بقلم: محمد الهجابي/المغرب لملَم القناعَ والقفّاز، ثمّ اتخذَ لكَ ركناً في أقصى الرّكح، واتكئ على العكّاز. وزّع بصركَ على كلّ الجبهات، استقرئ الخارطةَ، واصغ لصليل المشاهد في الزّوايا منكَ، لعلّها تصدي بشجون، حتّى إذا أمّنْتَ السّينوغرافيا، وصادقتَ على آخر المتمّمات، وشحنْتَ الآلةَ منْ أنفاسكَ، حدّ ما فضُل لديك منَ الجُرعات، ما لا يوجعُ الحضورَ، ما يُضحكُ فحسبُ، أَسدِل الستارةَ دفعةً واحدةً، وأَطفئ عيْنَ الشّمس، وانثر نُجيْماتٍ في البُهرة الفسيحة، كما لو تلقي بحروف الأسماءْ التي حَملْتَ على مدار العمر، فوق أسطر الماءْ، كيما تغرق بأوزارها إلى أسفل الينابيع، أو كما لو ترمي بهَبارَتكَ منْ على الكتفيْن. لا توجز الحكايةَ، وكسّر العكّازَ على فخذِكَ شطريْن، لا أَكثرَ، ثمّ امرقْ منَ البابِ الخلْف، وانزل درج السُلّم، في حذَرٍ، كما قطّ الكواليس، نحوَ الدرْب الجانب، المعْتمِ، حذاءَ البحر، حيثُ أصغرُ حانةٍ في الحيّ، واشربْ درّاقةَ أَجْملِ الميْتات، تلك التي تأتيكَ وأنتَ في أوجّ النشوة، فوق شرشفِ مومس الحي، وأنتَ تدنسُ بقدمك حرمةَ الفواجع في ليلةٍ غماء، بعد المنتصف بقليلْ، أو تفضي بسرّ أثقلَ على خاطركَ لسنين، في مقصورة قطارٍ عابر، لرفيقة طريق غريبة، فاتنة، واتركْها تواصل، ثمّ اهبطْ منه بمفردكَ عند أوّل محطة، واختف بين النازلين. كأسٌ أولى، تعقُبها كؤوسٌ، وهذا اللّيل طويلْ. أيّ الستارتيْن تسدل: ستارة الركح أمْ ستارة الأنين؟