مشاعر تواصل قوية تربطه مع الموروث الثّقافي، منذ الصغر أحب سحره العابق من رحم الأصالة الجزائرية. تولّد لديه عشق لنسج وحفظ روائع بن قيطون وبن كريو وغيرهما من عمالقة الفن التراثي، فأعاد إحياء ذكراهم في أنطولوجيا الصوت المكنون في الشعر الملحون ،"توفيق ومان" هو رئيس رابطة الأدب الشعبي التي تنشط دعما وخدمة لهذا الفن وللشعراء التراثيين، في هذه المساحة الحوارية يحدثنا عن الشّعر الشّعبي وآفاقه وعن انشغالاته الطامحة لتحطيم جدار النسيان . من خلال تنصيبك كعضو للجنة الدائمة العليا بمديرية الأدب والفنون لجامعة الدول العربية بالدوحة وتتويجك بدرع الريادة العربية كيف ترى أفق الشّعر الشّعبي الجزائري، وكيف تقرأ التجارب المستوطنة ساحته؟ تجدر الإشارة إلى أن الشّعر الشعبي في الجزائر لا يزال بعيدا نوعا ما عن الركب الذي التحق به الملحون أو الزجل في المغرب مثلا. فمن المؤسف أن القصيدة الشعبية الجزائرية مازالت لم تواكب العصر ولم تتطور، بحيث أن شعراء الملحون في الجزائر يتناولون القصيدة الشعبية الكلاسيكية دون أن يحذوا حذو شعراء العالم العربي وهذا سبب عدم تألقهم عربيا وبقاء الشعر الشعبي داخل القوقعة يتخبط في المحلية الضيقة. ولهذا السبب أخذت الرابطة الوطنية للأدب الشعبي على عاتقها مسؤولية تطوير القصيدة عن طريق ملتقياتها واستضافت أسماء عربية كبيرة في الشعر الشعبي الحداثي للاحتكاك بهم والاستفادة من تجاربهم.لكن لا يمكن أن ننسى أن السنوات الأخيرة قد عرفت نهضة شعرية برزت على أثرها أقلام واعدة .
يرى ومان أنّ قصيدة الزجل "الشعبي" في المغرب قطعت شوطا كبيرا في الحداثة واستطاعت أن تنفصل عن القصيدة الكلاسيكية التقليدية الملحونة،فما هو مكان الشعر الشعبي الجزائري من الحداثة ؟ نظرا لاحتكاكي بمجموعة من الشعراء العرب وتنقلاتي ومشاركاتي في بلدان متعددة استنبطت فكرة نظم القصيدة الحداثية والتي تعتمد على الرمزية والصور الكثيرة والحمد لله أن هذا النوع الذي أشتغل عليه الآن لقيّ استجابة وإعجاب الكثير من المبدعين سواء في داخل الوطن أو خارجه .فأنا دائما ما أحث الشعراء على الأخذ بالتجربة المغربية لشدة تأثري بها‚ويبدو أن القصيدة الحداثية قد أشرقت مؤخرا من خلال عدة أقلام حاملة معها ما يتماشى مع الحداثة والعصرنة إذا ما قارناها بطيلة فترة ما قبل 2005.
احتضن المسرح الوطني مؤخّرا ندوة شعرية تناولت لونا جديدا في الشّعر الشعبي هل لك أن تحدثنا عنه؟ فعلا لمس هدا النوع القصائد التقليدية بشكلها الكلاسيكي بمسحة رهيبة من الرمزية معرجا على عدة جوانب كالحب والمشاكل الاجتماعية لنستلهم جانب التطور الذي لحق إليه الشعر الشعبي. كانت الندوة من تنشيط شاعرين من ولايتي تيارت ومستغانم.
كيف جاءت مبادرة إدراج الأدب الشعبي في قانون مديرية الآداب والفنون بالجامعة العربية؟ جاءت هده المبادرة على غرار تنصيبي عضوا باللجنة الدائمة العليا بمديرية الأدب والفنون لجامعة الدول العربية فبعد الاطلاع على قوانين المديرية لم نجد إشارة للأدب الشعبي على غرار الحديث عن صنوه الأدب الرسمي الفصيح؛ ما دفعنا إلى طرح فكرة إدراجه ضمن القانون ليصبح بندا لابد على الجامعة العربية أن تحث بموجبه الحكومات والمجموعات المدنية على ترقيته والمحافظة عليه وتدعيمه باعتباره الموروث الحقيقي للشعوب، ولقي هذا التوجه دعما من الوفود ماعدا دولتين هما مصر وفلسطين.
بما أنك رئيس الرابطة الوطنية للأدب الشعبي كيف أثمرت جهود الوزارة الوصية بالنسبة لهدا الموروث؟ بكل صدق وبعيدا عن التملق لا بد أن نعترف بدور وزارة الثقافة التي كان لها كبير الأثر في استمرار الرابطة خاصة من خلال الاتصال الشخصي بوزيرة الثقافة مما سمح بوضعها في الصورة فكانت دائما على علم بالمجريات، والحقيقة أننا نلقى دعما معتبرا فيما يخص تنظيم الملتقيات فمند تأسيس الرابطة في 2005 استطعنا طباعة أربعين ديوانا بالإضافة إلى التحضير لعدة ملتقيات وطنية وعربية والمشاركة في العديد من الدورات التكوينية واستضافات خارج الوطن لتمثيل الأدب الشعبي الجزائري .هذا إلى جانب العديد من الإدارات كالديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة..
أخيرا.. هل حقيقة أن الشعر الشعبي في الجزائر لم يستطع تجاوز الفتوحات الشعرية التي قادها كبار الشعراء مند القرن السادس عشر؟ يجب أن نعترف أن الشعر الشعبي الجزائري لم يتمكن بعد من تجاوز تلك الفتوحات التي دشنها الشعراء الكبار ك "ابن قيطون" و"ابن كريو" والتي تعد أكثر زخما وألقا في كل تاريخه نظرا لحجم رصيد هؤلاء الشعراء كما يجب الإقرار بأن القصيدة الشعبية لم تعرف منذ دلك الحين أي تجديد في شكلها أو لغتها وظلت ترجيعا نمطيا لنماذج معروفة في تاريخ الشعر الشعبي لا يمكن مقارنته بذلك التطور الذي عرفته حركة شعر العامية في مصر مثلا من بيرم التونسي إلى صلاح جاهين وصولا إلى شعراء الجيل الجديد. ولذلك يخيّل إلي في الكثير من الأحيان بأن هذا اللون الأدبي في مصر أهم بكثير من الشعر الفصيح،، لا بالاستناد إلى لغته العامية وإنما بالاستناد إلى الجماليات التي يتأسّس عليها، وأن تأثيره على الذائقة العامة أكبر منه بكثير. لكن هذا لا يلغي ريادة بعض الشعراء الحاليين باعتبارهم مكسبا للأدب الشعبي الجزائري أمثال على علوي خالد شعبان قادة دحو زهرة صفصاف جميلة حداد..وغيرهم من الأقلام النابضة التي تسكب الحياة في هذا الموروث الشعبي من خلال كل الجهود والانجازات التي حققتها.