"الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" هكذا تقول الحكمة الشعبية العميقة في هذا القول المختصر المفيد وقد يقولها البعض الآخر في صيغة أخرى: "الناس تحقرني وأنا نَحْقَرْ عيشة مْرَتِي"، وفي الصياغتين المذكورتين وفي صياغات أخرى شبيهة بذلك تقال هنا وهناك في الجزائر وفي المغرب الكبير، تدل هذه الحكمة أو المثل الشعبي السائر على دلالات عميقة تحيل على ما يجري اليوم في الحقل السوسيو-سياسي العربي. * "الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" يدل هذا المثل على النذالة وفقدان الفحولة بكل معانيها السياسية والاجتماعية. تذكرت هذا المثل وأنا أتابع ما يحدث من وقائع غريبة وما يذاع من عجائب الأخبار في بلاد العرب بعد "ثورات" العرب، التي يبدو في ضوء المثل الشعبي: "الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" أنها جاءت حربا لا ضد الفساد والتخلف والاستبداد ولكنها جاءت أساسا ضد المرأة. وكأن تخلف الأمة العربية سببه لباس المرأة. يقشع البدن وتشمئز النفس حين يقول قائل يدعي إنه من أهل الفتوى والدين بأن المسلم يحق له أن يمارس الجنس مع زوجته حتى وهي ميّته، يا رب أإلى هذا الحد من التخلف والحيوانية ينزل الإنسان العربي المسلم بقيم دينه السامية. يقشعر البدن حين تُرفع أصوات تنادي بمنع المرأة من انتعال حذاء بكعب عال وبأن ذلك لا يجوز لها إلا في البيت لإغراء زوجها وكأن المرأة ليست أكثر من "حاجة" أو "شيء" للإغراء أو الجنس. أُصاب بحالة من الغثيان والتذمر حين أسمع الواحد منهم يقول ويكرر "وجه المرأة مثل فرجها يجب إخفاؤه"، أَوَصَلْنا إلى مثل هذا الانحطاط والتخلف الفكري والأخلاقي والجمالي الذي هو قبل كل شيء إساءة لدين سماوي حنيف جاء لأجل التراحم والأخوة بين الذكر والأنثى، أم إن في هذا الخطاب "إنَّ" كما يقول النحويون من سلالة سيبويه الفارسي. لكم طويلا تشدق الذين سيركبون سدة السلطة هذه الأيام في كثير من الدول العربية بخطابات انتصارية كبيرة شأنهم في ذلك شأن جميع الأحزاب التي سبقتهم إلى منصة الحكم والتي ظلت لمدة تزيد عن نصف قرن تبيع لشعوبها الخيبات في شكل "شعارات" اجتماعية أو دينية أو اشتراكية أو وطنية، فهل سيحقق القادمون الجدد إلى القصور القديمة العدالة وأحلام الشباب في العمل والعلم العالِم لا العلم الجاهِل والصحة الصحيحة لا الصحة المريضة بالتيفوئيد؟ أم أنهم سيقضون ولاياتهم السياسية في "خطب عصماء عن نقض الوضوء" و"شكل اللحية" وفي مهاجمة المرأة الضحية الأولى التي يعتقدون أنها الأسهل وترا في مجتمع ذكوري حرمها التعليم وحرمها من دخول غمار السياسة وحرمها من الهواء وحرمها حتى من حقها في اختيار لون وشكل لباسها؟ لذا حين يقول المثل الشعبي: "الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" فإن هذا ينطبق على واقعنا السياسي العربي والذي جاء بثورات كأن برنامجها الأساسي هو تكريس الاستبداد المنزلي وذلك بتخنيع المرأة وتسييس الذكورية وإصباغ الطابع القانوني على وجودها. لذا حين يقول المثل الشعبي: "الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" نتساءل ونحن نسمع عودة الخطاب المشحون عداء للمرأة، التي هي الجدة والأم والزوجة والبنت والخالة والعمة والجارة... نتساءل أيريد أصحاب الكراسي الجديدة ذر الرماد في العيون وذلك بمحاولة تغيير مسار المعركة من معركة ضد التخلف إلى معركة من أجل تخلف جديد؟ أليس هؤلاء هم الذين تشدقوا ولمدة سبعين سنة أو يزيد وقد عانى الكثير منهم من سيف الأنظمة الاستبدادية التي ها هي تتهاوى اليوم، أليسوا هم الذين كثيرا ما قالوا وكرروا بأنهم إن مسكوا بزمام السلطة "سيفنون دولة لإسرائيل" في ربع ساعة، أم أنهم أخطأوا ميدان المعركة فبدلا من شنّها ضد إسرائيل لتحرير القدس يشنونها ضد المرأة كي لا تنتعل الحذاء ذا الكعب العالي؟ حين أستعيد حكمة الشعب العظيم: "الناسْ تَغْلَبْنِي وأنا نَغْلَبْ طاطا أخْتِي" أقول إن هؤلاء القادمين الجدد يبدون منذ البداية وكأنهم في "خوف" من "الخارج" الذي هو "إسرائيل وأمريكا" ولذا يشنون معركة خاطئة وشرسة على "طاطا أختهم" وذلك بعودة الحديث عن "الحجاب" و"النقاب" و"البرقع" وكأن فرض مثل هذه الكسوة على جسد المرأة سيقينا شر القنابل الذرية الإسرائيلية وعقاب بنوك ولت ستريت. aminzaoui@yahoo.fr