تعرّف كلمة "النكبة" في القاموس العربي الشهير الذي أنجزه لويس معلوف بأنها المصيبة.. ويعرّف العرب منذ عام 1948 ما حدث من احتلال لأرض فلسطين وتدنيس للأقصى وإعلان قيام إسرائيل بالنكبة وكأنهم يرمون أسباب مصيبة 1948 لأهل 1948 رغم أن النكبات التي تلت أحداث ماي 1948 إلى يومنا الحالي تستحق أن تكون مصيبة بالتعريف القرآني لكلمة مصيبة الذي يتوجب علينا أن نتبعها بتلاوة "إنا لله وإنا إليه راجعون". * وإذا كان لكل الدول في العالم تاريخ نكبة واحدة وهو الاحتلال وتاريخ فرح الاستقلال فإننا في فلسطين ليس لنا سوى تأريخ النكبات من دير ياسين إلى حرق الأقصى إلى نكسة 1967 وجميعها نكبات أقسى من احتلال الأقصى، لأن ما نسميه "نكبة "1948" لم يكن أكثر من دفاع مستميت لجيوش عربية لم يزد تعدادها عن ثلاثين ألف رجل بأسلحة بدائية، بينما فاق تعداد الجيش الاسرائيلي المئة ألف مدربين في انجلترا وشارك معظمهم في الحرب العالمية الثانية بأسلحة أمريكية وسوفياتية وألمانية وفرنسية متطورة، فجاءت الهزيمة منطقية، لأن العالم بأسره من شرقه إلى غربه كان يريد لهؤلاء اللقطاء الذين ضاقت بهم أرض الله موطنا فاستغلوا وهن الأمة بسبب الاستعمار وزرعوا هذا الكيان وحوّلوه إلى دولة هي الآن في سن البشر، ولكنها أقوى من دول عربية وإسلامية بعمر النجم والحجر.. وللمرة الثانية والستين تحتفل إسرائيل بعيد تأسيسها وتقدم مزيدا من الإنجازات العلمية والاقتصادية والحربية، وللمرة الثانية والستين نستذكر نحن "النكبة" بكثير من النكبات، بعضها غارق في الحبر وبعضها غارق في اللعاب وغالبيتها غارق في الدموع، مستعملين المنابر الإعلامية والسياسية والدينية.. وكل يصرّ على أن يرمي التهمة على الذين أضاعوا القدس عام 1948 رغم أن من بقي منهم على قيد الحياة من جنود شاركوا في الحرب قد جاوز سنه الثمانين وهم خسروا معركة واحدة.. بينما نخسر نحن الآن كل المعارك حتى لا نقول الحرب كاملة، وإذا كان السلف قد خسر حرب 1948 وهو منهك القوى ولم يكن تعداده يزيد عن ثلث تعداد العدو فإن النكبة الحقيقية هي التي نعيشها الآن بخيرات طبيعية من المحيط إلى الخليج، وباطنية يكاد العالم يصاب بالشلل من دونها، وتعداد سكاني مسلم يزيد عن مليار نسمة.. جميعنا نحفظ قوله تعالى في سورة الأنفال "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن تكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون".. وكلنا نعود إلى نكبة 1948 من باب "فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين"، ومع ذلك لا شيء تحقق.. ولأن القرآن صادق فإن المشكلة بالتأكيد فينا.. بل في إيماننا!