جزائري تعلم التدخين بالجامعة الجزائرية وأقلع عنه بجامعة جوهانسبورغ لم يبق من عمر كأس العالم بجنوب إفريقيا إلا القليل، فهل تحققت مخاوف الإعلام الغربي في أن يتحول العرس الكروي إلى مآسي تصنعها الجرائم؟. حتى كدنا نكتب وصايانا قبل ذهابنا إلى جنوب إفريقيا.. لقد بلغ وصف الحالة الأمنية السائدة في جنوب إفريقيا درجة من المبالغة كادت تعصف بالمونديال.. رغم أنها كانت إعلامية حاولت تضخيم كل صغيرة وبحثت عن الأحداث الكبيرة التي يبدو من خلالها أن المونديال سيلفظ أنفاسه الأخيرة ويسلم الكأس لمستحقيها دون أن يحدث أي شيء.. والأرقام تؤكد أن مظاهر العنف والشجارات وحتى السرقات الصغيرة التي حدثت كانت أقل حدة مما وقع في مونديال إيطاليا عام 1990 ومونديال فرنسا عام 1998... وأكد كل رجال الأمن الذين تحدثنا معهم أن رقم 19 ألف قتيل سنويا بسبب الجرائم هو مجرد نكتة لا يصدقها عاقل وهو من نسج المعارضة التي تطمح لأهداف سياسية. ما لاحظناه فعلا أن الحوانيت تبيع الأسلحة النارية بشكل علني، ولكن بيع المسدسات يتم ضمن شروط تستلزم تقديم بطاقة خاصة للمشتري، وتحويل هويته لمصالح الأمن بذات المدينة.. أما عن الجرائم فقد أجمعت التقارير الإعلامية الآن أن الخوف كان مبالغا فيه وأكبر من الحقيقة، إذ بقيت الحوادث التي تعرض لها بعض الإعلاميين في بداية المونديال وقبله معزولة ونسيها الجميع بفضل التغطية الأمنية الاحترافية التي ساهمت في تحقيقها عدة تجارب أوروبية وأمريكية، ومرّ المونديال بسلام وقد يكون الأكثر هدوءا وأمانا من المونديالات الثمانية عشر التي حدثت في تاريخ اللعبة. الفوفوزيلا تصمت في حضرة قسما التنظيم في جنوب إفريقيا لم يكبح الجريمة فقط بل ضبط الأخلاق والنظام بشكل أذهل الأوروبيين فحتى الفوفوزيلا التي تخوف الجميع من أن تكون مصدر إزعاج للاعبين وللجماهير الأجنبية التي زارت جنوب إفريقيا صارت ملح المونديال وهي تصنع أجواء غريبة ومثيرة ومميزة قبل المباراة وأثناءها، ولكن المثير للاحترام أنه بمجرد أن يرفع النشيد الوطني للبلدين المتنافسين حتى يتوقف صوت البوق الإفريقي نهائيا ولا يرتفع صوت الفوفوزيلا إطلاقا.. أما الظاهرة الثانية المثيرة للاحترام فهي منع التدخين داخل الملاعب وفي كل الأماكن العمومية والخاصة بما في ذلك في السيارات السياحية الخاصة حتى تخال أن السجائر غير موجودة في جنوب إفريقيا، وعندما تصل دولة إلى منع التدخين بصفة قطعية عن 80 ألف متفرج داخل ملعب في مباراة حماسية ومصيرية ومن جنسيات وأعمار مختلفة فمعنى ذلك أن مجرد نقد تنظيم المونديال والجانب الأمني في مباريات كأس العالم هو في غير محله. المدخنون والمدخنات مجبرون على التنقل إلى غرف خاصة صغيرة مخصصة لهم بعيدا عن المدرجات في ظروف فيها كثير من الاهانة لهم، وهو ما جعل مئات الآلاف من المدخنين من أبناء جنوب إفريقيا ومن المهاجرين بها على التوقف نهائيا عن التدخين كما فعل مهندس جزائري يزاول تكوينه في جوهانسبورغ يدعى علامي سعد الذي قال لنا إنه أنفق من عمره تسع سنوات في التدخين منذ أن كان في الجامعة الجزائرية، لكن ظروف المنع عن تعاطي السجائر في جنوب إفريقيا أجبرته على التوقف نهائيا عن التدخين، وقال بألم واضح "يؤسفني أن أتعلم التدخين في الجامعة الجزائرية وأتوقف عنه في الجامعة الجنوب إفريقية". جنوب إفريقيا من الدول النادرة التي لا تطبق الإعدام في أحكامها الجنائية رغم الكم الكبير من جرائم القتل، ولكنها تسير ببطء ولكن بكل تأكيد، والمساجد الموجودة بها ترفع جميعها الأذان في كل الأوقات بما في ذلك صلاة الصبح حيث يذهب المسلمون للصلاة في الظلام دون أي خوف.. كل التحذيرات التي وصلتنا من تجنب السير المفرد أو الخروج ليلا كانت من الطبقة البيضاء وكل التحذيرات صبت في المناطق السوداء، وكل الأيام التي قضيناها في جنوب إفريقيا كانت بيضاء من دون سواد الجريمة.