الأصل في المساجد أن تكون أنظف وأطهر الأماكن، وأبعدها عن الإهمال؛ يجد فيها المصلّون راحتهم وكلّ ما يعينهم على السّكينة ونسيان هموم الدّنيا، وقد مرّت بالأمّة قرون كانت المساجد فيها تحظى بكامل الاهتمام، وكان المسلمون يتنافسون في صيانتها وتنظيفها وتطهيرها وتجهيزها بكلّ ما يلزم، لكنّ هذا الاهتمام بدأ يقلّ في العقود المتأخّرة، بعد أن أسندت هذه المهمّة النّبيلة إلى قيّمين يتقاضون رواتب دائمة لقاء خدمتهم لبيوت الله، وكان يفترض في هؤلاء القيّمين أن يقدّروا النّعمة التي اختصّوا بها ويتفانوا في تطهير وصيانة بيوت الله، لكنّ كثيرا منهم مع كلّ أسف، تخلّوا عن واجبهم وأهملوا بيوتا كان يفترض ألا يطالها الإهمال، وأمعنوا في التنصّل من مسؤولياتهم، وصاروا يتمثّلون المثل الجزائري "صلّ صلاتك وارفع صبّاطك"، شأنهم شأن باقي المصلّين. واقع مرّ مرير، ذاك الذي تعيشه بعض المساجد بسبب إصرار القائمين عليها على الإهمال واللاّمبالاة؛ فما أن تطأ قدما المصلّي بيت الوضوء، حتى تزكم أنفَه الرّوائح الكريهة التي تنبعث من المراحيض ومجاري المياه، ثمّ إذا دخل قاعة الصّلاة ووضع أنفه على الفراش، صعقته رائحة الجوارب المنتنة! أمّا الأماكن التي توضع فيها الأحذية فلا تسأل عن حالها.. ساحات المساجد وبدل أن تكون ساحات نظيفة جميلة تزيّنها الأشجار والحشائش الخضراء، تتحوّل في بعض الأحيان إلى ساحات لرمي الأوساخ التي تتراكم في ظلّ ممارسة القيّمين لسياسة الفرار السّريع. إنّه واقع يتحمّل مسؤوليتَه الأئمّة والقيّمون، وتتحمّل مسؤوليتَه إدارات الشؤون الدينيّة التي أصبح الهمّ الأوحد لدى كثير منها أن يكون صندوق الزّكاة مثبّتا داخل المسجد، ويحصّل مبالغ معتبرة!.. لقد أنكر النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- على أصحابه حينما دفنوا تلك العجوز التي كانت تقمّ (تنظّف) المسجد ولم يؤْذِنوه بالصّلاة عليها والدّعاء لها، وتوجّه إلى قبرها ودعا لها.. عمل يسير في نظر كثير من النّاس، استحقّت لأجله تلك المرأة صلوات الرّسول ودعواته، فما الذي يستحقّه في المقابل من أوكلت إليه هذه المهمّة النّبيلة، فأضاعها وخانها؟.