نفّذ أمس إرهابي عملية إنتحارية استهدفت عناصر الجيش الذين كانوا يقومون بتمشيط بالمنطقة المسماة الزعاترة، مخلفة وفاة جنديين وإصابة 22 آخرين من بينهم أربعة أطفال إصابتهم متباينة الخطورة. وحسب ما علمته "الشروق" من مصادر محلية فإن العملية الإنتحارية تمّت في حود منتصف نهار أمس، نفذها إرهابي بواسطة سيارة تجارية من نوع إكسبراس، جاء بها من المدخل الجنوبي للحي المذكور، وهو حي خاص بالسكنات الجاهزة، يقطنه أكثر من خمسين عائلة. وكانت قوات الجيش تمشط الحي المذكور بعد ورود معلومات تفيد بتوجه الجماعات الإرهابية إلى هذا الحي للتزود بالمؤونة الغذائية، ونظرا لتواجد قوات الجيش بالمنطقة منذ أسبوع، خططت الجماعات الإرهابية لإستهدافهم، مستعملين السيارة المذكورة والتي حاولت إختراق موقع الشاليهات أين كانت الدبابات وشاحنات الجيش مركونة. المخطط الإرهابي الذي كان ينوي استهداف القاعدة الرئيسية للجيش بحي الزعاترة، كان متاخما للمجمع السكني الأول الذي يضمّ حوالي 14 مسكنا جاهزا، والذي كان سينسف عن آخره بما فيه من العائلات التي تقطنه لو نفّذ الإعتداء كما كان مخططا له، غير أن فطنة قوات الجيش التي لاحظت السرعة الكبيرة للسيارة، ووجهتها المباشرة إلى المكان، الذي أصبح مقطوعا أمام حركة المرور العمومية في انتظار الإنتهاء من عملية التمشيط، جعل الجنديين اللذين كانا يقومان بحراسة الموقع يحاولان إيقاف صاحب السيارة، ليصاب بعدها، ما جعله ينحرف عن المسار المخطط له، غير أن السيارة إنفجرت في الثواني القليلة الموالية، ما يؤكد أنه تم التحكم فيها عن بُعد، بَعد القضاء على منفذ العملية الإنتحارية، ليصاب الجنديين اللذين أنقذا السكان من مجزرة حقيقية، واللذين لقيا حتفهما، رفقة تسعة عناصر آخرين، بينهم أربعة أطفال من سكان الحي المذكور، تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 8 سنوات. وقد نقلوا على جناح السرعة إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الأولية، كما علمنا من مصادر طبية أن الأطفال الأربعة امتثلوا للشفاء وغادروا المستشفى. شهود عيان ل "الشروق": "الإرهابيون الذين كانوا يستفزّوننا وهددونا في حال التبيلغ" أكد بعض السكان الذين يقطنون بحي الزعاترة- موقع العملية الإنتحارية- أن الجماعات الإرهابية التي كانت تقوم بعمليات استفزازية لطلب المؤونة والمال، والتي تحركت قوات الجيش على إثر التبيلغ الذي قام به السكان، كانوا قد تلقوا تهديدات بتصفية جماعية في حقهم، في حال إقدامهم على التبليغ بزيارة الإرهابيين لهم، وهو ما يبدو قد نفذته هذه الأخيرة، ولم تراع فيه قرب موقع الشاليهات من مكان تنفيذ العملية. وحسب نفس الشهادات، فقد لوحظت السيارة ذات اللون الأبيض، والتي تحمل لوحة ترقيم 16، تجوب الحي في الجهة الجنوبية خارج موقع التمشيط، وكان يقودها شاب في عقده الثالث، كان يستفسر بعض الصبية عن قوات الجيش ما إن كانت ماتزال في موقع الشاليهات، لكن لا أحد إنتبه إلى هويته، خاصة وأنه كان يستفسر الأطفال. السيارة كانت محملة بحوالي عشرة قناطير من المواد المتفجرة أفادت مصادر أمنية ل"الشروق" أن التحقيق الأولي في العملية الإنتحارية يفيد إلى أن السيارة التي نفّذت بها العملية كانت محملة بحوالي عشرة قناطير من التيانتي، وهي مواد متفجرة ذات مفعول قوي، هذه الكمية كانت ستخلّف خسائر فادحة على مستوى قوات الجيش وحتى السكان الذين كانوا على مقربة من موقع الحادث. وقد كانت هذه المتفجرات متحكم فيها عن بعد، وموضوعة داخل صناديق حسبما دلّت عليه التحقيقات الأولية في السيارة المتفجرة. كما أن هذه السيارة المستعملة كانت قد سرقت قبل حوالي شهر وقام صاحبها بالتبليغ، ليتم إستعمالها في هذه العملية الإنتحارية التي وصفها متتبوعون للشأن الأمني بالمنطقة بأنها فاشلة. أهالي الأطفال الضحايا: "حسبنا الله ونعم الوكيل...حرقوا قلبونا في العشر الأواخر" حالة شجب وإستنكار كبيرتين أبداها سكان الحي الذي عاش على وقع العملية الإنتحارية، خاصة أولياء الأطفال الذين فجعوا في أبنائهم الصغار بعدما كانوا يلعبون أمام منازلهم. والد أحد الأطفال وصف لنا الحادثة بأعصاب متوترة، حيث قال إن الشالي الذي يقطنه ارتفع من شدة دوي الإنفجار إلى السماء، كما تحطم كل ما كان موجودا بداخله، غير أن ذلك لم يحل دون خروجه بسرعة للبحث عن ابنه صاحب 5 سنوات، والذي كان يلعب مع أبناء الجيران أمام المنزل، ليجده رفقة أصدقائه ملقيا والدماء تغطي وجهه، ليحمله وسط صراخ السكان والأهالي الذين فجعوا من الحادثة. "حسبنا الله ونعم الوكيل... فجعونا في أطفالنا ونحن في العشر الأواخر"، هو الوصف الذي اختاره السكان وأولياء الأطفال الذين عاشوا لحظات مفجعة، وكانوا يتمنون قضاء الشهر المعظم في أمان الله، غير أن أيادي الإجرام أبت إلا أن تنغّص أمنهم، وتنتهك حرمة الشهر الفضيل.