يفكك الأكاديمي والمستشار بوزارة الدفاع الوطني الدكتور نسيم بلهول، التحديات الأمنية التي تعرفها الجزائر في الفترة الأخيرة، ومن مظاهرها القضاء على 14 إرهابيا في عملية نوعية للجيش بالبويرة، وإفشال إغراق البلاد بأطنان من السلاح، وخارجيا يذكر الباحث بالمعهد العسكري للتقويم والتوثيق والمستقبيلة في هذا الحوار مع الشروق، أن الطرف الجزائري يعرف حقيقة حفتر وماذا يريد، وما هي أهداف وحدود مناوراته، وعن تونس وخطر عودة إرهابيها من الخارج فيسميه بالنموذج المحفز لنشوء دولة فاشلة. القضاء على 14 إرهابيا في عملية واسعة بالبويرة والعثور على عدة مخابئ للأسلحة في الجنوب، على ما يدل هذا الوضع؟ في الحقيقة عمليات نوعية كهذه وعلى الرغم من أهميتها على المستوى الإعلامي، إلا أن الوضع يقضي أن قوات الجيش الوطني الشعبي، قد أبخست تقدير الأهمية التي تسبغها التهديدات الصلبة كمصدر هام لمثل هكذا انتشار وتوزيع منظم لموارد الرعب الجغرافي وأثرها على حملة عمليات المعلومات الأمنية. سوف تحتاج القيادة العسكرية من هنا فصاعدا إلى فكر خلاق من أجل تحسين موقف الجيش في هذا المجال، وأيضا إلى وضع حلول تتجاوز ما يتم إعلانه إعلاميا، إلا أن هناك خطوتين يمكن لقيادة الجيش الوطني اتخاذهما للبدء في السير على الطريق الصحيح، الخطوة الأولى هي ضرورة تطبيق القيادة لسياسات تستوعب الحاجة إلى عمليات المعلومات الأمنية، على أن تؤمن تلك السياسات الحماية ضد سوء الاستخدام، ولكن دون أن تكون مقيدة بحيث لا يتمكن القادة العسكريون الجزائريون من مقاومة عمليات معلومات التهديدات الصلبة بفاعلية أو تمنعها من شن عملياتها المعلوماتية. ومن ناحية القادة، فعليهم إقامة جدار ناري بين عمليات المعلومات والشؤون الخارجية لمنع مخرجات عمليات المعلومات من تلوين المعلومات التي تمد بها قيادة الجيش وسائل الإعلام.
هل هنالك مؤشر على عودة النشاط الإرهابي خاصة مع ما يحصل في دول الجوار؟ دعنا نسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية.. الجزائر مقبلة على تهديدات مصدرها حروب الجيل الرابع والخامس.. لقد استجاب الجيل الحالي من الضباط وضباط الصف والأفراد المجندين لمهام الدفاع الوطني في وقت الأزمات وفعل ما لم يفعله إلا القليل في تاريخ الجزائري العسكري، فتطوعوا للخدمة في جولات دفاعية عالية الإجهاد ومتعددة. ومع ذلك، ومع وجود احتمال للمقاومة والتصدي للتهديدات المستقبلية من قبيل الدوائر الاستخباراتوارهابية الغربية لا تبدو لها نهاية في الأفق، فإن الجيش الوطني الشعبي قد يكون على وشك الوصول إلى نقطة سوف يجد فيها، حتى الجزائريين الأكثر وطنية، أنفسهم غير قادرين على مواصلة الخدمة. وعند النظر في تنشئة الجيل القادم من قوات الجيش الوطني، يجب أن تكون القيادة العسكرية حريصة كل الحرص على استخدام وإبقاء قدامى محاربي الجيش الوطني الذين ينبئون بتحقيق النجاح في بيئات العمل المعقدة اليوم وغدا. وإذا وقعت القوات المسلحة الجزائرية في فخ تخفيض معايير الاستخدام والإبقاء من أجل تحقيق الأهداف العديدة وتلبية المتطلبات قصيرة الأجل، فإن الأمة الجزائرية سوف تدفع الثمن غاليا.
الجزائر سرَّعت مساعيها لاحتواء الأزمة الليبية، هل نحن في مرحلة الخطر، لهذا حصلت هذه التحركات؟ لقد تم تقديم الكثير من المقترحات من طرف نخبة الأمن القومي الجزائري للحفاظ على جودة القوة العسكرية والأمن الوطني الجزائري، إلا أنه إذا لم تحقق أيا منها النجاح المنشود في التعاطي مع الملف الليبي، فإن قيادة الجيش قد لا تعرف ذلك إلا بعد فوات الأوان. إن الجزائر تحتاج اليوم لمعرفة نوعية الدور الذي تريده القيادة العسكرية في المستقبل وثمن استعداد الجزائريين لدفعه لضمان الأمن القومي الجزائري. بالرجوع إلى السجل غير المتسق للأمة الجزائرية عندما تعيد تنظيم قواتها عقب فترات الأزمات القومية، نجد أن الوقت قد حان لبدء مناقشة كيفية قيام عقيدة عسكرية قومية للاستعداد لمستقبل خطير. إن هذا الغرض لا يشكل تحديا للجيش والقوات المسلحة وحدهما: إنها ضرورات قومية على قيادة الجيش الوطني التعامل معها لضمان الأمن القومي الجزائري في المستقبل. ومن دون شك، قد يود البعض نسيان أزمات الجزائر الإقليمية، إذ يريدون أن تسحب القوات المسلحة نفسها من الداخل نحو الخارج على وجه السرعة وتوريط الأمة الجزائرية في اشتباك إقليمي معقد، لذلك ينبغي على قيادة الجيش الوطني وفي نفس الوقت إعداد قوات مسلحة وعناصر قوى الجزائر القومية الأخرى للقيام بالنطاق الكامل للعمليات الأمنية السيادية ضد تهديدات أثبتت أنها تماثل الجيش الوطني الشعبي الجزائري من حيث التكيف بصورة كاملة، بل وتتفوق عليه في استغلال التقنيات الحديثة في بعض الأحيان. إن هذا هو التحدي الأساسي لقيادة الجيش كما تعرف من تجاربها الأخيرة في زمن المعضلات الأمنية الإقليمية المستمرة.
رئيس المجلس العسكري في طرابلس سابقا، عبد الحكيم بلحاج، تحدث قبل أيام أن تنفيذ حفتر لعمل عسكري في طرابلس تمتد نيرانه إلى الجزائروتونس، هل هذا وارد؟ وكيف نتعامل مع هذا الوضع عسكريا وسياسيا؟ إن الجيش الوطني الشعبي جزء من مجموعة من المحترفين العسكريين، ومهنة حمل السلاح، التي تخدم هذه الأمة. فأن تكون محترفا هو أن تفهم، وتعتنق، وتمارس بكفاءة الروح والخبرة المحددة للمهنة وتتقيد بمعاييرها. وتتألف مهنة حمل السلاح الجزائرية من خبراء ومتخصصين في التطبيق الأخلاقي للقوة القتالية البرية، والعمل تحت سلطة عسكرية علمية، عهد إليها الدفاع عن الدستور وحقوق ومصالح الشعب الجزائري، لذلك فإن الطرف الجزائري يعرف حقيقة من يكون المشير حفتر.. وماذا يريد، وما هي أهداف وحدود مناوراته العسكرية. من هذا الباب، نخبة الأمن القومي الجزائري تعكف على البقاء بالقرب من الخطر في إطار التواصل المستمر كمجهود ممتد لعملية إدارة المعلومات الأمنية، بالتنسيق مع دول القرب الجغرافي، من أجل بناء قدرة الدولة الجزائرية على تأمين أرضها وحماية حدودها، وكسب تعاون دول الإقليم الجغرافي في كافة أطياف عمليات مواجهة التهديدات التي مصدرها مرتزقة من قبيل المشير حفتر. إن التواصل المستمر، الذي تم إنجازه إلى حد كبير من خلال جهود التعاون الأمني لبناء قدرة الشركاء الأمنيين الإقليميين وتوطيد العلاقة معهم، هو في الحقيقة عنصر حاسم لتحقيق النجاح في الصراع المستمر.
وماذا عن عودة المسلحين التونسيين من العراق وسوريا، ما تأثيرها والخطر الذي تشكله على الجزائر؟ في الحقيقة، تُشكل عدم قدرة الدولة التونسية على استيعاب المقاتلين التونسيين عاملا محفزًا لنموذج دولة تونسية فاشلة في المستقبل، ما يؤدي لأمن إقليمي مضطرب. ففشل الوسائط القومية التونسية خلال فترات متقطعة في السيطرة على جزء من إقليمها، رغم وجود سلطة سياسية. وعدم عمل الحكومة التونسية على إتباع خطوات التأهيل والإدماج ومعالجة الظروف المؤدية للتطرف بالشكل الذي تضمنته مبادئ مدريد التوجيهية، مع عدم قدرتها على استيعاب المقاتلين ضمن سجونها، كمؤشر أمني خطير، يضاف لمؤشرات سياسية (غياب التوافق الوطني حول ملف المقاتلين وملفات حساسة أخرى)، واقتصادية (عنف اقتصادي ممارس على الفئات الهشة)، واجتماعية (غياب الرضا الاجتماعي). كل هذا، سيشكل حافزًا لتنامي الفكر المتطرف، ولجوء المقاتلين العائدين إلى عمليات في إطار ما يطلق عليه ب"الذئاب المنفردة"، أو الانضمام إلى "خلايا إرهابية نائمة"، وتفعيل نشاطاتها، والعمل على إعادة مبايعة تنظيم داعش، ونهج الأسلوب الذي تعودوا عليه في القتال تحت كنف التنظيم وهو المركزية في اتخاذ القرار.