيرة الأمريكية كلا من رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، وقبله رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، ورئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري. وهي الأحزاب التي تقود معارضة شرسة ضد السلطة، فيما عرف ب "تنسيقية الانتقال الديمقراطي". كما التقى أيضا رئيس "حمس"، كلا من كارين فال، سفيرة السويد وكذا إيزابيل روا سفيرة كندا، فيما كان لرئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، لقاء آخر مع سفيرة كندابالجزائر، إيزابيل روا. واللافت في كل هذه اللقاءات أنها جاءت في ظرف سياسي "غير طبيعي" تمر به البلاد، جراء الأحداث البارزة التي تطبع المشهد السياسي، منذ مطلع الخريف المنصرم، في أعقاب إحالة الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، على التقاعد بعد ربع قرن من قيادته دائرة الاستعلامات والأمن. وهو الحدث الذي لقي اهتماما كبيرا في الداخل والخارج. وإن كانت إقالة الفريق توفيق جاءت تتويجا لسلسلة من الإجراءات بدأت في عام 2013 بإحالة العديد من الضباط المحسوبين على الرئيس السابق لجهاز المخابرات، وتجريد ال "دي آر آس" من أذرعه الأخطبوطية الحساسة، إلا أن تطور الأحداث منذ الصائفة المنصرمة، بإيقاف الجنرال عبد القادر آيت وعرابي المعروف ب "حسان"، ثم إدانته بخمس سنوات سجنا نافذا، وما تبعه من إدانة الجنرال جمال كحال مجذوب، بثلاث سنوات سجنا.. خلف تساؤلات من دون إجابة بشأن ما يجري. ومما زاد الوضع غموضا أيضا، غرق المشهد في الرسائل المشفرة والظاهرة، بداية برسالة مجموعة ال 19 4، التي طالب أصحابها بمقابلة الرئيس بوتفليقة، ورسالة وزير الدفاع السابق، الجنرال المتقاعد خالد نزار، التي التقى مضمونها مع ما جاء في رسالة الفريق المتقاعد مدين، التي دافع فيها عن مرؤوسه السابق، الجنرال حسان، ومطالبته برفع الظلم عنه، بينما كان الرئيس بوتفليقة في رحلة علاجية بفرنسا. وعلاوة على هذه المعطيات، كان التراشق السياسي والإعلامي قد فرض منطقه على المشهد، حرب بين الفرقاء ونيران في كل الاتجاهات، ميزها الشتائم وتبادل الاتهامات بين الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، وزعيمة حزب العمال، لويزة حنون. وهي المعركة التي خرجت عن المألوف، بشكل عكس بحق ما كان يجري بعيدا عن الأنظار من خلف الستار. وإن حاول بعض السياسيين الذين قابلوا الدبلوماسيين الغربيين، بتصريحاتهم تعويم ما تم التباحث بشأنه، وحصره في قضايا عامة إبعادا للشبهات، إلا أن العارفين بخبايا النشاط الدبلوماسي والأمريكي على وجه الخصوص، يؤكدون أن جوان بولاشيك وغيرها، يبحثون عن البوصلة التي تكون قد فقدتها في بحر الجزائر الهائج بالأحداث والمتغيرات في الأشهر والأسابيع الأخيرة، من خلال استشراف قراءات وتحليلات الفاعلين السياسيين، خاصة المعارضين منهم، الذين يراقبون بشغف وعلى مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة، إلى من ستؤول المعركة في الأخير.
الناطقة باسم سفارة الولاياتالمتحدةبالجزائر آنا إسكروهيما لا نتدخل في الشأن الداخلي ولم نتلق احتجاجا على لقاءاتنا نفت الناطقة الرسمية باسم سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالجزائر ومسؤولة الإعلام والثقافة والعلاقات العامة، آنا إسكروهيما، تدخل واشنطن في الشأن الداخلي للجزائر في معرض ردها على أسئلة "الشروق" بخصوص لقاءات السفيرة الأمريكية، جوان بولاشيك، بمسؤولي بعض الأحزاب والشخصيات، واعتبرت هذه اللقاءات من صميم عمل الدبلوماسيين من أجل فهم أوسع وأوضح للوضع في الجزائر. وأوضحت الدبلوماسية الأمريكية أن الجزائر تشهد حاليا بيئة ديناميكية وجدلا وحوارا، مشيرة إلى أن واشنطن تتطلع إلى أن تفهم أكثر وأكثر كملاحظ وصديق للجزائر، كما نفت أن تكون السفارة قد تلقت احتجاجا أو اتصالا من طرف الخارجية الجزائرية. التقت سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية برئيس "حزب جيل جديد" جيلالي سفيان.. في أي إطار يندرج هذا اللقاء؟ اللقاء الذي تم مع رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، يندرج في إطار سلسلة اللقاءات، بل الكثير من اللقاءات التي تقوم بها سفارة الولاياتالمتحدةبالجزائر، مع الأحزاب ورموز الطبقة السياسية الجزائرية وفعاليات المجتمع المدني والشخصيات الإعلامية وغيرها. وهذه اللقاءات المختلفة مع مختلف شرائح المجتمع الجزائري هدفها معرفة أوسع وأوضح للوضع هنا في الجزائر. ماذا دار بين السفيرة وسفيان جيلالي؟ كما سبق وأن قلت آنفا، اللقاء كان فرصة للتعارف أكثر، ومناسبة للنقاش ولتبادل الآراء حول الوضع هنا في الجزائر. كيف تلقيتم شروحات جيلالي سفيان حول الوضع في الجزائر؟ اعتقد أن اللقاء كان فرصة للمناقشة والتبادل والتعرّف أكثر على الوضع هنا في الجزائر بشكل عام، والنقاش كان عاما، لكنه كان واسعا مثلما نقوم به مع بقية الشخصيات السياسية والإعلامية والاقتصادية وغيرها. ألا تعتبرون أن هذه اللقاءات تشكل تدخلا في الشأن السياسي الداخلي للجزائر؟ أعتقد أن العلاقات بين البلدين وبين الحكومتين جيدة جدا، والولاياتالمتحدةالأمريكية لا تتدخل في الشأن الداخلي للجزائر، ونحن كملاحظ وكصديق للجزائر نتواصل مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني، لفهم الأوضاع والاطلاع على ما يجري بشكل عام. بعد سلسلة اللقاءات هذه، ألم تتلقوا اتصالا أو احتجاجا من وزارة الخارجية الجزائرية؟ لا، لم نتلق أي اتصال من وزارة الخارجية الجزائرية. في حدود علمكم، هل تسمح الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا، للسفراء الأجانب بمقابلة سياسيين ومسؤولين أمريكيين على أراضيها؟ هذا أكيد. نحن في الولاياتالمتحدة نسمح بمثل هذه اللقاءات، وبشكل عام، هذا يعتبر من دور ومهام الدبلوماسيين لكي يفهموا ما يدور بالبلد الذي هم متواجدون فيه. يجب أن يلتقوا بالسياسيين وبفعاليات المجتمع المدني.. إذن هذا إجراء عادي ومتعارف عليه. كيف تقيّمون الوضع العام في الجزائر والجانب السياسي منه خاصة؟ وما هي الخلاصة التي خرجتم بها بعد سلسلة اللقاءات التي كانت للسفيرة مع سياسيين جزائريين؟ كما قلت اللقاءات كانت للنقاش وتبادل الآراء والأفكار، وهذا جزء من العمل العادي مع كل فئات المجتمع الجزائري. أما الاستنتاج العام فيمكن القول إن هناك بيئة ديناميكية من الديمقراطية في الجزائر، ونحن في سفارة الولاياتالمتحدة نتطلع إلى أن نفهم الوضع أكثر وأكثر كملاحظين وكأصدقاء للجزائر، كما يمكن القول إن هناك حوارا وجدلا وبيئة ديناميكية في الجزائر ونتمنى أن نفهم أكثر.
سفير الجزائر السابق بسورياوالعراق عثمان سعدي لقاءات الدبلوماسيين الأجانب مع رؤساء الأحزاب مخالفة للقانون يصف السفير الجزائري الأسبق في كل من العراقوسوريا، الدكتور عثمان سعدي، لقاءات الدبلوماسيين الغربيين مع بعض رموز الطبقة السياسية في الجزائر بأنه تصرف "خارج عن القانون". ويؤكد أن الإطار الوحيد المتاح للسفارات لمعرفة ما يحدث في أي بلد هو وزارة الشؤون الخارجية. كما عاب الدبلوماسي السابق على السلطات الجزائرية، ما سماه "تساهلا" من قبل الأطراف المخولة، في المسارعة إلى وضع حد لخرق القوانين الذي تقوم به بعض السفارات. ما القراءة التي يمكنكم تقديمها بخصوص المقابلات واللقاءات التي يجريها بعض السفراء الأوربيين والأمريكيين مع قادة أحزاب سياسية في الأسابيع الأخيرة؟ ما يقوم به الدبلوماسيون الأجانب المعتمدون في الجزائر، من لقاءات مع الطبقة السياسية أو المجتمع المدني، والتباحث معهم في الشأن الداخلي للبلاد، هو أمر يتنافى مع القانون المعمول به والمؤطر للنشاط الدبلوماسي. إن السفير لما يبحث عن معلومة أو يستفسر عن أمر ما يريده، يجب عليه أن يتوجه إلى وزارة الشؤون الخارجية باعتبارها الجهة المخولة، وليس إلى الأحزاب السياسية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. إذن، أنتم تعتقدون أن ما يقوم به بعض السفراء الغربيين مخالف للقانون، برأيكم لماذا لا تتدخل وزارة الخارجية لتصحيح الخطإ وإعادة الأمور إلى نصابها؟ هذا الأمر يعود إلى الدولة والحكومة، التي أراها متساهلة جدا في هذا الخصوص، ولذلك لا يجب أن تلام الخارجية في هذا الموضوع. هل تعتقدون أن اللقاءات التي تمت بين دبلوماسيين غربيين ورؤساء أحزاب، تعبير عن شعور بالقلق لدى تلك الأطراف بأن الوضع مرشح للاضطراب أو التحوّل عكس ما هو مأمول؟ شيء طبيعي، أن يشعروا بالقلق من الأحداث التي تعرفها البلاد، انطلاقا من المواقف الصادرة عن الطبقة السياسية، والتحليلات التي تنشر بصفة دورية في وسائل الإعلام، وعلى هذا الأساس تجدهم يبحثون ويعملون من أجل إيجاد حقيقة غائبة قد تكون متكاملة، عما يحدث حقا عندنا. برأيكم، لماذا تركز التمثيليات الأجنبية على الالتقاء برموز المعارضة ولا تلقي بالا للشخصيات والأحزاب المحسوبة على الموالاة؟ مواقف أحزاب السلطة معروفة ومعلنة وواضحة، وهي لسان حال المواقف الرسمية للدولة، لهذا نجد السفير أو الدبلوماسي الأوربي والأمريكي يتجه إلى أحزاب المعارضة. لا بد على السفير أن يطلع بشكل جيد على الوضع العام في البلد الذي يشتغل فيه، لأنه ملزم برفع تقارير دورية ودقيقة إلى وزارة خارجية بلاده يشرح فيها ما يجري داخل البلد الذي يعمل فيه، وإذا حدث شيء ما ولم يعلمه السفير، ففي هذه الحالة يعتبر سفيرا فاشلا وقد يتعرض لإجراءات عقابية مهنية. ولتفادي وقوع السفير أو الدبلوماسي في أي خطإ أو نقص في المعلومة الشافية والكافية، يبدأ في التفكير في الحلول البديلة. وهنا يجد نفسه مضطرا إلى التقرب من الفاعلين في المشهد السياسي والمجتمع المدني، عله يجد عندهم ما يبحث عنه. وأعتقد أيضا أن اللوم يقع على من هو قابل للاستدراج من رؤساء الأحزاب، ما قد يفضي إلى تسريب معلومات قد تضر باستقرار وسيادة البلاد. من موقعكم كسفير سابق، ماذا تتوقعون أن يقول السياسيون المعارضون عادة في مثل هذه اللقاءات؟ وهل هم مكونون سياسيا بشكل يحصنهم من الوقوع في انزلاقات؟ لا أستطيع أن أتكهن بما يقوله السياسي عندما يلتقي الدبلوماسيون الأجانب خلف الجدران المغلقة. لكني أعتقد أن رئيس الحزب أو الشخصية المكوّن سياسيا بالشكل الكافي، لا يمكنه أن يفشي أسرارا تتعلق بأمن بلاده، إلا إذا كان مستعدا سلفا للقيام بذلك. هل سفراؤنا في الخارج يشتغلون بنفس طريقة وحيوية الدبلوماسيين الأجانب في العلاقة بالطبقة السياسية والمجتمع المدني في البلدان التي يؤدون مهامهم فيها؟ في فترة اشتغالي في الحقل الدبلوماسي، سواء في العراق أم في سوريا، كنا نأخذ الأخبار من مصدرها، لا يوجد خبر إلا ونطلع عليه من مصادر مختلفة. كان علنيا أن نكون مطلعين على الأحداث. وكنا كسفراء عرب يسمح لنا بالاتصال والبحث عن المعلومات أكثر من السفراء الغربيين.