يتحدّث رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، «موسى تواتي»، بكثير من الاستياء عن واقع المعارضة في الجزائر خاصة أمام ما اعتبره موقفا سلبيا في مثل هذا الظرف بالذات، وهو لا يرى في إعلان بعض الأحزاب مقاطعة النقاش حول الإصلاحات السياسية «الحل الأمثل»، كما يكشف في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» أن إشكالية المعارضة في بلادنا تكمن في البحث عن الزعامة، وهو غير متفائل البتة بإمكانية جمعها على طاولة واحدة لهذا السبب بالذات. أعلنتم في وقت سابق أن «الأفانا» ستُشارك في المشاورات السياسية وتُقدّم تصوّراتها بخصوص تعديل الدستور وبعض القوانين العضوية، رغم أنكم تنظرون إليها بعين الريبة. هل تعتقدون أن هناك ضمانات من طرف السلطة لإجراء إصلاحات عميقة؟ لا بدّ من التأكيد بأن الجبهة الوطنية الجزائرية نادت منذ تأسيسها في العام 2000 إلى ضرورة إصلاح منظومة الدولة انطلاقا من قانونها الأساسي وهو الدستور، كما رافعت من أجل اعتماد نظام برلماني، وبعد أن وصلنا اليوم إلى فتح باب الحوار لمناقشة مثل هذه الأمور نتمنى أن لا يتكرّر نفس السيناريو الذي حدث في التسعينيات كون الاستشارة تمت حينها بين أربعة جدران بدون إعلام الجزائريين بحقيقة ما جرى وتحديد من تمّ التحاور معهم. نُريد أن تكون لجنة تعديل الدستور التي أعلن عنها رئيس الجمهورية غير مقتصرة في عملها على مجموعة معينة من النظام الذي عايش كل فترات الجزائر المستقلة، وما أريد قوله هنا هو أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون نابعا من إرادة وسلطة الشعب دون غيره من أجل نقل السلطة إلى جيل جديد غير هذا الجيل الذي حكمنا منذ 1962. مبدئيا نحن سنشارك في المشاورات السياسية وفي حال ما سجلنا وجود تجاوزات فإننا سنعلن موقفنا منها في الوقت المناسب، رغم أننا لا نعتقد بوجود مؤشرات إيجابية للإصلاح بدليل أن الحكومة شرعت في تعديل القوانين العضوية في وقت كان لا بدّ عليها منح الأولوية للقانون الأساسي وهو الدستور. فهل يُعقل تعديل قوانين البلدية والأحزاب والانتخابات قبل تعديل الدستور؟ ثم إن رئيس الجمهورية اعترف مؤخرا بعدم شرعية البرلمان الحالي بعد أن قرّر تمرير التعديلات الدستورية على البرلمان المقبل، فلماذا إذن نعرض هذه القوانين على البرلمان الحالي للتصويت عليها.
أنتم حزب محسوب على المعارضة التي تُواجه الكثير من الانتقادات إلى درجة أصبح يشكّك في مصداقيتها، أترون بأن هذه المعارضة مهيّأة لتقديم اقتراحات عملية بشأن الإصلاحات؟
المعارضة عندنا لا تزال بعيدة كل البُعد عن دورها الحقيقي، فهي تنظر بنظرة شمولية إلى الجزائر وأكثر من ذلك فإنها تريد إثبات وجودها والاعتراف بها من طرف السلطة قبل الشعب وهذا هو المشكل الأساسي لديها، وهو إشكال متعلق في الواقع بعدم وجود ثقافة معارضة في الجزائر. باختصار فإن المعارضة في بلادنا تتخبّط في متاهات للتعريف بنفسها، وما نراه كذلك هو أن المعارضة أصبحت تبحث عن وجودها لدى الجهات الأجنبية للوصول إلى السلطة وفرض نفسها على النظام. هذا الواقع يدفعني إلى التأكيد بأن المعارضة في الجزائر غير قادرة حتى على تحريك الشارع مثلما يحصل في الديمقراطيات التي تحترم نفسها، وإنما هي تُحرّك أطرافا أجنبية لتحلّ محل السلطة، أي أنها تريد الوصول إلى الحُكم ليس عن طريق الشعب وإنما عن طريق الخارج، فهي بهذا المفهوم بعيدة كل البعد عن المصدر الحقيقي للسلطة وللمعارضة كذلك وهو الشعب صاحب السيادة والكلمة الفاصلة.
بعكس ما تتحدّثون عنه فإن أحزابا أعلنت أنها لن تُشارك في المشاورات التي كلّف رئيس الجمهورية شخص رئيس مجلس الأمة «عبد القادر بن صالح» بالإشراف عليها. من هذه الزاوية إلى أي مدى تتوقعون أن تكون المقاطعة ورقة ضغط على السلطة لإجراء إصلاحات عميقة؟
لا يُمكن ممارسة المعارضة خارج الإطار الذي يفتح للنقاش، ونحن في الجبهة الوطنية الجزائرية نؤمن ونُحبّذ من الذين ينسبون أنفسهم إلى المعارضة أن يدخلوا في أي مسعى تحاوري مع السلطة ومن ثم الاستماع وتبادل النقاش للوقوف على واقع الأمور ومن بعدها نقرّر طبيعة الخطوات المقبلة الواجب اتخاذها، فالمعارضة القبلية واتخاذ موقف بالمقاطعة قبل بداية المشاورات يعني وجود أحكام مسبقة ونية قبلية وهذا ما نُعارضه. في حزبنا باعتبارنا جزءا من المعارضة نعتقد أنه حتى وإن كنا نشكّك في الطريقة التي تقرّر من خلال القيام ببعض الإصلاحات إضافة إلى تشكيكنا في بعض الأشخاص الذين يُشرفون عليها فإن ذلك لا يدفعنا إلى إصدار أحكام أولية قبل المعرفة الحقيقية لما يتم التحضير له، ومن هنا أدعو كل أحزاب المعارضة إلى الاندماج في صف واحد من أجل المشاركة بتصوراتنا وأفكارنا حول الإصلاح السياسي، وفي حال شممنا رائحة لا تبعث على الارتياح والثقة فهنا يُمكن أن نتخذ قرارا جماعيا بالانسحاب ونكون بذلك قد شكّلنا قوة ضاربة وضاغطة على السلطة. ما يدفعني إلى قول هذا الكلام هو أن أحزابا بقيت منذ الاستقلال في المعارضة وكانت حصيلتها عقيمة، بل إن هذه السياسة دفعت السلطة إلى الاستفراد بكل شيء ولها التصرف في كل الأمور، فالمعارضة داخل الإطار أمر مطلوب لأننا في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، فنحن لنا مناضلون وأنصار ومتعاطفون، ثم إننا مواطنون قبل أن نكون من ممارسي السياسة، ففي حال المشاركة في الحوار فإن أية محاولة أو رغبة في التلاعب بالإصلاحات المقترحة يُمكن أن نُثبتها من جانبنا بأدلة دامغة.
يبدو من خلال كلامكم أنه من الصعوبة التوصّل إلى توافق بين أحزاب المعارضة في الظرف الحالي من أجل الدخول بتصوّرات مشتركة تشمل كافة الآراء والاقتراحات التي تراها مناسبة للإصلاح السياسي. أليس كذلك؟
بالتأكيد، فنحن في الجبهة الوطنية الجزائرية وجهنا الدعوة إلى عدد من الأحزاب للمشاركة في لقاء تنسيقي من أجل المساهمة في بلورة وتحديد موقف مشترك من هذا الحوار الذي ننتظر أن يتم استدعاؤنا له، وللأسف لم تكن هناك استجابة من طرف هذه الأحزاب التي أردنا أن تكون إلى جانبنا ونشكل بذلك قوة وجبهة فاعلة، لكن أؤكدها مرة أخرى بأننا لا نزال نفكر بالمنطق القديم «من يتزعم من؟». مطلبنا كان الذهاب إلى الحوار بتصوّر موحّد لكن مسعانا قوبل بالرفض لأننا رأينا في اللقاء التشاوري إمكانية لتوحيد المعارضة فاصطدمنا بواقع مرير بعد أن تلقينا تبريرات باشتراط عدم حضور حزب إسلامي، أو إجراء حوار ثنائي وما إلى ذلك.. لقد كانت نيتنا صادقة من منطلق رغبتنا في السعي سويا لبناء فضاء وطني مهما كانت طبيعة المبادئ التي يؤمن بها كل طرف، فإذا أرادت المعارضة إثبات وجودها داخل المجموعة الوطنية فلا خيار لها سوى الاتفاق على تصوّرات موحدة.