ولاية المدية تشهد أجزاء ومساحات من مدينة أشير التاريخية الواقعة بمنطقة "الكاف لخضر" جنوب ولاية المدية أعمال حفر همجية انتهت إلى إظهار عظام لموتى دفنوا منذ مئات السنين، بالاضافة إلى نفائس أثرية من جرار ولوازم طينية وأوان فخارية كان يستعملها سكان المدينة الاسلامية التي أسسها زيري بن مناد سنة 324 ه / 936م. وقد بوشرت أعمال الحفر المندرجة في إطار مشروع ربط مدينة "شلالة العذاورة" بالماء الشروب انطلاقا من منطقة "أم الريش" التابعة لولاية الجلفة مرورا بمدينة عين بوسيف التي تقع آثار المدينة الاسلامية "أشير " على مقربة منها، فالتهمت الجرافات آلاف الامتار المربعة من المساحة التابعة لهذه المدينة الاثرية، وقد وقفت الشروق على مشاهد مروعة لعظام الموتى المنتشرة على جنبات الطريق الترابي الذي شقته المقاولات المنجزة لمشروع الماء بالمنطقة المسماة "منزه بنت السلطان "(-نسبة إلى المكان الخلاب والجميل جدا الذي كانت بنت سلطان المدينة تتخذ منه متنزها ، ولا زالت الخلابة والجمال تسران زائر المنطقة إلى حد الآن-) وعلى عشرات الجرار والاواني الطينية والفخارية التي هشمتها الآليات وهي تستخرجها من خناق الحفر التي تجاوز عمقها مترا ونصف متر وبلغ عرضها مترا ، والغريب في الأمر أن مشاهد العظام وهي منتشرة على جنبات الطريق لم تنل أدنى اهتمام من القائمين على المشروع فيكلفوا أنفسهم عناء الاتصال بالجهات المسؤولة عن الثقافة والآثار بالولاية لإطلاعهم على ما حدث من أجل ترتيب الاجراءات اللازمة لحماية كنوز الامة وعيون آثارها التاريخية، بل راحت الجرافات تواصل تخريبها لآثار أعرق المدن الاسلامية بالمنطقة وأكثرها قدما وضربا في عمق التاريخ قبل مدينتي الجزائر العاصمة "جزائر بني مزغنة" ومليانة، غير عابئة بتحذيرات وتنبيهات بعض المتنورين من شباب بلدية الكاف لخضر والبلديات المجاورة لها، وعلى الرغم من زعم بعض القائمين على المشروع بأن أشغال الحفر تقع خارج أسوار المدينة التارخية وبأن مخطط الحفر يقع خارجها إلا أن معايناتنا الميدانية لمنطقة منزه بنت السلطان أظهر بما لا يدع مجالا للشك أو المطالبة بدليل (الصور المرفقة) بأن جزءا هاما من مدينة أشير التاريخية التي ذكرها المؤرخون ووصفوها بمدينة الفقه والحفاظ والعلماء وبمدينة القصور الاسرة والحمامات النافعة والمناظر الخلابة قد تعرض للتخريب والاتلاف وبأن جزءا هاما من شواهدها الاثرية قد بات في حكم التلاعب بعد أن أبرزته جرافات الحفر إلى وجه الارض في غياب الحامي والحارس، خصوصا وأن مناطق كثيرة تتبع المدينة الاثرية قد بقيت خارج دائرة البحث والتنقيب بعد مرور أكثر 60 سنة عن أولى عمليات الحفر الأركيولوجي التي عرفتها المدينة واستمرت إلى غاية 1993 وتوقفت بعد ذلك بسبب الازمة الامنية التي عصفت بالمنطقة، وقد رجحت العظام المنتشرة بشكل كبير بمنطقة بنت السلطات التي مستها أشغال المشروع المذكور بأن سفح جبلها كان ميدانا لمعارك ضارية خاضها الزيريون من أجل حماية مدينتهم من الأطماع الخارجية وبأن المكان كان مقبرة لجنود المعارك والحروب التي كانت تدار هناك خصوصا وأن المدينة القديمة تتوفر على مقبرة كانت مخصصة لسكان المدينة. والأغرب من كل ما ذكر أن مصالح حماية الآثار لم تحرك ساكنا تجاه ما يحدث على الرغم من مرور أكثر من الشهر على انطلاق المشروع وعلى الرغم من الضجة التي أحدثها وسط المتنورين والواعين بقيم التاريخ وتراثه بالمناطق المجاورة، خصوصا بعد وصول مراحل الحفر إلى الاعتداء على عظام الموتى وتركها تملأ الفضاء بشكل يوحي بكثير من الاستهتار بهذا المعلم الأثري الذي صنف ضمن المناطق والمحميات الاثرية بموجب القرار رقم 07 الصادر في 23 جانفي 1968، وإلى حين تدخل الجهات المسؤولة وايفادها للجنة للتقصي والتحقيق تبقى عملية تجميد الأشغال بالمنطقة المعنية واجبا مستعجلا غير قابل للتأخير.