اعتبر الدكتور بوحنية قوي مدير كلية العلوم السياسة والقانونية بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، إن الإنتشار السريع للتكنولوجيا، والنمو المتعدد للعوامل الدولية، وتداعيات العولمة المتزايدة وتزايد الإعتماد الإقتصادي المتبادل، قد تضافرت لخلق تحديات شديدة التعقيد للأمن القومي...باختفاء الحرب الباردة وتحولها إلى ذكرى، وبروز تحديات جديدة للأمن القومي عند بداية القرن الحادي والعشرين، قامت وجهات النظر العسكرية بالترويج لفكرة حرب مستقبلية تتسم بالتعقيد وصعوبة التوقع والغموض، بصورة متزايدة.. وقد كانت النتيجة الحتمية هي أن الجزائر، حتى بعد جولة غير عادية لجهود التحول العسكري الأساسي، دخلت في الحرب ضد الإرهاب بقوات مسلحة معدة لهزيمة جيوش معادية. غير أنها تفتقر إلى العمق المناسب لمتطلبات المدى الطويل اللازم لاستقرار وإعادة بناء المناطق الجريحة. وللضرورة، ذهب الجيش الجزائري إلى الحرب ضد الإرهاب بتشكيل حربي ومدني غير معد لضرورات العمليات ذات المدى الواسع، وللحرب ضد مصادر اللاإستقرار القومي. ومنذ العشرية السوداء، وعن طريق تجارب الجيش الجزائري في ميادين القتال الحديثة غير المتجانسة تعلّمت القوات المسلّحة الجزائرية دروسا قاسية، وأرغمت نفسها على عمل طفرات جيلية هامة في عملية التكيف والتعديل. وفي غضون ذلك، بدى أن كثيرا من القطاعات الحكومية الجزائرية وأجهزتها كانت آنذاك في حالة رفض بالنسبة لمتطلبات التكيف مع التهديدات والحرب الحديثة. وإجمالا، سوف يكون على الجيش الجزائري الاستفادة من دروس حربه على الإرهاب والإستفزازات الأمنية الجغرافية بإجراء تعديلات في الأوضاع الداخلية والمؤسسية لضمان أنها قد أصبحت بالفعل معمول بها وليس فقط «معلومة». كما يتوجّب على الجيش الجزائري أيضا توسيع مجاله ليشمل ضرورات ملحة داخل الحكومة الجزائرية، ضرورات سوف تساعد الجيش الوطني الشعبي الاستعداد لمستقبل يغلب على القوات المسلحة فيه التأكد من مجابهة مواقف تماثل أو تزيد من حيث تعقيدها عن تلك التي يواجهها في الوقت الحاضر. وكما أظهرت الأحداث في تاريخ الدولة الجزائرية بصورة متكرّرة، فإنه من المحال نظريا التوقع بأية درجة من درجات التأكد كيف ستبدو ميادين القتال المستقبلية على وجه التحديد، أو في هذا الخصوص، أين ستتواجد؟ إن الثابت الوحيد هو التغير، كما يكون التنبؤ بالقرارات السياسية المستقبلية أكثر خطورة. وعلى أية حال، من الممكن تعريف بعض التوجهات التي يحتمل أن تشكل النزاعات في المستقبل. وذلك يتضمّن ازدياد الهوة بين العالم النامي والمتقدم، والإنفجار السكاني في المناطق المتخلفة، وظهور أيديولوجيات ومنظمات لا تعترف بالحدود القومية، والزيادة الحادة في الإنفصالات العرقية والطائفية، والتنافس الدولي المتزايد من أجل الحصول على موارد الطاقة. وقد حدثت أيضا تحسينات كبيرة في التقنيات بما يسمح بالنقل الفوري للمعلومات على مستوى العالم، ومن ثم يؤمن إمكانية لصناعة أسلحة لا يمكن تخيل قدرتها التدميرية. وتشير جميع هذه الخصائص إلى الطبيعة المعقدة والغامضة للنزاعات المستقبلية. وقد يسعى البعض إلى تجنب تعقيد الخيارات الصعبة والتي ينجم عنها التوصل إلى نتيجة مفادها أن الجزائر غير معدة لاستخدام قواها القومية في مثل تلك البيئات متعددة الأبعاد. وقد يزعموا أنه لا يمكن للقوات المسلحة الجزائرية تحمل حربا أخرى على الإرهاب أو مواجهة نظامية مع قوة كبرى. غير أن تلك الحجة هي مثل الحجج التي كانت ضد عدم تدخل الجيش الوطني الشعبي في حروب إقليمية بعد استفزازات دولية وإقليمية ما يتعلق ودوائر التوتر الجيوسياسية في المنطقة (مالي وليبيا)، على الرغم من جاذبيتها، إلا أنها غير واقعية وتدعو إلى المخاطرة. وفي هذا العالم الخطير الذي نعيش فيه، حيث يتزايد تشابك العلاقات ويزداد الإعتماد المتبادل، لا يكون في إمكان الجزائر إفتراض أنها سوف تكون قادرة على الإنسحاب من مشاكل الأمم الأخرى لفترة طويلة. وقد تتطلب المصالح الوطنية من الجيش الوطني الشعبي، في أغلب الأحوال في المستقبل غير البعيد، أن يشارك في مواقف يمكن أن تكون أكثر تعقيدا من تلك التي تواجهها الجزائر في الوقت الحالي.