عصف القمع المغربي للصحراويين بالعيونالمحتلة في الثامن نوفمبر الماضي بالحكومة الاشتراكية في مدريد التي وجدت نفسها تحت ضغط شديد من قبل البرلمان الذي طالبها بإدانة سلوك الرباط، وقد ردت الحكومة المغربية كعادتها بالتهديد بمراجعة شاملة للعلاقات المغربية ودعوة البرلمان المغربي حكومة الرباط إلى المطالبة باستعادة سبتة ومليلية المحتلتين من قبل إسبانيا. قضية الصحراء الغربية والتفاصيل المحيطة بها تسمم العلاقات الإسبانية المغربية، فالدعم الذي تلقاه المملكة من الحكومة الاشتراكية بقيادة «خوسيه لويس ثاباتيرو» يواجه مقاومة شديدة من المعارضة ومن المجتمع المدني الإسباني الذي يسجل تعاطفا كبيرا مع الشعب الصحراوي في كفاحه من أجل الحرية وتقرير المصير. أحداث العيون كانت ثاني امتحان تتعرض له حكومة «ثاباتيرو» خلال فترة لم تتجاوز السنة، ففي نهاية السنة الماضية اضطرت مدريد إلى شرح موقفها بالقول إنها لا تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وأرغم وزير الخارجية آنذاك «ميغيل أنخيل موراتينوس» على تصحيح تصريح صدر عنه قال فيه "حتى تتم معالجة الخلاف (حول الصحراء الغربية) وانسجاما مع موقف الأممالمتحدة، فإن إسبانيا تقول إن القانون المغربي يطبق في الصحراء الغربية"، وقد اعتبر هذا التصريح في حينه اعترافا ضمنيا بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية، وهو أمر ينقض على الأقل الموقف الإسباني الرسمي الذي يقوم على اعتبار الصحراء الغربية إقليما محل نزاع، وقد جاء هذا التصريح أثناء إضراب المناضلة الصحراوية «أمينتو حيدر» عن الطعام لمدة 32 يوما، وقد اتخذت مدريد موقفا بدا منحازا للمغرب في تلك القضية، غير أن التضامن الشعبي الواسع مع حيدر ومع كفاح شعبها أجبر حكومة مدريد على تعديل موقفها وخرج «موراتينوس» ليشرح موقفه بالقول "على العكس، لقد اكتفت الحكومة بالقول إن القوانين المغربية تطبق في الصحراء الغربية، ما يعني أنها لاحظت فقط أمرا واقعا مؤكدا بالنسبة إلى أي شخص يتابع الملف من قرب". وقد اضطر «موراتينوس» إلى توضيح الموقف الرسمي لحكومة ثاباتيرو الاشتراكية بعد ردود فعل غاضبة من المعارضة والمجتمع المدني في إسبانيا، حيث تمت قراءة تصريحه على أنه تراجع عن الموقف المبدئي لإسبانيا والذي يقوم على عدم الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ويرتبط هذا الموقف بالمسؤولية التاريخية لإسبانيا باعتبارها القوة الاستعمارية التي كانت تحتل الصحراء الغربية إلى غاية الانسحاب منها سنة 1975. موقف الحكومة الاشتراكية في مدريد يميل إلى دعم المشروع المغربي للحكم الذاتي والذي يطرح كبديل عن حق تقرير المصير، وقد غيرت حكومة «ثاباتيرو» توجهات السياسة الخارجية الإسبانية بشكل ملموس عما كانت عليه في عهد حكومة اليمين بقيادة «خوسي ماريا آثنار» التي كانت تدعم بشكل واضح مخطط الأممالمتحدة للتسوية على أساس مبدأ تقرير المصير، وقد عرفت العلاقة بين الرباطومدريد توترا كبيرا خلال فترة حكم اليمين في إسبانيا، وكانت من بين أهم الملفات التي سممت العلاقات بين البلدين مسألة النزاع حول مناطق الصيد، وقد تطور الأمر إلى حد المواجهة المباشرة التي تجلت في دخول القوات المغربية إلى جزيرة «ليلى» والتي أدت إلى رد فعل عنيف من جانب مدريد التي أرسلت قواتها لإخراج الجنود المغاربة من الجزيرة الصخرية غير المأهولة. الحكومة الاشتراكية يبدو أنها حاولت منذ مجيئها مقايضة قضية الصحراء الغربية بمسألتين هامتين هما اتفاق الصيد مع المغرب، وقضية التعاون في مجال مكافحة الهجرة السرية التي تعتبر من المواضيع الأكثر حساسية بالنسبة لإسبانيا، وقد سعت حكومة الرباط إلى استغلال القضيتين من أجل دفع مدريد إلى تبني مشروع الحكم الذاتي، وقد بينت قضية «أمينتو حيدر» تواطؤا واضحا من جانب إسبانيا، بل إن بعض المصادر أشارت إلى أن التصعيد المغربي كان جزء من اتفاق مع إسبانيا من أجل الإسراع بتصفية قضية الصحراء الغربية وتمرير مشروع الحكم الذاتي. ومثلما حدث في قضية «أمينتو حيدر» فإن القمع المغربي للصحراويين، وتفكيك مخيم الحرية في الثامن نوفمبر الماضي عن طريق العنف الدموي أعاد إلى الواجهة الضغط الذي يمارسه الرأي العام على الحكومة في إسبانيا والحكومات في أوروبا عموما، وهو ما يعني أن هذه الحكومات قد تضطر لاحقا إلى تعديل مواقفها بما يتناسب مع مبادئ الحل التي حددتها قرارات الشرعية الدولية المتصلة بالقضية، وهذا هو المكسب الكبير الذي حققه الصحراويون من خلال اعتمادهم لأسلوب النضال السلمي رغم القمع الدموي للاحتلال المغربي، وقد جاء قرار البرلمان الأوروبي بإدانة القمع المغربي في العيون عاكسا لهذا الدعم الشعبي غير المسبوق للشعب الصحراوي وقضيته العادلة. التهديد الذي أطلقته الحكومة المغربية على لسان الناطق باسمها «خالد الناصري» بمراجعة شاملة للعلاقات المغربية الإسبانية يؤكد المأزق الذي آلت إليه السياسة الإقليمية للمغرب، فالأصدقاء الذين يدعمون مشروع الحكم الذاتي مضطرون للخضوع للإرادة الشعبية، والتذكير بقضية سبتة ومليلية في هذا السياق يضع النظام المغربي في موقف من يستعمل القضايا الوطنية كورقة سياسية للابتزاز والمقايضة، وهو ما قد يجعل الدعم الشعبي له يتراجع رغم المساعي الحثيثة لإظهار الالتفاف حول قضية الصحراء الغربية، كما حدث مع تنظيم مسيرات شعبية في الدارالبيضاء، كما أن موقف البرلمان الإسباني يؤكد أن المشكلة ليست مع الحزب الشعبي الإسباني أو مع وسائل الإعلام الإسبانية كما تدعي الحكومة المغربية بل المشكلة تكمن في الموقف المساند للشعب الصحراوي الذي يتخذه المجتمع الإسباني عموما، وهو ما يرشح العلاقات بين البلدين إلى مزيد من الهزات في المستقبل. إبراهيم عبد الله