لا أحد ينكر أن شهر رمضان هو شهر العبادة و المغفرة، حيث لا يفوت المسلمون في كل بقاع العالم هذه الفرصة السنوية للتقرب من المولى عزّوجل بالصلاة و الصدقة و الاستغفار، و لكن لمائدة الإفطار و فرحة العيد التي لن تكتمل إلا بتشكيلة من الحلويات اللذيذة و ابتسامة عريضة ترتسم على وجوه الأطفال عند ارتدائهم ملابسهم الجديدة ، حيز من تفكير الصائمين كذلك، و إن كان الواجب الأول تتحكم فيه إرادة و إيمان الصائم ، لكن الأمر مختلف بالنسبة للواجبين الآخرين، اللذين تتحكم فيهما عدة عوامل كالدخل الفردي و أسعار المنتجات . فبعد أن عرفت أسواق الخضر و الفواكه و محلات المواد الغذائية غزوا من قبل الجزائريين خلال عشرة أيام الأولى من شهر رمضان ، لاقتناء كل مستلزمات المائدة الرمضانية كل حسب إمكانياته المادية ، تغيّرت الوجهة مع منتصف رمضان و بداية العد التنازلي لاستقبال عيد الفطر إلى اقتناء ملابس الأطفال ، و هو حال ولاية بومرداس التي تعرف بها الأسواق و المحلات و الواجهات التجارية الكبرى حركة كبيرة و إقبالا واسعا ، من طرف العائلات سواء قبل أو بعد الإفطار لشراء ألبسة العيد لأطفالهم ، ورغم كثرة العرض و تنوعه إلا أن الآباء غالبا ما يجدون أنفسهم في مواجهة التهاب الأسعار و إرضاء عناد أبناءهم، و اختيار لباس ملائم لمناسبة العيد و الدخول المدرسي في أن واحد وسط الزحمة و الاكتظاظ . التهاب الأسعار بغض النضر عن جودة المنتوج و من خلال جولتنا الاستطلاعية لبعض المحلات و الفضاءات التجارية الكبرى ، و التي غالبا ما تحتوي على السلع الأوروبية و التركية ، و الأسواق أو ما يعرف بالمارشيات عند الجزائريين التي تمزج بين السلع التركية و الصينية ، و لكن تبقى هذه الأخيرة هي الرائجة نظرا لغياب الملابس السورية و المصرية، بسبب الأزمة التي يعرفها البلدين . وقفنا على واقع الارتفاع الكبير في الأسعار وأنه هناك فارقا نسبيا في الثمن بين هذه الأماكن رغم الاختلاف في جودة الملابس المعروضة بها، فالسعر الافتتاحي في المارشي يبدأ من 1200 دج للقطعة الواحدة و يرتفع حسب الغرض المطلوب ليصل إلى 5000 دج للطاقم ، أما المحلات و الفضاءات التجارية الكبرى فالأسعار تبدأ من 2000 دج ليصل حتى 8000 دج للقطعة، و يبقى الخيار بين النارين للعائلات كل حسب قدرتها الشرائية و عدد أطفالها. حرارة الأسعار تكوي أكثر من حرارة الصيف و كانت مدينة برج منايل التي يوجد بها الكثير من الأسواق المغطاة و المحلات التجارية و التي يقصدها معظم سكان الولاية و حتى بلديات ولاية تيزي وزو المجاورة كذراع بن خدة و تادميت لانتعاش قطاع التجارة بها مؤخرا خاصة بعد القضاء على الباعة الفوضويين وجهتنا للوقوف على حال الأسعار بها ورغم الحرارة الشديدة التي تجاوزت الثلاثين في هذه الأيام إلا أنها لم تقف حائلا أمام قوافل العائلات لاكتساح مختلف محلات و أسواق المدينة كسوق الكوثر و سوق دبي و بازار فضيل و سويعد بحثا عن ملابس مناسبة و أسعار معقولة في زحمة الاكتظاظ الشديد وخاصة أن متطلبات الطفل لا تقف عند السروال و الحذاء و القميص بل تتعداها إلى اكسسورات أخرى كالجوارب و القبعات و حقائب اليد الصغيرة ، و حسب السيدة ربيعة التي التقينا بها في سوق الكوثر و التي كانت برفقة أبنائها الثلاثة وقد بدت عليها الحيرة و التعب من التجوال و تفحص السلع المعروضة و أسعارها فقد أكدت لنا أنها تتجول وسط هذه الزحمة منذ ساعتين تقريبا و لم تشتري شيئا بعد نظرا للأسعار المرتفعة و للمسؤولية الملقاة على عاتقها و هي كسوة ثلاثة أطفال من الرأس للصباط على حد تعبيرها و هو لم تتمكن من تحقيقه بعد.و أضافت بتعجب حتى السلعة تاع لاشين ولات بشأنها أما السيد رابح الذي كان منهمكا رفقة زوجته لاختيار حذاء مناسب لطفله الذي لا يتجاوز 7 سنوات فقد اشتكى من التهاب الأسعار و تساءل كيف لعامل يتقاضى 30 ألف دج أن يوازن بين مصروف المناسبات الثلاثة التي تزامنت معا و بين تكاليف الكهرباء و السيارة و الغاز و أجاب على سؤالنا عما اشتراه لابنه فقد أكد أن لديه 5 أبناء أكبرهم جامعي و هو مقصى من قائمة العيد و لكن بالنسبة للثلاثة الآخرين فهو ملزم برسم الفرحة على محياهم كما أنه لا يقدم على الشراء إلا بعد رحلة بحث طويلة في الأسواق و المحلات عن ما يرضي جيبه أما الذوق فهو آخر همه. و غير بعيد عن سوق الكوثر و الضبط في بازار فوضيل التقينا السيدة أمال التي أكدت لنا أن الأسعار مرتفعة و لكن بحكم عملها و اكتظاظ الأسواق فهي مضطرة للشراء لتجنب قضاء يوم أخر في مثل هذه الزحمة الخانقة و هي مستعدة لدفع كل راتبها الشهري في سبيل إسعاد ابنتها . و قد غادرنا مدينة برج منايل و أسواقها لنتجه الى مدينة بومرداس و التي تتوافر على بعض المحلات التجارية التي تقدم سلعا ذات جودة عالية بالمقارنة مع ما هو متوفر ببرج منايل وجدنها هي الأخرى تعج بالعائلات و الأطفال رغم الغلاء الفاحش الذي تعرفه الأسعار بها فسعر الحذاء يصل إلى 6000 دج و سعر القميص 3000 دج و قد أكدت لنا السيدة سميرة التي اشترت فستانا لأبنتها أن الأسعار باهضة و رغم أنها و زوجها عاملان و لكنها لا تستطيع شراء كل مستلزمات أطفالها بمثل هذه الأسعار و إنما تقوم بشراء ملابس الذكور من أسواق رويبة و رغاية ، لأنه يصعب التفريق بين علامة و جودة هذه الملابس ، أما الفتاة فتحرص على أن تشتري لها دائما فستانا متميزا، أما أغلب العائلات التي وجدناها هناك فقد أكدت أنها تضرب طلة بارك و أنها لا تقدم على الشراء من هذه المحلات و بمثل هذه الأسعار ، و تبقى وجهة أغلب العائلات بالولاية هي رويبة و رغاية و برج منايل ، و بعضها يفضل التنقل خارج الولاية و الضبط لباب الزوار و تيزي وزو . و ل "الصولد و "الكريدي" حكاية مع العائلات البومرداسية ... و لكن بالمقابل هناك بعض العائلات التي أخذت العبرة من الغلاء الفاحش الذي تعرفه أسعار الملابس قبيل العيد كما أن الزحمة التي تعرفها الأسواق و الحرارة و التعب في شهر رمضان تقف حائلا في اختيار ملابس جيدة للأطفال و هو ما يتفطن أليه الأباء غالبا بعد العودة إلى البيت و قامت بشراء مستلزمات أطفالها فبل رمضان بشهر أو شهرين دفعة واحدة أو بشراء كل قطعة على حدة كلما سمحت الفرصة أو في السنة الماضية استفادة من تخفيض الأسعار أو ما يعرف بالصولد . حيث أكدت السيدة فتيحة أنه و بحكم مدخولهم الشهري المتوسط يتحتم عليها التخطيط قبل أية مناسبة و هو ما يجعلها تخطف مرة سروال و مرة حذاء أو فستان و تتركهم للعيد و هذا ما خفف عليها أزمة المصروف الخانقة و ضغط المارشيات قبل العيد و فتح أمامها المجال للتفكير في حلوى العيد. أما السيدة نسيمة فقد أكدت لنا أنها و بحكم عملها بمدينة تيزي وزو التي تجد بمحلاتها ما يعجبها من ملابس و علامات أوروبية و التي تتيح للزبائن مع نهاية كل فصل فرصة التخفيضات أو الصولد أنها تغتنم هذا الأمر لشراء ملابس لأطفالها مع نهاية كل فصل تحضيرا للسنة المقبلة و هو ما فعلته مع ملابس العيد التي اشترتها نهاية الصيف الفارط و أجابت عند سؤالنا في رأيها عن التخفيضات أن ثقافة الصولد في ولاية بومرداس شبه غائبة مقارنة بمدينة تيزي وزو التي أصبحت تحفظ جيدا متى يكون هناك تخفيضات في محلاتها و ما هي نسبة التخفيض و لكن للأسف عندما يبدأ التخفيض في أيامه الأولى يكون بنسبة 25 أو 30 بالمئة و لو لم تغتنم الفرصة للشراء عند أول نسبة تخفيض و انتظرت حتى نسبة 50 بالمئة لا تجد شيئا يعجبك خاصة من ناحية المقاس أو اللون حسب محدثتنا. و ان كانت هذه العينات السابقة قد استعدت ماديا لهذه المناسبة لكن هناك عائلات لجأت للكريدي في سبيل إسعاد أطفالها نضرا لأن الراتب الشهري لم يصل وقته بعد أو المرور بأزمة مالية و غيرها من الأسباب التي تدفع بالمواطن الجزائري للكريدي و هو حال السيد حميد الذي قرر اقتراض مبلغ من المال لشراء ملابس لأطفاله كي لا يحسون بالنقص نهار العيد و عن الأسباب التي دفعته للاقتراض أجاب أن راتبه الشهري المقبل سيتزامن مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان و هذا ما يجعله مضطرا للوقوف في طوابير البريد التي تكون مكتظة في تلك الأيام كما أن الناس تشتري كل الملابس الجيدة في هذه الفترة و لن تجد ما تشتريه الأسبوع الأخير و لو بسعر مرتفع لأنه خلال هذا الأسبوع تزيد الأسعار عما كانت عليه في الثلاثة أسابيع الفارطة و لكن في المقابل هناك عائلات تنظر حتى دخول الراتب و لو كان ذلك قبيل العيد إما لأنها لم تجد من يقرضها لأن الجميع في أزمة، أو لأنها ترفض اللجوء للكريدي . و للتجار رأي في المسألة : و الملاحظ أن جميع العائلات و إن اختلفت مستوياتها المادية تتفق على الغلاء الفاحش للأسعار ، الذي أصبح يفوق بكثير ميزانية الغالبية العظمي لشرائح المجتمع الجزائري ، و قد أرجع بعض التجار سبب ارتفاع الأسعار إلى تحكم المستوردين في السوق ، و هذا ما يمكنهم من رفع السعر و تخفيضه حسب قانون العرض و الطلب ، كما أن دور البائع بالتجزئة يقتصر على إيصال السلع للزبون و يبذل جهده من أجل بيعها بسعر منخفض، و البعض الأخر أرجع هذا الالتهاب لغياب المنتوجات المحلية و الاعتماد على السلع المستوردة من تركيا و الصين بالدرجة الأولى و الدول الأوربية بالدرجة الثانية و هو ما يبقي التجار تحت رحمة المستورد، كما أن غياب السلع السورية و المصرية من الأسواق هذه السنة كان له دوره في زيادة أسعار الملابس و حتى الصينية منها . و مهما كان رأي التاجر الذي يبقى المستفيد الأول من مناسبة العيد و ذلك بتصريفه لأكبر كمية من الملابس الموجودة لديه بأسعار مرتفعة و هو ما لا يتسنى له باقي أيام السنة فان المواطن البسيط هو الذي يدفع التكلفة الغالية في سبيل رسم البسمة على محيا أطفاله .