يعاني العشرات من الطلبة المكفوفين على مستوى الجامعات الجزائرية من إشكالية الحصول على مرافق لهم لكتابة الإجابات الخاصة بهم في الامتحانات، وفي غياب نصوص قانونية واضحة يقعون ضحية عدم اجتيازهم للامتحانات وبالتالي الرسوب. يجد العشرات من المكفوفين أنفسهم في ورطة في فترة الامتحانات، حيث يستلزم عليهم إحضار كاتب ينسخ ما يلقنونه من إجابات على أوراق الإجابة، لأن الأساتذة الجامعيين والمعلمين في كل المؤسسات التربوية لا يكتبون بالبراي ولا يستطيعون تفكيك شفراتها. والعقدة في هذا الموضوع أن هناك من الإدارات من تمنع الطالب من اصطحاب كاتب وتضمن له توفيره يوم الامتحان، لكنهم يتفاجؤون يوم الاختبار بغياب الكاتب، وفي نفس الوقت من تملّص الإدارة من هذا الواجب، وهذا ما يفوّت عليهم فرصة الاختبار. وأثناء استطلاعنا للموضوع في الجامعات، التقينا ببعض المكفوفين ممن عانوا الأمرّين في امتحاناتهم لإيجاد المرافق المناسب، فرشيدة الطالبة بقسم الترجمة تقول "أعاني مع الأساتذة قبل الامتحانات، ففي الوقت الذي يحضر فيه زملائي للامتحان بالحفظ والمراجعة أنقسم أنا بين الحفظ وبين البحث عن مرافق لي لينسخ إجاباتي بأمانة، وكذا مدى قبول الأساتذة له، فهناك من يمنعنا من اصطحاب المرافق، ولا نضمن أن يوفروه لنا صبيحة الامتحان". وفي معرض حديثنا عن الظاهرة، اقتربت منا بعض الطالبات وقلن "إن الأمر محزن بالنسبة إلينا، ونشعر أن زملاءنا من الطلبة المكفوفين تنتهك حقوقهم في هذه الجزئية" وتضيف لمياء "إن من المكفوفين من لهم قدرة على الإجابة أفضل منا ومن هم متفوّقون علينا، لكن العراقيل التي يتعرضون إليها تشتت تركيزهم، وتؤثر على نفسيتهم في الامتحان، فقد رأيت بأم عيني كيف أن زميلتي بقيت تنتظر المرافق الذي وعد به الأستاذ أكثر من عشرين دقيقة، ولم تعوّض لها تلك المدة في نهاية الاختبار، مع العلم أنها تستطيع الكتابة بالبراي". ولا يتوقف التهميش لهذه الشريحة بالتأخر في إحضار المرافق الخاصة بها، بل يتعداه إلى حرمانها من الامتحانات المصيرية، وهو الأمر الذي حدث مع "س" التي حدثتنا عما حدث لها في امتحان مسابقة الماجستير بمعهد الترجمة السنة الفارطة، وروت "تقدمت إلى إدارة المعهد قبل الامتحان بأسبوع، واستفسرت عما إذا كنت ملزمة بإحضار المرافق أم أن الإدارة تتكفل بذلك، فتعهّد لي المسؤول هناك أن امتحانات الماجستير يكون المرافق فيها على عاتق الإدارة، فلم أكلف نفسي عناء البحث عن مرافق". وحمّل عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 الدكتور أحمد حمدي مسؤولية ضياع وقت الممتحن بسبب الاختلاف في تعيين المرافق لأستاذ المادة قائلا "أستاذ المادة هو المسؤول الأول والأخير على الامتحان وعلى إمكانية امتحان الطلبة المكفوفين". وأضاف في حديثه إلى الشروق اليومي أن الإدارة تتعامل مع مختلف الطلبة المعاقين وليس المكفوفين فقط، إذ سبق لكلية الإعلام والاتصال أن وفّرت كرسيا خاصا لمعاق يكتب برجليه، وسهّلت عليه طريقة الكتابة من خلال هذه الأداة. وذكر أنه هناك حل آخر للطلبة المكفوفين، يتمثل في تمكين الطالب من كتابة الإجابة بطريقة البراي، ثم إملائها على مرافق ليكتبها بالطريقة العادية، تحت حراسة تمنع نقل الإجابات إلى بقية الممتحنين. وتفاجأت "س" يوم الامتحان بغياب المرافق، وسألت عنه في الساعات الأولى لنهار الامتحان، إلا أن المسؤولين على المسابقة سألوها: لمَ لم تحضري معك المرافق؟ ولم تجد "س" من إجابة غير الانصراف من قاعة الاختبار وإيداع شكوى لدى مدير المعهد، قالت إنها لم تأت بأية نتيجة. وأخبرنا أغلب من تحدثنا اليهم، أن الإقصاء الذي يتعرّضون اليه أصبح لا يطاق بسبب الاتفاق على طريقة الكتابة، متسائلين لمَ لا تحدد منظومة قانونية تكفل لنا المرافق في كل مرة، او يعيّن أساتذة يتقنون الكتابة بطريقة البراي، لنضع حدا نهائيا للمشكل. رئيس منتدى الجامعيين المكفوفين ل "الشروق": "نطالب بقوانين واضحة تكفل حقوق المكفوفين في الجامعات" صرّح رئيس منتدى الجامعيين المكفوفين بالجزائر، عمر لافي، أنه لا توجد منظومة قانونية تنظم امتحان الطلبة المكفوفين، وضمان الكاتب الذي يتولّى نسخ الإجابات التي يدلون بها، وأضاف أن الطريقة المتعامل بها حاليا لا تتعدى التقاليد التي تتبعها كل جامعة مع هذه الشريحة. وقال محدثنا إنه لا يوجد قانون يلزم الإدارة أن توفر كاتبا للطالب الكفيف، لكن ما يتخذه الطلبة من مرافقين لهم لاجتياز الامتحانات هو اجراءات تعتمدها الجامعات من أجل تسهيل امتحانهم، مضيفا أن التمكن من هذه العملية يعود إلى إمكانية الطالب في الاندماج والإقناع وطواعية الإدارة ومدى تفهمها للحالات القليلة التي تتواجد بالمعاهد والجامعات. كما طالب رئيس منتدى الجامعيين المكفوفين في معرض حديثه بقانون ينظم عملية إحضار الكاتب للطلبة المكفوفين وتمكينهم من كتابة نصوص الإجابة، طالما أن الأساتذة لا يجيدون القراءة بطريقة البراي، "فالمستفيد الأول من هذه العملية هو الأستاذ، لأن هذه الشريحة تعرف طريقة كتابتها جيدا". وانتقد محدثنا السياسة الجامعية الموجّهة للفئات الخاصة، وكيف أن الوزارة لم تلتفت إلى التوصيات التي تمخّضت عنها الملتقيات الخاصة بالمعاقين والمكفوفين من 1997 إلى غاية السنوات الأخيرة، والتي بقيت حبيسة الأدراج. وعاد ممثل الطلبة المكفوفين بالحديث إلى تسجيل المكفوف في الجامعة، وكيف أنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في بطاقة الرغبات، و يوجّه إلى التخصصات التي يمكن أن يتكيّف معها بسهولة، مراعاة لإعاقته. وروى لافي أن من زملائه من تعرّض للإقصاء من الامتحانات المهنية، بسبب الإعاقة وعدم تكيف المؤسسات ومختلف الإدارات مع شريحة المعاقين، وبالخصوص المكفوفين، حيث أقصي أحدهم من امتحان المدرسة العليا للإدارة للترقية من منصب مساعد إداري رئيسي إلى متصرّف إداري في 2007، إلا أنه منع من الامتحان. وأضاف أنه على الرغم من أنه رفع دعوى قضائية أمام محكمة عبان رمضان مباشرة بعد منعه، إلا أن المحكمة قضت مؤخرا "القضية ليست على الحال"، وسقط حقه في الترقية من منصبه، كما سقط أيضا حقه في مزاولة المزيد من الامتحانات الوظيفية. وتساءل محدثنا، ما الذي يمنع المكفوف من أن يترقى من منصب إلى آخر، طالما أنه موظّف ويمارس عمله على أكمل وجه، مطالبا الجهات الوصية أن تجد حلا لهذه البيروقراطية الممارسة في حقهم. وتفاءل بالإجراء الذي أعلنت عنه وزارة التضامن الوطني والأسرة والجالية الجزائرية بالخارج، والخاص بكتابة أسئلة المكفوفين بطريقة البراي، واصفا إياه بالمتأخر عن الزمن المحدد.