لم ينتظر الجزائريون طويلا للانطلاق في رحلة "طوافهم" حول المحلات والمراكز التجارية التي أطلقت عروض تخفيضاتها الشتوية أو ما يعرف لدى العامة ب"الصولد"، ففي اليومين الأوّل والثاني من إطلاق العرض الذي وافق الخميس والجمعة عجّت الطرقات على غير عادتها والمداخل المؤدية إلى المساحات الكبرى وأقبلت أفواج الزبائن تغدو وتروح محمّلة بقطع الملابس النسائية والرجالية وألبسة الأطفال.. الجميع ملأ حافظة نقوده بالأموال لاغتنام الفرصة "الذهبية" غير أنهم تفاجؤوا ببساطة المعروضات وقلّة هامش التخفيض مقارنة مع الموسم الماضي. "الشروق" تنقلت إلى كبرى المراكز التجارية بالعاصمة وكذا إلى بعض المحلات ببلدية درارية وشراقة غرب العاصمة في مختلف البلديات التي تشهد حركة تجارية كثيفة وتحدّثت إلى المواطنين الذين قدموا من كل حدب وصوب وحتى من ولايات مجاورة، كما وقفت كذلك على انتعاش كبير لبعض النشاطات الخدماتية والتجارية ذات الصلة على غرار حظائر السيارات وأعوان الأمن والحراسة وبائعي الشاي والمكسرات والمقبّلات والأكلات السريعة والخفيفة وألعاب الأطفال والبالونات وبعض مرافق الترفيه للأطفال التي حطّت مؤقتا بالجوار. ونحن نتوجه إلى أولى محطة لنا المتمثلة في المركز التجاري لباب الزوار بعد ظهيرة الجمعة، لفت انتباهنا الازدحام المروري الكبير، فالمسافة التي كنّا نقطع فيها 5 دقائق على أكثر تقدير قطعناها فيما يقارب 30 دقيقة.. اضطررنا إلى الترجل على الأقدام ربحا للوقت لكننا واجهنا أيضا سيلا من المواطنين وهو أول مؤشر يعكس تدفق الزبائن على هذه الوجهة العاصمية الأولى بامتياز.
تشديدات أمنية تفاديا للسرقات وتغيير الملابس كان رجال "البدلة الزرقاء" حاضرين بقوّة منذ أول يوم لإعلان البيع بالتخفيض ومعهم أعوان الأمن التابعين للمركز.. الجميع منتشر في كل المداخل والمخارج ومتأهب على أقصى درجة، ضمانا لحماية الزبون والتاجر على حد سواء. وحسب ما استقيناه من عين المكان فإن إدارة المركز هي التي طلبت التعزيزات الأمنية على محيطها تجنبا لسيناريو السرقات والاعتداءات التي سجلت الموسم الفارط. وحتى داخل المحلات التجارية تجنّد الجميع للمراقبة والترصد لأي محاولة سرقة قد يقوم بها شخص ما ناهيك عن كاميرات المراقبة. والأدهى من ذلك أنّه وبمجرد انطلاق تصفيرات الإنذار بوجود غرض مسرب خارج المحل يتوقف الجميع وتتوجه الأنظار إلى المعني حتى وإن كان الأمر مجرد خطأ أو خلل في النظام، ناهيك عن أعوان الأمن عند المدخل والمخرج يقابلونك بطريقة تثير الاشمئزاز وتحط من قيمة الزبون وإن لم يكن معنيا، فالجميع محل شك.. أمر لم يعجب أغلب الزبائن مطالبين بلباقة أكبر تجاههم.
محلات تقتني أنظمة مراقبة متطوّرة من جهته عبّر ممثل علامة عالمية شهيرة عن اقتناء نظام جديد للمراقبة يجنب أي حرج مع الزبون، حيث يمكن النظام المسمى "RFID" حسبه، من تحديد مكان أي قطعة تغادر المحل دون تسديد قيمتها أو مرورها عبر الصندوق، وهي إجراءات احترازية يقول محدثنا اتخذت عقب ما لحق الموسم الفارط بالمحل من سرقات سواء للمحل أو الزبائن. وحتى المحلات الأخرى ذات المساحة الصغيرة استقدم أصحابها كاميرات مراقبة ومنعوا إدخال البضائع والحاجيات الخارجية أو إيداعها لدى الاستقبال إلى حين الخروج.
الجميع يشتكي والجميع يشتري الجميع يشتكي والجميع يشتري.. هذه هي الحقيقة الأولى التي رصدناها لدى استطلاعنا رأي الزبائن على اختلاف طبقاتهم، فالجميع يشتكي غلاء المنتجات وغلاء المعيشة، لكنهم أنفسهم من وجدناهم يتزاحمون في طوابير غرف تبديل الملابس وأمام أعوان تسديد المستحقات محمّلين بأكياس كبيرة ومليئة تخال أنهم لن يلبسوا بعدها أبدا، حتى من لم تكفه أمواله تركها وديعة لدى "الضمانات" متعهدا بالعودة إليها بعد ساعات وذلك إلى حين جلب المزيد من المال.. رضّع ومسنون وجدوا أنفسهم في زحمة الطوابير رفقة آبائهم وأبنائهم..بدا من تذمّرهم وبكائهم وصراخهم عدم تحمّل الصخب والحرارة الشديدة التي عمت المكان إلى درجة الإغماء في عزّ الشتاء من فرط الحرارة.
ثقافة الشراء "الشوبينغ" تتوغل في المجتمع الجزائري أنست إغراءات العروض المطروحة من قبل أغلب المحلات التي استقطبت زبائنها بعبارات كتبت بالبنط العريض "تخفيضات" أو "صولد" غلاء الأسعار الذي ألهب جيوبهم وانتفضوا بشأنه "فايسبوكيا"... "حمى الشراء، كما قالت إحدى السيدات، جعلتني لا أعي ما أفعل، كل ما يعجبني أشتريه وأصدقكم القول أن لي أغراضا لم أرتدها من العام الماضي لكن مع ذلك أواصل الشراء". وتقول سيدة أخرى "أنا أحدد احتياجات أسرتي وعندما أتنقل للمحلات أشتري بدقة وغالبية مقتنياتي توجه لأطفالي". وحتى الرجال تدفقوا بقوة خلال اليومين الماضيين يجربون هذه القطعة وتلك ويطلبون رأي أصدقائهم وزوجاتهم. سليم وجدناه بأحد المحلات قال لنا إن الأسعار معقولة بالنسبة إليه وإن كان التخفيض طفيفا لكنه يعشق شراء الألبسة فهي ترفع معنوياته. شخص آخر وجدناه بمحل في درارية يقول إن مهنته تتطلب المظهر الحسن والأنيق، وعليه، فهو يحرص دوما على المعادلات الجيدة في الشراء "قطعة جميلة بثمن جيد".
تخفيضات ضئيلة وحيل تجارية لا ترضي الزبائن أجمع من تحدثنا إليهم من المواطنين أن التجار في بلادنا يبتكرون حيلا تجارية للاحتفاظ بنسبة ربح عالية، فهم يضخمون سعر الألبسة قبل وضع السعر المخفض بعد "الصولد"، وعليه يخيّل للزبون أنه حقّق إنجازا وطفرة نوعية غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما. كما أن بعض التجار يخبئون القطع الجميلة الغالية جدا للموسم المقبل أو إلى ما بعد "الصولد" بدعوى أن الجزائري لا تهمه الموضة وأن بعض المنتجات لا تذهب موضتها. التجار بدورهم كذبوا كل هذه الادعاءات سيما الذين يعرضون الماركات العالمية، وفي السياق أكد أحدهم "نحن نواكب موديلات ماركاتنا في جميع البلدان فما يلبسه الجزائري يلبسه أيضا الفرنسي والألماني والإسباني". أمّا بعض العلامات الرياضية فبرر أصحابها ضعف نسبة التخفيض بأن أغلب السلع الموجودة جديدة وبأنهم لا يملكون مخزونا كبيرا من السلع المستوردة في ظل التضييقات المفروضة في المجال.
فوضى "الصولد" والكل يحدّد نسبة تخفيضاته حسب هواه على عكس التقليد العالمي الذي يقر بالمرور عبر ثلاث مراحل تخفيض هي تبدأ من 20 من المائة ثم 50 من المائة وفي النهاية 70 من المائة، وجدنا كثيرا من المحلات طبقت تخفيضات بنسبة 70 من المائة في اليومين الأولين ومنها 50 أو 60 من المائة، الأمر علق عليه التجار بحرية الأسعار وبوجود مخزون لبعض السلع كانت بحاجة إلى تصريف لاستقدام موديلات أخرى.
"الصولد" ينعش المواقف الفوضوية "الباركينغ" المستفيد الأول بعد التجار من عملية "الصولد" هم شباب "الباركينغ" الذين نزلوا إلى الأرصفة والطرقات وبسطوا نفوذهم على المزيد من المساحات العمومية وإلحاقها بأقاليمهم السابقة، مقابل 50 دج إلى 100 دج عن كل سيارة. البعض استنجد بأصحابه للتمكن من التحكم في الأمر بشكل أكثر وعدم تفويت فرصة "تسلل" أي سيارة من دون الدفع. وحسب هؤلاء فإن "الصولد" أنعش خدمتهم التي يشقون فيها كثيرا منذ الساعات الباكرة وإلى غاية ساعات متأخرة.
جمعية حماية المستهلك: 150 محل فقط أطلق عملية "الصولد" اعتبر رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، مصطفى زبدي في اتصال مع "الشروق"، أن عملية البيع بالتخفيض أو ما يعرف تجاريا ب"الصولد"، هي في الأصل ثقافة تترسخ لدى المتعامل الاقتصادي، من خلال بيع مخزون السلع المٌكدّسة في المستودعات، ليتسنّى له اقتناء سلعة جديدة تتناسب مع "الموضة"، لكن ما يقوم به أصحاب المحلّات، يقول "ليس بصٌولد حقيقي". ويتأسّف زبدي، لكون كثير من التجار يحصِرون عملية التخفيض، على منتوجات معينة، ومنها الملابس والأحذية والحقائب النسوية فقط، عكس المعمول به في جميع دول العالم. والدليل حسب محدثنا، على عدم رواج ثقافة "الصولد" لدى التجار ببلادنا، هو العدد القليل جدا منهم، والذين أودعوا طلبات لدى مديريات التجارة للحصول على رخص البيع بالتخفيض، حيث قال "مثلا في العاصمة، ومن أصل عشرات آلاف المحلات المتواجدة، قدّم 150 صاحب محل فقط طلبا لمديرية التجارة لبيع الصولد"، وهو ما اعتبره زبدي، عدد قليل جدان لا يلبي طلبات العائلات، وهو ما ينتج عنه حالة تشبه "الهجوم" على المحلات يوم الصولد، مع تشكيل طوابير طويلة أمام المراكز التجارية وزحمة مرورية خانقة "فلو أطلق جميع التجار، عملية الصّولد، لاقتنى الأشخاص ما يحتاجونه في أريحية كبيرة" حسب تعبيره.
الخبير الاقتصادي كمال رزيق: ضعف القدرة الشرائية وتجاهل الموضة وراء غياب ثقافة "الصولد" وبدوره، أكّد الخبير الاقتصادي، كمال رزيق ل"الشٌّروق"، عدم وجود ثقافة الصّولد لتجارنا، وهو ما يجعل كثيرا من العائلات الميسورة وحتى مٌتوسطة الحال، تتوجّه الى فرنسا في أوقات "الصولد" التي تكون معروفة مسبقا، ويشترون صولد حقيقي " ماركات عالمية مخفضة أسعارها حتى 70 بالمائة" حسب قوله. ويفسر محدثنا، غياب ثقافة الصولد بالجزائر، أن الجزائريين لا يعيشون عصر الموضة، بسبب انهيار قدرتهم الشرائية، "فارتداء الموضة يستلزم مالا كثيرا"، كما أن أصحاب المحلات في بلدنا، يفضلون تكديس سلعهم بالمخازن بدل بيعها بالتخفيض، "وهم بذلك يجمدون أموالهم بدل تشغيلها وهذا دليل على امتلاكهم رأس مال كبير" حسب تعبيره. ووصف رزيق غالبية الصولد الموجود بالجزائر، ب"البيع الكاذب"، أين يرفع التجار الثمن بدل خفضه، أو يعرضون ملابس كانت مخزنة بمستودعاتهم منذ 3 أو 4 سنوات، وما يساعدهم في ذلك هو عدم تشهيرهم أسعار المعروضات طوال السنة، فلا يعلم المواطن السعر الحقيقي قبل عملية "الصولد".
رئيس جمعية التجار والحرفيين الطاهر بولنوار: القانون يعاقب التجار المتحايلين في "الصولد" أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الطاهر بولنوار، عن تلقيهم عديد الشكاوى من مواطنين بخصوص عمليات احتيالية من طرف بعض البائعين، مع انطلاق عملية البيع بالتخفيض، وهو أمر مؤسف حسب تعبيره، ودليل على غياب ثقافة "الصولد" لدى تجارنا. وحسب تصريح المتحدث في اتصال مع "الشروق"، فالممارسات الاحتيالية من بعض التجار أثناء موسم الصولد "تعوّدنا عليها كل سنة، وهدفها تعويض خسائر السنة بأرباح 6 أسابيع وهي مدة استمرار عملية الصولد"، وهذه الممارسات لا تشجع ترقية العملية التجارية في بلادنا..."، كما يتأسف كون أعوان الرقابة ليس بإمكانهم ضبط جميع المخالفات خلال 6 أسابيع فقط. ومؤكدا، أن البائعين المتحايلين في عملية البيع بالتخفيض يتعرضون لعقوبات قد تصل لحجز سلعهم، وفرض غرامات عليهم، معتبرا أن القانون المنظم لهذا النشاط 215-06 الصادر في 18 جوان 2006، يضبط نشاطات البيع بالتخفيض ويحدد شروطه، وأي مخالف يتعرض إلى عقوبات صارمة.