قدرنا أن لا نحمل المطاريات إذا أمطرت في أوربا فقط، بل أن نكتوي بنار البراكين التي تندلع في أقصى الشمال على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات، فنحن الذين وقفنا منذ تسع سنوات دقائق صمت طويلة ترحما على ضحايا تفجيرات الولاياتالمتحدةالأمريكية... ونحن الذين حفظنا أسماء مختلف الأعاصير وعانينا من أزماتهم الاقتصادية اكتشفنا الآن أن أي بركان في أي منطقة أوربية ولو كان في القطب المتجمد لا بد وأن تصلنا نيرانه، بينما تبقى مآسينا من الإرهاب إلى الكوارث الطبيعية شأن محلي غير قابل للتصدير. تعامل الغرب مع بركان إيسلندا على الأقل ماليا وإعلاميا أكد أن أوربا فعلا كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو واحد تداعى سائر البدن بالسهر وترك لنا الحمى، وتكمن الغرابة في كون الغرب يشركنا في مآسيه وأحيانا يحمّلنا الأسباب ويفرض علينا تجرع كأس العواقب كاملة، فلأول مرة في التاريخ لم تعد أمريكا تحارب لوحدها، بل تختار عدوها ثم تشرك العالم، خاصة المتخلف في توفير الأسباب لتقنعنا أو لتفرض علينا الاقتناع بأن خطر العدو مشترك، ووجب المشاركة بالمال وبالبدن في محاربة العدو الذي اختارته الولاياتالمتحدة كما حدث في أفغانستان وفي العراق، ولم يتوقف الأمر عند حدود الحروب والأزمات الاقتصادية بل تعداه إلى الكوارث الطبيعية مثل حرائق اليونان واستراليا وأعاصير أمريكا، وانتهاء ببركان إيسلندا الذي نكاد نشم رائحة شياطه من كثرة الكلام عنه في مختلف وسائل الإعلام رغم أن هذا البركان لم يقتل كما يقتل أي وباء في أي قرية عندنا .. لو أبحرت في أي موقع أوربي أو عربي الآن، ولو سبحت في أي فضائية لوجدت دخان البركان هي الطاغية رغم أن العالم من شرقه إلى غربه يئن تحت سوط المآسي الطبيعية والبشرية، فلا أحد يتحدث عن التفجيرات التي وقعت في إيلام الإيرانية وخلفت قتلى وجرحى ومثيلاتها في العراق، ولا أحد يتحدث عن أزيد عن ألفي قتيل في زلزال الصين، ولا أحد يتحدث عن المجاعة التي تضرب كينيا هذه الأيام، بينما سحابات بركان إيسلندا الذي حجب الرؤية عن طائرات رجال السياسة والأعمال عندهم هو ما يهمّنا قبل أن يهمهم.. أما إذا تعلق الأمر بسعادتهم فذاك شأن يهمهم لوحدهم، فهم يخترعون في كل يوم قوانين جديدة مثل تجريم الهجرة السرية وسجن اللاجئين إليها لأجل سد البحار في وجه مهاجري الجنوب، وسنّ السكانير الفاضح والكلاب المدربة لأجل سد الأجواء في وجه مسافري الجنوب، ويرصّون صفوف الإتحاد الأوربي حتى لا يتسلل المسلمون من أتراك بالخصوص إلى جنتهم التي لا تغرب عنها الشمس ولا تحجبها براكين الدنيا كلها، واختصروا معادلة التعاون في كونهم يتمتعون بالخيرات لوحدهم وإن علموا بخير في الجنوب حوّلوه إلى الشمال كما تحوّل أوربا الأدمغة إليها وكما تحوّل أمريكا نفط الخليج العربي إليها، وإذا علموا بشرّ في الجنوب حاصروه حتى يبقى في الجنوب، وإن علموا بخير في الشمال حاصروه حتى يبقى في الشمال، وإن علموا بشرّ في الشمال حوّلوه إلى الجنوب كما فعلوا في الأزمة المالية وفي بركان إيسلندا.. هل فهمتم الآن لماذا عندما كانت الجزائر تكتوي بالإرهاب كان الغرب يتفرج حتى لا نقول يؤجج النار، وعندما قصف الإرهاب برجي نيويورك صار الإرهاب شأن عالمي .. آسف أخي القارئ فمنذ قليل كنا نقول أنها إذا أمطرت في أوربا حملنا نحن مطارياتنا .. لكن الحقيقة أنها كلما أمطرت في أوربا تهاطل على رؤسنا البرد وضربتنا العواصف لأن الغرب حرمنا من المطاريات ومن الثياب ومن المدافئ مادامت كلها من صنعه؟.