دعاني الحنين والشوق العارم لزيارة الجزائر مرة ثانية، ومن يعرف الجزائر وأهل الجزائر يتمنى أن يزورهم مرات ومرات، والجزائر ليست غريبة على قلبي وذاكرتي من الصغر، ففي سن الطفولة كنت أسمع أبي وشيوخ قريتنا وهم يتحدثون عن ثورة الجزائر وبطولات الجزائريين، ولا أعرف من تلك التفاصيل شيئا، ولما وصلت في الدراسة إلى مرحلة الإعدادي (المتوسطة) قرأنا تاريخ الجزائر وجغرافيا الجزائر، وحدثنا الأساتذة عن بطولات الجزائريين وكفاحهم العظيم وثورتهم النضالية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي، ثم سهل الله الزيارة للجزائر قبل ثلاث سنوات، وقد تحدثتُ عن هذه الزيارة في مقالات سابقة. * واليوم بدعوة كريمة من جمعية الإرشاد والإصلاح بالجزائر العاصمة دُعيتُ لإلقاء المحاضرات والدروس مع إخواني وأحبابي وأصحابي شعب الجزائر العظيم النبيل، فلبيتُ الدعوة وأنا على أحر من الجمر في ساعات الانتظار متى تحل ساعة اللقاء بصنّاع المجد وأحفاد الشهداء وسلالة المكارم في بلد الإسلام الجزائر، وكنتُ قبل شهرين في زيارة دعوية لبريطانيا وكنتُ في ضيافة الجزائريين وغيرهم في جمعية حراء والمراكز الإسلامية الأخرى، فكنتُ أروي لهم ذكريات زيارتي الأولى في الجزائر حتى إنني سجلّتُ النشيد الوطني الجزائري في جوالي إعجابا بكلماته الرائعة الهادفة النضالية، سوف أشرف في 2 فبراير 2012 بلقاء أحبابي في الجزائر، وأنا أحمل قلبا يحب الجزائر أرضا وإنسانا وتاريخا وعقيدةً ومجدا ونضالا، ورسالتي التي سوف ألقيها هي رسالة المحبة والسلام من بلد السلام ومن البيت الحرام ومن أرض محمد عليه الصلاة والسلام إلى شعب البطولات وأبناء الفاتحين وأسر الشهداء والمناضلين، جئت لأقول لهم: إني أحبكم في الله ولا زلت أذكر امتلاء المساجد بالمصلين في الزيارة الأولى، ولا زلتُ أذكر لقائي بالعلماء والمثقفين والمفكرين والمسؤولين والأدباء، فما كان هناك إلا حديث الألفة والمحبة والإخاء والحوار العلمي البناء والطرح الأدبي الراقي، وفي مخيلتي فيلم جميل لأرض الجزائر فقد صعدتُ مع زملائي على قمم الجبال الشاهقة في ضواحي الجزائر العاصمة، حيث زخّات المطر والنسيم العليل وباقات الضباب وقامات الشجر السامق المهيب وسرنا برا من عنّابة إلى قتمالا عبر الحقول الخضراء والسفوح المائسة بالشجيرات والأعشاب ثم إلى قسنطينة حيث التاريخ والآثار والعلم ،فكأن الجبل يحدثني، والتل يشاجيني، والروض يساجلني، والحقل يحيّني، ولكن أجمل ما في الجزائر وأروع ما في الجزائر هو الإنسان الجزائريبنبله وكرمه وشهامته وصبره، وجدنا ذلك في الرجل الجزائري والمرأة الجزائرية. * أعود إلى الجزائر بعد أيام لأقول لهم: إن في السعودية أحبابا لكم وإخوانا يبلغونكم السلام والتحية والمحبة والاحترام ويدعون لكم بالتوفيق والنجاح وجمع الشمل وتحقيق الأمن والسلام والعافية، لأن الذي يسعد الجزائر يسعدنا والذي يكدّر خاطر الجزائريين يكدّر خواطرنا، أيها الجزائريون إن لكم في جزيرة العرب إخوة في العقيدة وفي التاريخ وفي الرسالة وفي المصير المشترك، نحن وإياكم نعبد ربا واحدا لا إله إلا هو، ونتبع رسولا واحدا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ونقرأ كتابا واحدا هو القرآن، ونصلي لبيتٍ واحد هي الكعبة، ونعتنق دينا واحدا هو الإسلام، ونريد نحن وإياكم الأمن والسلام للعالم، فكيف ببلاد الإسلام وأوطان الإيمان وبلاد الرسالة الخالدة، أنا لا أشعر بالغربة في الجزائر فكأنني بين أسرتي وفي بيتي، وقد دخلتُ بيوتاً كثيرة في الجزائر غير المحاضرات العامة والندوات، بل زيارات أسريّة خاصة في البيوت الجزائرية، فلم أجد شيئا غريبا عليّ، بل غمرونا جزاهم الله خيرا بالمشاعر الدافئة والكرم الحاتمي والبسمة الرائقة والترحاب العامر، في الزيارة الأولى جلستُ في الجزائر مع العالم والوزير والمحافظ والمدرس والخطيب والطبيب والمهندس والجندي والمزارع فوجدتُ ما سرّني وما أبهجني وشرح خاطري، واليوم آتي مرة ثانية وأنشد مع أبي الطيب المتنبي وكأنه يقصد الجزائر أرضا وإنسانا: * كبّرت حول ديارهم لما بدت * منها الشموسُ وليس فيها المشرقُ * وعجبتُ من أرضٍ سحابُ أكفِهم * من فوقها وصخورُها لا تورقُ