لم يستثن مشروع تعديل الدستور المغربي الذي سيطرحه الملك محمد السادس على الاستفتاء الشعبي في الثالث من شهر جويلية القادم القضايا الإقليمية، فمسألة حدود المغرب طرحت إلى جانب الصحراء الغربية على أنها قضايا من اختصاص الشعب المغربي، وهو ما يثير قلق المحيط الإقليمي. بقيت المطالب الترابية للمملكة المغربية ضمن الثوابت في الخطاب الرسمي المغربي، وتعني هذه المطالب بشكل رسمي معلن إسبانيا التي تسيطر على مدينتي سبتة ومليلية شمال المملكة وبعض الجزر الصخرية في البحر المتوسط مثل جزيرة ليلى، والصحراء الغربية التي يعتبر القصر أنها تمثل الأقاليم الجنوبية للمملكة، لكن هذه المطالب الترابية لا تستثني الجزائر أيضا رغم أنها لا تطرح علنا في الخطاب الرسمي غير أنها تشكل جزء أساسيا من أفكار بعض الأحزاب المغربية وعلى رأسها حزب الاستقلال المغربي. مشروع تعديل الدستور المغربي المطروح على الاستفتاء يشير في مادته الثانية والأربعين إلى أن "الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة"، وتعتبر كلمة "الحقة" رفضا صريحا للحدود المغربية المعترف بها دوليا، ولا تعني هذه العبارة المطالب المعروفة فحسب بل إنها قد تشمل موريتانيا برمتها التي سبق وأن رفضت المملكة الاعتراف بها كدولة عندما استقلت عن فرنسا مطلع ستينيات القرن الماضي، وحتى إن بدت هذه المطالب غير واقعية في هذا الظرف، كما أن المغرب لا يملك إمكانيات تجسيدها، إلا أنها من الناحية السياسية تكرس حالة عدم الثقة القائمة في المنطقة، وتؤكد الطابع التوسعي لتوجهات الملكية المغربية بشكلها الحالي. القراءة الأولية لهذا التوجه تحيلنا على السياق الذي جاء فيه مشروع تعديل الدستور المغربي، فالملكية كنظام في المغرب تتعرض لامتحان رغم أن المتظاهرين والمطالبين بالإصلاح السياسي والديمقراطية لم يتعرضوا للملك بصفة مباشرة، غير أن المطالبة الصريحة بالتحول إلى ملكية دستورية، وهو الأمر الذي لم يستجب له الملك في مشروعه الذي سيطرح على الاستفتاء الشعبي الشهر القادم والذي دعت المعارضة إلى التصويت ضده، ويحاول العرش الحفاظ على النظام بشكله الحالي حيث تبقى كل الصلاحيات مركزة في يد الملك الذي يحكم ويملك، وحتى توسيع صلاحيات الوزير الأول جاء ضمن الحفاظ على السلطة شبه المطلقة للملك، وقد كانت المبادرة بهذه الإصلاحات خطوة استباقية لغلق ملف الملكية الذي بدأت القوى السياسية في المغرب تتحدث عنه علنية داعية إلى الاقتداء بالنموذج الإسباني. هذا التحدي الذي يواجهه العرش العلوي يدفع إلى العودة مجددا إلى استعمال الخطاب الوطني من أجل حشد الدعم الشعبي، وفي هذا السياق يمكن فهم استعمال القضايا الإقليمية في الخطاب السياسي، ففي صيف 2002 لجأت الرباط إلى السيطرة عسكريا على جزيرة ليلى، وهي جزيرة صخرية في البحر المتوسط تقع تحت السيادة الإسبانية، بدعوى أنها أرض مغربية، وقد أفضت تلك الحادثة إلى أزمة خطيرة بين البلدين انتهت بتدخل عسكري إسباني لطرد القوات المغربية، ولم تكن تلك الجزيرة ذات قيمة إستراتيجية كبرى، لكن القصر قام بتلك الخطوة انطلاقا من حسابات داخلية في وقت كانت فيه الأوضاع الداخلية تتسم بمتاعب اقتصادية واجتماعية، ويمثل افتعال الصراعات مع الخارج أحد وسائل تجاوز حالات الاحتقان الداخلي في المغرب. قضية الصحراء الغربية هي الأخرى خضعت لهذا الأسلوب المغربي في إدارة السياسة الخارجية، ففي ذروة المطالبة بالإصلاح السياسي بادرت السلطات المغربية إلى تنظيم مظاهرة حاشدة في الدارالبيضاء من أجل الدفاع عن ما أسمته مغربية الصحراء، وفي كل مراحل الأزمات السياسية والاقتصادية كانت قضية الصحراء تستعمل من أجل إقناع الشعب المغربي بأنه في مواجهة مخاطر خارجية، وأن أولويته الأولى هي الحفاظ على ما يسمى الوحدة الترابية بأي ثمن، وفي التعديل الدستوري الحالي تبقى قضية الصحراء الغربية ورقة سياسية في يد الملك يستعملها من أجل الحفاظ على عرشه وصلاحياته المطلقة من خلال تقديم نفسه كضامن وحيد لمغرب إمبراطوري توسعي، غير أن الرد الذي جاء في الرسالة التي بعث بها الرئيس الصحراوي «محمد عبد العزيز» يوم الجمعة إلى الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة يؤكد أن الرباط ليست وحدها من يقرر مصير الصحراء الغربية. فقد قال الرئيس الصحراوي في رسالته "أود أن ألفت انتباهكم إلى نوايا حكومة ملك المغرب الذي وضع قرارات سياسية حيز التنفيذ متعلقة بالإصلاح الدستوري في البلاد، تريد أن تدرج فيها الصحراء الغربية الواقعة تحت الاحتلال اللاشرعي للمملكة المغربية"، وذكر الأمين العام بأن الصحراء الغربية "ليست أرضا مغربية" كونها مسجلة لدى الأممالمتحدة ضمن الأقاليم التي تنتظر تصفية الاستعمار منذ أزيد من أربعين سنة، وأن وضعيتها القانونية النهائية "يحددها الشعب الصحراوي وحده" عبر استفتاء حر وعادل ونزيه لتقرير المصير تحت إشراف الأممالمتحدة. والحقيقة أن الرباط تعترف ضمنا بأن الطرف الآخر في المشكلة وفي الحل أيضا هو جبهة البوليساريو، وقد كان العاهل الراحل الحسن الثاني سباقا إلى الاعتراف بالبوليساريو والجلوس معها إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يفعله خلفه من بعده، وإلى حد الآن لا يبدو أن هناك مؤشرات توحي بأن الرباط ستنجح قريبا في فرض مشروع الحكم الذاتي رغم الدعم الذي يلقاه من بعض القوى الكبرى، ومن هنا تبدو الإشارة إلى الحدود الحقة للمغرب شعارا للقصر الذي فقد صلته بالشعب المغربي ويريد أن يجد شرعيته في خطاب توسعي تجاوزه الزمن ولا تملك الرباط وسائل تحويله إلى حقيقة.