قدم وزير الداخلية “دحو ولد قابلية” صورة مجملة عن عملية تعديل الدستور التي ستتم خلال السداسي الأول من السنة القادمة، وتمثل هذه العملية جوهر الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس بوتفليقة قبل سنة من الآن، كما أنها مرشحة لأن تشكل الموضوع المحوري في النقاش السياسي بعد الانتخابات التشريعية . في المقابلة التي أجرتها معه جريدة لوكوتيديان دوران ونشرتها الاثنين الماضي لم يتحدث وزير الداخلية بشكل قطعي وفضل الإشارة إلى احتمالات، غير أنه ألمح إلى الصيغة التي سيتم بها تعديل الدستور، حيث سيتم إنشاء لجنة على مستوى البرلمان تكلف بصياغة الدستور، على أن يفتح نقاش موسع خارج البرلمان حول مقترحات اللجنة التي تعود مجددا إلى إثراء المسودة قبل عرضها على البرلمان للتصويت لتطرح للاستفتاء الشعبي حيث تعود الكلمة الفصل للناخبين. من الناحية الإجرائية تبدو هذه الطريقة محاولة لإعطاء العملية كامل المصداقية، والملاحظة الأولى التي تبدو مهمة هنا هي أن الوزير لم يتحدث عن دور رئيس الجمهورية في تعديل الدستور رغم أن اقتراح التعديل يعتبر من صلاحياته بنص الدستور الحالي، وهو ما يعني أن هناك توجها لإعطاء البرلمان القادم صفة المجلس التأسيسي وهو ما أكده ولد قابلية في تصريحات سابقة عندما قال بأن البرلمان القادم سيكون بقوة الواقع مجلسا تأسيسيا، وهو نفس الاستنتاج الذي خلصت إليه الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون والتي تعتبر من المطالبين بانتخاب مجلس تأسيسي كخطوة أولى للإصلاح السياسي وإعادة بناء الدولة. بقاء الرئيس بعيدا عن عملية تعديل الدستور يعزز مكانة البرلمان القادم، كما أن طرح المشروع لنقاش وطني موسع سيسمح بإشراك أكبر عدد ممكن من الجزائريين في هذه العملية التاريخية والحساسة، وهي مشاركة لا يمكن ضمانها بالانتخابات، فهناك احتمال قوي بأن يتم انتخاب البرلمان القادم بنسبة مشاركة محدودة في الانتخابات، وتسجيل مشاركة قريبة من 50 بالمائة أو تتجاوزها بقليل سيكون إنجازا مهما، غير أن هذه النسبة لن تكون كافية للقول بأن البرلمان يمثل كل الجزائريين ومن هنا سيكون طرح مسودة الدستور المعدل لنقاش واسع عبر وسائل الإعلام وبطريقة شبيهة بالنقاش حول الميثاق الوطني سنة 1976 كما قال الوزير، إشراكا لكل الجزائريين في هذه المسألة بصرف النظر عن موقفهم من الانتخابات وحتى من البرلمان الذي سيتشكل وفقا لنتائج الانتخابات القادمة. الحاصل إذن هو تنازل من جانب الرئيس عن جزء من صلاحياته لصالح البرلمان، وتوسيع النقاش إلى خارج البرلمان، وهذه الصيغة التوفيقية تهدف إلى التوصل إلى دستور تشارك في صياغته أغلبية المواطنين بمن فيهم أولئك الذين اختاروا مقاطعة الانتخابات التشريعية، وهذا الخيار قد يعطينا صورة عن شكل النظام السياسي الذي قد يأتي به الدستور الجديد، فعدم إصرار الرئيس على استعمال صلاحياته الدستورية بخصوص التعديل يمكن أن يكون إشارة إلى أن النظام الرئاسي لم يعد خيارا وحيدا، وهذا تحول سياسي في موقف بوتفليقة الذي كان قد أظهر عدم رضاه عن الدستور الحالي منذ مجيئه إلى الحكم خلال سنة 1999، ومن المآخذ التي سجلها على الدستور هي أنه يخلط بين النظامين البرلماني والرئاسي ما يؤدي إلى تداخل في صلاحيات المؤسسات قد ينتج حالات من التنازع بينها أو يؤدي إلى حالة من الشلل في التسيير. التحول في الموقف من شكل النظام الرئاسي طال مواقف بعض الأحزاب المؤيدة للرئيس ومن ضمنها حزب جبهة التحرير الوني الذي كان قد رفع في السابق جملة من الاقتراحات للرئيس تدور حول تعزيز النظام الرئاسي ودور مؤسسة الرئاسة في صناعة القرار، غير أن الأفلان بدأ يبتعد عن هذا الخيار بعد أن أعلن الرئيس قبل عام أن الإصلاحات تهدف إلى تكريس الحياة النيابية وإعطاء المنتخبين دورا أكبر، في حين أن معظم أحزاب المعارضة تميل إلى الأخذ بالنظام البرلماني بشكل مباشر. هذا الموضوع من المفترض أن يكون أحد أهم محاور النقاش السياسي أثناء الحملة الانتخابية، غير أن النشاطات التي قامت بها مختلف الأحزاب السياسية إلى حد الآن لم تقدم صورة مفصلة لما تنوي هذه الأحزاب طرحه، بل إن التركيز على قضايا تسيير الشأن العام ترك الانطباع بأن كثيرا من الفاعلين السياسيين لا يتعاملون مع البرلمان القادم على أنه سيلعب دورا تأسيسيا في المقام الأول، ومن هنا لم يذهب النقاش إلى حد التطرق إلى ما يجب فعله بعد تعديل الدستور وهو سؤال مهم للغاية يبدو مؤجلا. الصيغة التي تطرحها الجهات الرسمية لعملية تعديل الدستور قدمها وزير الداخلية على أنها مجرد اقتراحات أو أفكار ليست لها أي صفة رسمية، وهذا يعني أن الأمر يتعلق بمحاولة لقياس ردود أفعال الأحزاب حول هذه الأفكار، والأهم من هذا هو أن العملية برمتها تعكس الحرص على أن يتم التعديل الدستوري في إطار المؤسسات وليس خارجها دون أن يفقده ذلك صفة التعديل الجوهري والجاد الذي يسمح بوضع أسس جديدة لبناء الدولة بما في ذلك إعادة صياغة شكل النظام السياسي وطبيعة العلاقات التي تحكم مكوناته.