( تابع..) ...ورحل الإمبراطور ..ولو دامت لغيره ما وصلت إليه ..وصارت زوجته أما لي .."والمعزة من غير الوالدين حرام " وبايعني القوم إمبراطورا وسيدا عليهم ..فأقمت مجالس اللهو في قصري ..لكنه لهو من نوع خاص ..صباحات كلها للشعر و الشعراء ..أجل يا أميرتي ..إنهم لسان الأكوان التي تذيقنا حلاوة تفتقدها..وقلوبهم طفت عليها المرارة ..بل إنهم الأحلام التي تراودنا والآمال التي تحذونا ..وكل شيء فينا ..فنطقوا بها و بقينا نحن أصحابها صامتين.. إنهم الأنبياء حقا ..الأنبياء المنكرون بين أهلهم وذويهم ..صاروا لا يغادرون مجلسي إلا وهم على أحسن حال ..لا يقبلون هبة ولا يرضون بجزيل العطاء ..ولا يسألون أبدا الناس وحتى الإمبراطور إلحافا وحفظا لقدسية أشعارهم .. ويقولون ما يفعلون ..ولا أجدني في اتباعهم من الغاوين ..هم فقط يا أميرتي من أريدك أن تكوني بينهم ان تستمعي بما يجري على ألسنتهم الرطبة بذكر فضائل الغير من دون رياء ..وبزرع الآمال في أنفس اليائسين التعساء من دون مبالغة ..هم وحدهم يا أميرتي من يصلحون و يتشرفون بالقول فيك ومدحك والثناء عليك ..وان يسترقوا قبسا من نور عينيك..أفتبخلين عليهم بما تقدرين عليه ؟ ..ثم سكتت"سيغورني" عن الكلام المباح..المرير وقالت لجبيبها "أسعيد" : في تلك اللحظة التي كان هذا الشاعر يتحدث إلى ..تذكرت شاعر مدينتكم "ذا الشيب الصغير " .. وما الذي جعلك تتذكرينه في هذا الوقت بالذات ..ولماذا ذو الشيب الصغير بالذات "آه .." سيغورني" أنت تمزحين .إن الشاعر وقف أمامك بقصر أبيك الملك قبل قرون من معرفتك لشاعر مدينتنا !إلا يكون العياء واللوعة قد أفقدتك خارطة الزمن في دروب الفجائع ؟(مبتسمة ) سأبدأ من حيث انتهيت يا عزيزي .. صحيح قد مرت قرون على لقائي بالشاعر الإمبراطور ..ولكن أرواح الشعراء اللاحقين والآتين من زمن لم يحن بعد .. كانت تحوم فوق هامتي وأنا بمخدعي الوثير ..فلقد تصفحت أشعار العرب و العجم كلها ..البائدين منهم والقادمين ..الذين سوف يبادون أيضا وبطريقة أو بأخرى ..أما لماذا "ذو الشيب الصغير " بالذات فلأنه اخذ من كل شاعر في الكون أنبل صفاته وأفضلها غيرة هو ميروس ..ووداعة طاغور..وخيال شيكسبير..وهيا م قيس ...ورومانسية كوليردج ..وثورة شيلي ..وضياع نزار ... وهل كان نزار ضائعا ..هو المحاط بكومة من الغواني و النساء اللاتي توسدن شعره وتغطين بقوافيه .. -أجل يا"أسعيد" كان ضائعا ..مثلما ضاع " ذو الشيب الصغير " عندما اتكأ على جدار امرأة قادمة إلى الشمال حيث كان يقيم –وكانت مثله تهوى القمر ..فرقهما الصمت وكانت قبل ذلك قد جمعتهما الكلمات .. آه يا "سيغورني " زدتني شوقا إلى ذي الشيب الصغير " . -يوما ما ..ستلتقيه..وتكتشف أن سيوف بني عبس مازالت مغروسة في خاصرته ..وان آل ياسر على موعد معه ذات خريف ..كي تحدثه "سمية" عن قصة الشهادة في غيابه ..لا عليك دع الأمر لأيام .. آه ..حبيبتي "سيغورني " كيف يتأتى لي ذلك وأنت تزرعين الشوق في نفسي وتأخذين الصبر ؟ ..ولكن للشوق نشوة و في الانتظار لذة ..يا عزيزي . صدقت يا امرأة لا زلت لحد الآن لا أصدق أني أخاطبها ..ولكني أصدق كل ما تقول.. والآن أخبريني ..ما كان من أمره؟ -صراحة يا "أسعيد" كان كسابقيه ..وصف فبالغ .. وقال الحقيقة فخالف حقيقة ما كنت أصبوا إليه وما كنت أنتظره ..حتى وغن كنت أهوى الشعر منذ صبايا ..وأعيش في عوالم الشعراء طويلا وأحس بآهاتهم وأحزن لأحزانهم ..لكن..لكن.. -لكن ماذا يا "أميرتي " ما عدت أفهم عما كنت تبحثين ..إنك تشبهين في غموضك حبيبتي وزوجتي "زوينة" رحمها الله ..التي ما همت بها وقاسيت لأجلها ..وعاديت كل من وقف طريقنا إلا لما تميزت به من غموض واضح ..وصمت فصيح ..وسكون ثائر..أو تقول "زوجتي" وأنت لم .. - لا تكملي ..أرجوك (وقد فاضت عيناه دموعا ) ..إذا كان جسدانا..؟؟؟ ..فإن روحينا قد ذابتا في بعضهما البعض.. وذقنا حلاوة الزواج في عز المرارة التي تجرعناها معا لحظة احتضارها ..وخروج روحها وهي بين يدي .. آه حبيبتي صعب صعب أن تفقد حبيبتك يوم الزفاف يوم لقائكما الملائكي.. برصاصات غادرة ..بفستانها الذي حلمت بارتدائه سنوات طوال ..ويخرق أمامي ويخضب بالدماء الزكية ..العطرة الطاهرة ..ليتني قتلت معها .أو كانت الرصاصات التي سكنت صدرها سكنت رأسي أنا أم أنّ فاه الردى لم يكن يتسع يومها إلا لجسد واحد ، جسد كان منحوتا من مرمرة.. موشى بالزمرد و العاج ..جسد تحركه روح طاهرة صافية ..أخاه على الأيام وعلى أسعيد .." -أتبكي يا أسعيد..آنت الذي جئتني كي تنسى وتسلو وتخفف عن نفسك المعذبة.. ومعذرة إن كنت قشرت جرحك..ما كنت أقصد ..ما كنت أقصد ..ولكن كل ما في الكون يقصد.. الأرض والسماء.. القمر والنجوم..الشوارع والزقاق...البر والبحر ..يتبع