شرعت الجزائر في تأكيد التزاماتها بخصوص دفع التنمية في منطقة الساحل ضمن خطة لتعزيز الأمن والاستقرار في مواجهة التحديات التي تمثلها التنظيمات الإرهابية التي تستغل الأوضاع المعيشية الصعبة لسكان المنطقة من أجل توسيع نشاطها وجلب مزيد من المتعاطفين معها. تتكفل الجزائر بتمويل بناء 20 مدرسة ومؤسسة تكوين في قرى شمال مالي، كما ستقوم بتمويل عمليات حفر عشرات الآبار وإقامة حواجز مائية سطحية وإنشاء مدارس وعيادات في مناطق حدودية، يستفيد منها البدو الرحل الجزائريون وبدو الدول المجاورة في إطار برنامج لمساعدة دول الساحل يجري تنفيذه بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي ومنظمات حكومية أمريكية بقيمة 100 مليون دولار، ويتضمن البرنامج أيضا، بناء تجمعات سكانية جديدة في مناطق قريبة من القرى الموجودة في شمال مالي، وبناء مستوصفات ومراكز طبية، وتقول مصادر إعلامية إن الحكومة بصدد اقتراح إنشاء صندوق خاص بمساهمة دولية لتنمية المناطق الصحراوية في الساحل. هذه القرارات تعكس الالتزام الجزائري في مجال مكافحة الإرهاب، الذي فضلا عن كونه التزاما سياسيا في المقام الأول، فإنه يقوم أيضا على تنسيق السياسات بين دول المنطقة، وعدم فتح الباب أمام التدخل الأجنبي، والتعاون مع القوى الكبرى من أجل ضمان استقرار المنطقة ويمثل هذا البرنامج صورة لهذا التعاون من أجل تحقيق التنمية في المنطقة باعتبارها عاملا متصلا بشكل مباشر بالأمن، فالنشاط الإرهابي يتركز بصفة خاصة في المناطق الحدودية الفقيرة والمعزولة، ويستفيد من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي يعيشها سكان هذه المناطق، ويستغل هذه الأوضاع من أجل كسب ود القبائل وضمان مساعدتهم وتغطيتهم، وقد أثبتت التجربة أن قنوات الاتصال بين الجهات الرسمية في دول المنطقة، وحتى في الدول الأخرى التي يتعرض رعاياها للاختطاف، والإرهابيين كان يمثلها رجال القبائل الذين يلعبون دور الوسيط، ويضاف إلى ذلك مسألة تنمية بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة مثلما هو الحال بالنسبة لمنطقة كيدال في شمال مالي حيث يطالب التوارق بمزيد من الجهد التنموي لتحسين ظروف معيشتهم، ومن هنا يمكن أن نفهم التوجه إلى إنجاز مشاريع تتعلق باستقرار سكان مناطق شمال تحديدا. الربط بين التنمية والأمن كانت من بين أهم الركائز التي قامت عليها حركة الدبلوماسية الجزائرية في سعيها إلى حشد التأييد الدولي لجهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وقد اعتبرت أن أهم ما يمكن أن تقدمه الدول الكبرى هو المساعدة على تحقيق التنمية في المناطق التي ينشط فيها الإرهابيون، حيث أن ضغط الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة في المناطق المعزولة من الصحراء هو الذي دفع بسكان المنطقة إلى الانخراط في النشاط الإرهابي أو اللجوء إلى نشاطات أخرى تستفيد منها الجماعات الإرهابية مثل التهريب وتجارة المخدرات، فضلا عن اندلاع نزاع مسلح في شمال مالي بين الحكومة المركزية ومتمردي التوارق، وقد لعبت الجزائر دورا أساسيا في إنهاء هذا الصراع من خلال اتفاقيات تم عقدها بين الطرفين في الجزائر، غير أن تدخل قوى إقليمية كان يؤثر سلبا على العملية، وقد سعى العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى بسط اليد على حركة التمرد في شمال مالي ما أثّر سلبا على مسار عملية السلام. في مقابل ذلك حرصت الجزائر على إبلاغ الطرف المالي في مناسبات عديدة بأنه لا بد من بذل مزيد من الجهود لتجسيد تنمية متوازنة بين مختلف مناطق البلاد باعتبار أن ذلك يعتبر من الضمانات الأساسية التي يجب أن تتوفر لإنهاء تمرد التوارق الذين كانوا يرفعون مطالب اجتماعية واقتصادية في المقام الأول. على المستوى السياسي تمثل مشاركة الجزائر في تنمية المنطقة تأكيدا للرغبة في تحقيق الاستقرار وليس مجرد لعب دور القوة المهيمنة إقليميا، ففي السابق رفضت الجزائر لعب أي دور عسكري في مكافحة الإرهاب خارج حدودها، ولم تستجب لدعوات رسمية من قبل مالي التي قال رئيسها أمادو تومانو توري بأنه دعا كل دول المنطقة إلى القيام بعمليات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية ولو داخل أراضي مالي، وفضّلت الجزائر بدلا عن ذلك العمل على إنشاء هيئات مشتركة بين دول المنطقة تتولى تنسيق عمليات مكافحة الإرهاب، غير أن الأمر لم يتوقف على ذلك، فقد حرصت الجزائر على القيام بنشاط دبلوماسي مكثف من أجل جلب الدعم الدولي لتنمية منطقة الساحل، وقد لقيت هذه الجهود بعض التجاوب من الناحية المبدئية لكن مساهمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تزال دون احتياجات التنمية في المنطقة. الرؤية الجزائرية لمكافحة الإرهاب قامت على جملة من المبادئ، فهناك أولا رفض التدخل الأجنبي مع التعامل بإيجابية مع المساعدة الدولية، ولعل إقرار الأمريكيين والأوروبيين بأن دول المنطقة قادرة من خلال التنسيق فيما بينها على مواجهة التحديات الأمنية وبداية تقديم المساعدة للتنمية يمثل انتصارا لهذه الرؤية، ثم هناك الحرص على جعل مكافحة الإرهاب عملية شاملة تتجاوز حدود العمل العسكري والأمني لتصل إلى نزع أسباب العنف والتطرف من خلال تحسين الأوضاع المعيشية لسكان المناطق التي تريد التنظيمات الإرهابية أن تتخذها قاعدة لنشاطاتها.