يغزو الكثير من المتسكعين والمشردين مع بداية كل دخول مدرسي، أبواب مؤسساتنا التربوية، خاصة منها الإكمالية والثانوية، واللذين لا هم لهم إلا معاكسة الطالبات ومطاردتهن، على مرأى ومسمع الجميع في صورة يندى لها الجبين، صور تعري ما وصلت إليه أخلاقيات بعض الشباب المنحرف الذي هجر المدرسة وترك مقاعدها مبكرا، ليعود إليها- في غياب الرادع والوازع الأخلاقي_ من أضيق الأبواب، لا طلبا للعلم، لكن متسكعا ومستبيحا لحرمة الطالبات..واقع مأساوي دق معه العديد من الأولياء ناقوس الخطر، بعد أن وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى حد التحرش الجنسي والاعتداء الجسماني على الطالبات وحتى على الطلبة، فلماذا استشرت هذه الظاهرة إلى هذه الدرجة؟ ومن المسؤول عن ما يحدث، هل الشاب وحده أم للفتاة ضلع في الأمر، كيف ينظر المجتمع للظاهرة؟ والأهم كيف يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها..؟ شباب منحرف يزاحم الطلبة على أبواب المدارس يكفي أن تمر بمحاذاة إحدى الإكماليات أو الثانويات صباحا أو مساء أو حتى منتصف النهار في مواقيت التحاق الطالبات بمؤسساتهن التربوية لترى العجب العجاب، بعد أن أصبحت المؤسسات التربوية تستهوي العديد من الشباب المنحرف الذي يزاحم الطلبة أبواب مدارسهم، بعضهم ينتظر صديقته والبعض الآخر يبحث عن صديقة ولو بالقوة، فهؤلاء لن يجدوا مكانا يعج بالمراهقات، وإن كنا خلال السنوات القليلة الماضية، نعيش في الكثير من الأحيان على وقع أخبار العديد من السلوكيات السلبية الدخيلة على مؤسساتنا التربوية والتي يراها النفسانيون والمختصون الاجتماعيون، نتيجة طبيعية للكثير من التغيرات التي عرفها المجتمع، إذ أصبح من المألوف عند الكثير منا، أن يسمع أو يقرأ بالصحف والجرائد اليومية عن الاعتداءات الجسمانية التي أصبحت بعض المؤسسات التربوية مسرحا لها، يكون الأستاذ والطالب في الغالب أطرافا فيها، فهذا أستاذ يعتدي على تلميذه وهذا طالب يضرب أستاذه، ناهيك عن معارك الطلبة في ما بينهم، معارك مفتوحة على كل الاحتمالات، قد تصل إلى حد تكسير الأسنان وقضم الأذن وحتى استخدام السلاح الأبيض وراح الكل يحلل ويجزم أن التلفزيون الذي يسمم عقول الطلبة بما يعرضه من صور عنف وراء كل ما يحدث. سلوكيات لم تقتصر على أروقة المؤسسات التربوية بل امتدت إلى خارج أسوارها، لتكون الطالبة هذه المرة هي الضحية، فوراء أبواب الإكمالية أو الثانوية وفي غياب الأمن، تنتظرها الكثير من المعاناة، من شباب منحرف لا يهمه إلا مطاردة الفتيات والبحث عن أرقام هواتفهن، سعيا لإقامة علاقات عاطفية ولو باستخدام القوة إن رفضته، فجنونهم وطيشهم وصل حتى المؤسسات التربوية. ديكور ليس جديدا علينا ويمتد حتى إلى سنوات مضت، لكن الكثير لم يكن يبالي فالمعاكسة موجودة بالمدرسة أو بالشارع وإن كان قبل اليوم من الممكن غض الطرف، فانه بعد الأبعاد الخطيرة التي باتت تأخذها هذه الظاهرة، أصبح من غير المنطقي بتاتا تجاهل الأمر أو غض الطرف عليه، كيف لا والمعاكسات لم تعد تقتصر على الكلمات النابية والإباحية المقززة التي تخدش الحياء ولا تخاطب الفتاة إلا بلغة الجسد بل تحولت في الكثير من الأحيان إلى اعتداءات جسمانية وتحرشات إن أصرت الفتاة على رفضه ووردت عليه بلغة تناسب استفزازاته، فهو يبحث عن قصة حب كتلك التي شاهدها بإحدى المسلسلات التركية، وما زاد الوضع خطورة أن بعض هؤلاء الشباب مدمن وفي غير وعيه ما يجعله يقدم أحيانا على بعض التصرفات غير المسؤولة، فالكثير من الفتيات يؤكدن أنهن تعرضن إلى تحرشات وأن طيش هؤلاء الشباب الذي يتفوه بكلمات لا يمكن لعاقل أن يتصورها وصل بهم الأمر إلى حد ضربهن وهن مجبرات على السكوت لأنه ما باليد حيلة، خاصة وأن تصرفاتهم توحي أنهم في غير وعيهم، وما يزيد الطين بله أن المعاكسات لا تتوقف عند أبواب المؤسسة التربوية، فالكثير منهم، خاصة من يملك سيارة أو دراجة نارية وبجرأة كبيرة يتبعون هؤلاء الفتيات على طول الطريق وأحيانا حتى إلى جانب بيوتهم على مرأى الجميع دون أي خوف ولا خشية من عائلات الفتيات، وما شجع هؤلاء الشباب أكثر أن لا أحد يردعهم، لأن معظمهم يكون تحت تأثير المخدرات ولا يتوانى أحيانا في استخدام الأسلحة البيضاء إن استفز، والأخطر أنه كثيرا ما تحدث بعض المشاجرات بين هؤلاء الشباب المنحرف بسبب إحدى الفتيات وحتى الطلبة أصبحوا بدورهم عرضة للاعتداءات إذ ما حاولوا الدفاع عن زميلاتهم، الكثير من الفتيات اللواتي سردن لنا معاناتهن اليومية التي لا تخلوا من الخوف مما قد يصيبهن، خاصة وأنهن أصبحن لا يتحملن الكلام البذيء والتحرشات وحتى التخوف من المشاجرات التي تحدث بسببهن والتي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وبدل أن توجه كل العناية إلى الدراسة أصبحت بعضهن تفكر في ترك الدراسة لأنها لا تستطيع إخبار الأهل، فكما تقول إحداهن لا يمكن أن يترك أبي أو أخي عمله ويحرسني، أما أخرى، فتؤكد لو أن أحدا من إخوتها علم لأوقفها نهائيا عن الدراسة، لتضيف أخرى أنها لن تتهور، فكيف لأهالينا أن يتعاملوا مع هؤلاء المنحرفين، لكن الأكيد أن جل الأولياء على دراية اليوم بما يحدث ومعاناتهم لا تقل أبدا عن فلذات أكبادهم، ورغم الشكاوى العديدة التي قدمت لمدراء التربية وحتى لمصالح الأمن إلا المشكل لم يسو ليومنا هذا، ما اضطر بعض الأولياء خاصة من يملك سيارة إلى اصطحاب ابنته من وإلى المدرسة.
الفتاة بين المتهم والضحية مما لا خلاف فيه أن هذه المعاكسات التي أصبحت حديث العام والخاص بسبب الأضرار التي تحدثها خاصة النفسية منها، والتي أرهقت كثيرا الطالبات وأدخلت أولياءهم في دوامة من المعاناة، خاصة بعد أن استعصى عليهم الحل ورفض كل طرف لتحمل مسؤوليته، سلوكيات ألقت بظلالها على كل الشرائح التي استهجنتها وأجمع كل من تحدثنا إليهم على ضرورة وضع حد لهذه التصرفات الطائشة والغريبة عن عادات مجتمعنا، كما طالبوا بضرورة الحفاظ على بناتنا وعلى حرمة المؤسسات التربوية التي تعتبر رمزا للأدب والعلم وفضائل الأخلاق، كما يتوجب أيضا كما يؤكدون، ردع هؤلاء الشباب المنحرف الذي استباح الأعراض وانتهك الحرمات، فكيف يعقل أن يحدث هذا بمؤسسات تربوية تتمدرس فيها أخواتهم وقريباتهم، وإن كان الجميع يحمل مسؤولية ما يحدث للشباب المتهور، فالبعض خاصة كبار السن يحملون الفتيات جزء من المسؤولية، فما يحدث نتاج طبيعي للسلوكيات التي تمارسها بعض الفتيات، وتؤكد الحاجة «فتيحة»، التي كانت مارة بإحدى الثانويات وساءها المنظر كثيرا، «أن طيش الفتاة وتصرفاتها الرعناء هي من يجلب لها المشاكل، فالكثيرات غاب عنهن الأدب، يلهون ويمرحن ويضحكن ويجلبن الشباب أحيانا بحركاتهن حتى بدون قصد، فشتان بين فتاة أمس وفتاة اليوم والأكثر أن لباس الكثيرات غير محتشم»، أما السيدة «نفيسة» فتؤكد أنه زيادة على المظهر غير اللائق الذي تخرج به بعض الفتيات من البيت وبعلم من والديها والذي يدفع الشباب لمطاردتهن، فإن بعض الفتيات المستهترات تقمن علاقات عاطفية مع بعض الشباب وحتى مواعدتهم أمام المؤسسات التربوية ما يفتح شهية باقي الشباب على محاولة إقامة علاقات مع الأخريات، ظنا منه أن كل الفتيات سهلات المنال، مؤكدة أن ما تقوله ليس استنتاجا من محض الخيال بل هو نتاج ما كانت تقصه عليها ابنتها المتمدرسة في النهائي، وحتى أختها التي كانت كثيرا ما تعثر على رسائل غرامية بكراريس تلميذاتها، معيبة على الأمهات ترك مسؤولية تربية بناتهن اللواتي أصبحن يقلدن بطلات المسلسلات المصرية والسورية وحتى التركية، فالمفروض التفطن كثيرا لتصرف الفتاة والتنبه للباسها، فماذا ننتظر كما تضيف من فتيات أصبح الهاتف المحمول كل حياتهن، غير أنها لا تنفي في الوقت نفسه التهمة على الشباب المستهتر، الذي تؤكد أنه هو الآخر ضحية ما تبثه المسلسلات وحتى ضحية الظروف الاجتماعية الصعبة، فهو دون عمل والكثير منهم وصل إلى سن الزواج وإمكاناته المادية لا تسمح ما يجعل الكثير منهم يفرع المكبوتات بملاحقة الفتيات ومطاردتهن. وانتشرت مؤخرا الكثير من الآفات الاجتماعية، فالكثير من الشباب أصبح يتعاطى المخدرات والحبوب المهلوسة ما يجعل تصرفاته في الكثير من الأحيان غير مسؤولة لأنه تحت تأثير هذه العقاقير. خلال دردشتنا مع بعض الفتيات أبدت الكثيرات منهن رفضهن الطرح الذي يحملهن مسؤولية ما يحدث، فمن غير المعقول أن يتحولن من ضحية إلى متهم، معيبات على بعض السيدات أن يتهمن زيهن بأنه السبب، مضيفين أن «العصر تطور كثيرا ولا يمكن أن نرتدي ما كانت ترتديه أمهاتنا أو جداتنا»، مطالبين بمعاتبة الشباب المنحرف الذي يبحث عن ذرائع يبرر بها تصرفاته التي تدينها كل الأعراف والشرائع. الظاهرة تأخذ أبعادا خطيرة..لكن أين الحل؟ أيا كان المسؤول الشباب المتهور بتصرفاته اللاعقلانية وسلوكياته المستهجنة التي تسيرها في بعض الأحيان الأقراص المهلوسة والتي تتفشى أكثر في غياب الوازع الديني والرادع الأخلاقي وحتى جراء صمت المجتمع، فالكل يرفض أن يتحمل المسؤولية، فوزارة التربية بعد الشكاوى العديدة التي تلقتها من أولياء الأمور، تؤكد إنها غير مسؤولة عن ما يحدث خارج أبواب المؤسسات التربوية، فمهمتها تتوقف داخل هذه الأخيرة، وفي رحلة البحث عن حل لدى المؤسسات التربوية أو حتى مصالح الأمن وبعد إلحاح من الأولياء تم اعتماد بعض عناصر الشرطة عند مداخل بعض الثانويات على مستوى العاصمة فيما لا تزال الكثير من طالبات المؤسسات التربوية يعانين في انتظار حل يبدو أنه من الصعب جدا إيجاده ما لم تجند كل الوسائل لتوعية هؤلاء الشباب وحثهم على تجنب تصرفات تسيء إلى كرامة أخواتهم. ظاهرة بدأت تأخذ أبعادا خطيرة لا يمكن أبدا تجاهلها أو غض الطرف عنها، خاصة بعد أن تجاوزت المعاكسات حدود المعقول ووصلت إلى حد التحرشات والاعتداءات الجسمانية، أصبح من الضروري تضافر كل الجهود لإيجاد حل لها أو على الأقل التقليل من مخاطرها، بالترهيب أو الترغيب، بالتوعية أو باعتماد تشريعات تدين التحرشات وكل أنواع العنف ضد المرأة سواء كان لفظيا أو جسمانيا.