من منا لا يذكر مغامرات الشاب العنيد المكابر.. بعد قطيعة دامت نصف قرن يعود مكرما في مهرجان وهران.. التقته ماذا يمكن أن تقول اليوم وأنت تعود إلى الجزائر مكرما؟ أكيد. تشرفت كثيرا بالتكريم الذي حظي به فيلم "عمر قتلاتو". ونشكر محافظة المهرجان على الالتفاتة الطيبة. ولكن التكريم يبقى مبادرة ثقافية سياسية. وما يهمنا فعلا هو واقع ومستقبل الصناعة السينمائية الحقيقية التي كانت بمثابة المدرسة في الوطن العربي ونافست في أكبر وأشهر المحافل الدولية. اليوم ما يتم إنتاجه هو أفلام تلفزيونية وليس أفلاما سينمائية؟ صناعة الفيلم السينمائي عندها قواعد لا يمكن التلاعب بها، وتحتاج إلى إمكانيات كبيرة لإنتاجه. أضعف ميزانية لإنجاز فيلم سينمائي في فرنسا 8 ملايين يورو. ورشيد بوشارب في آخر أفلامه السينمائية تحصل على 70 مليارا من وزارة الثقافة.. ورغم ذلك لم يتمكن من استكمال التصوير حتى لجأ إلى السبونسور.
لم غاب بوعلام بناني عن المشهد السينمائي في الجزائر كل هذه السنوات؟ لم أتغيب ولكني شعرت بالإهانة والظلم بعد تدهور قطاع السينما وغلق القاعات.عايشت الزمن الجميل عندما كانت قاعات السينما مفتوحة والجمهور الجزائري يقف في طوابير ويدفع ليشاهد الأفلام. لم أستطع تحمل الواقع الذي آل إليه الفن السابع وأنا من شارك في أفلام خالدة لمخرجين سيبقون في الذاكرة من قبيل "ريح الجنوب" للمخرج سليم رياض رحمه الله. باختصار، أنا درست للعمل في أفلام وليس في أفلام تلفزيونية.. أنا ضد "البريكولاج" في الفن السابع.
إذن اخترت الهجرة إلى فرنسا والبحث عن أفق جديدة مثلما فعل الكثير من أبناء جيلك.. كما قلت الساحة الفنية أصبحت مهجورة وعليه قررت مغادرة الوطن سنة 1990 بعد تحصلي على عروض سينمائية في فرنسا. الهجرة كانت خيارا شخصيا ومهنيا بعد تردي الوضع الثقافي في الجزائر أي واقع مفروض، ربما لم أكن لأغادر لو توفرت فرص العمل باحترافية.
عايشت الكثير من أعمدة الفن السابع تمثيلا وإخراجا.. بمن تأثرت أكثر؟ لو أبدا بالحديث عن الشخصيات الفنية التي عايشتها صدقيني لن أنتهي.. وعليه قررت أن أكتب وبدأت فعلا.. فأنا بصدد كتابة مذكراتي مع أبرز قامات الإبداع الذين عايشتهم. والتوقف عند كل شخصية وإضاءة الكثير من الزوايا المظلمة عن حياتها وأعمالها.
من أقرب المخرجين المغتربين إلى أفكارك؟ الأقرب إلى أفكاري هو المخرج مرزاق علواش، الذي تخرج من معهد فرنسي وكان يقوم بمهمة مساعد مخرج في فيلم "ريح الجنوب" لسليم رياض. كنا نتشارك نفس الغرفة في بوسعادة سنة 1976 وهناك كتبنا مشروع سيناريو "عمر قتلاتو". كان الشباب والطموح وحب السينما هو ما يحركنا، ورغم أننا كنا قد تخرجنا من الجامعة حديثا إلا أننا لم نسأل عن الميزانيات. كل ما كان يهمنا فعلا هو العمل والأفلام السينمائية.. كنا طاقة إيجابية متجددة ومبدعة.نجحنا بميزانيات محدودة في إنتاج أفلام سينمائية نافست في "كان" وحصدت الجوائز. والآن بالملايير فشلنا في تقديم أفلام حقيقية حسب المعايير السينيماتوغرافية العالمية.
ما موقفك من الجدل الذي تثيره أفلام مرزاق علواش اليوم؟ لا يمكنني أن أعلق على أفلامه لأنه صديق وأي انتقاد يمكن ألا يفهم في سياقه الصحيح وعليه أفضل عدم الخوض في هذا الموضوع.