أجمع مختصون على أنّ المسرح الجزائري فقد جمهوره بسبب عديد العوامل المرتبط بعضها بالوضع الاجتماعي، والبعض الآخر يتعلق بذهنية الجزائري في حدّ ذاته. وتأسفوا لما يعيشه المسرح اليوم في الوقت الذي فرّ فيه الجمهور إلى ملاعب كرة القدم. قال مدير المسرح الوطني محمد يحياوي إنّه لا يمكن تصور مسرح من دون ممثل أو ممثل من دون جمهور، فهما عاملان يكمّلان بعضهما البعض. وأضاف يحياوي في ندوة احتضنها السبت، فضاء امحمد بن قطاف بعنوان "المسرح والجمهور" أنّ المسرح لا يقتصر على أهل الاختصاص من مؤلفين ومخرجين... بل يمتد إلى المتلقي في ظلّ الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة العامة والمسرحية في جلبه لمتابعة العروض. وتساءل المتحدث هل المسرحيات الساخرة تستهوي الجمهور على عكس الأعمال الهادفة؟ وهل الممثل لا يهمّه المتفرج وإنما تقديم العرض فقط؟ يرجع الدكتور مخلوف بوكروح إشكالية غياب الجمهور عن المسارح الجزائرية إلى علاقة التضاد الحاصلة في الفن الرابع ببلادنا من حيث قلّة التوزيع والإنتاج معا، فضلا عن غياب التخطيط وسوء البرمجة وضعف التنظيم وغيرها. مؤكدا أنّ مقارنة الجمهور من الناحية السوسويولوجية في جزائر الستينيات والسبعينيات واليوم تختلف كلّية، لتغير الوضع وتطوره ف- حسبه- لا توجد سياسية واضحة في المسرح الجزائري فلا بيانات ولا توثيق ولا إحصائيات حول الإنتاج المسرحي. ولفت بوكروح إلى أنّ الجمهور استحوذت عليه كرة القدم والملاعب رغم أنّه يدفع الثمن لمشاهدة المباريات في الوقت ذاته يعزف عن مشاهدة العروض المسرحية. وذلك بسبب تكريس هذه اللعبة في الإعلام ومختلف الوسائط وبالتالي حضوره لم يأت من فراغ كما قال سعيد بن زرقة. بدوره، أشار المخرج والكاتب إبراهيم شرقي إلى أنّ أسباب غياب الجمهور عن المسرح متعددة منها الوجودية والثقافية والأنثروبولوجية قبل أن تكون سوسيولوجية، إضافة إلى تأثير الرياضة عليه من خلال تزامن مقابلات الكرة مع العروض المسرحية، فضلا عن تأثير التكنولوجيات الحديثة على الفرد وتغير ذهنية الأجيال ووسط غياب تحاليل ثقافية وبالتالي -حسبه- استرجاع المشاهد صعب جدا لأنّ المسرح بقي ثابتا بينما تغير الجمهور. ولم يخف شرقي أنّ المسرح الجزائري انسلخ من هويته وثقافته وشخصيته وبات يبحث عن شخصية أخرى بعدما كان في الماضي بألوانه وأشكاله الأصيلة. وخلال النقاش انتقد حبيب بوخليفة سياسة الدولة التي لم تهتم وفقه بجوانب كثيرة في البلاد سواء اقتصادية وثقافية واجتماعية وحضرية، وعلّق: "النظام الذي لا ينظم المدينة في أمور مختلفة، كيف له أن ينظم مسرحا.. لا أعتقد ذلك". معتبرا أنّ من الأسباب أيضا رداءة العروض المنتجة التي نفرّت الجمهور من المسرح. وأكدّ أنّ نوعية العروض هي الفاصل بين الجمهور والمسرح.