تحدث وزير الداخلية قبل أيام عن صيغة محتملة لتعديل الدستور تقوم على تنصيب لجنة برلمانية تقترح مسودة وبعدها يفتح النقاش موسع من خلال وسائل الإعلام وتنظيم ورشات لهذا الغرض، وشبه ولد قابلية ما سيجري بالمناقشات التي جرت حول الميثاق الوطني سنة 1976. ما قدمه الوزير لا يعدو عن كونه تصورا مبدئيا لكنه يثير بعض الأسئلة، فهو لم يتحدث عن دور رئيس الجمهورية في عملية التعديل رغم أن الدستور الحالي يعطي الرئيس صلاحية اقتراح تعديل الدستور، ولا نعرف إن كان الرئيس سيتنازل عن دوره أم أن الوزير أغفل هذا التفصيل، والمهم هنا هو أن الحديث عن كيفية تعديل الدستور أدخلنا في النظام البرلماني قبل الأوان، وربما يكون هذا إشارة إلى أن البرلمان القادم سيكون بمثابة مجلس تأسيسي كما استنتج وزير الداخلية قبل أسابيع من الآن. مسألة تعديل الدستور تعتبر مهمة من ناحية الشكل والمضمون، فإسناد صياغة المسودة الأولية للجنة برلمانية تعطي البرلمان دورا تأسيسيا، وعرضها على نقاش موسع قد يساهم في إشراك فئات أوسع من المجتمع في إثراء النص القانوني الأسمى، هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فإن الأمر يتعلق بوضع أسس جديدة تقوم عليها الدولة. خطورة المهمة التي سيضطلع بها البرلمان القادم تحتم علينا إجراء انتخابات فوق الشبهات، فلا يمكن إسناد هذه المهمة لبرلمان مطعون في شرعيته أو مشكل على نتائج انتخابات مشكوك في نزاهتها، وحتى إن كان الاستفتاء الشعبي هو الذي يفصل في المقترح في آخر المطاف فإن الأهم هو ما سيتم اقتراحه على الشعب في الاستفتاء، فالنواة الأولى للمشروع ستضعها لجنة برلمانية حسب التصور الذي قدمه الوزير. بقي تفصيل آخر، وهو مهم أيضا، وهو أن المقارنة بمناقشة الميثاق الوطني التي جرت قبل قرابة أربعة عقود لا تبدو موفقة، فما نحن بصدده اليوم هو مشروع للمستقبل يضع قواعد الحرية والديمقراطية ويبني دولة الحق والقانون، وهي مصطلحات لم تكن موجودة في القاموس السياسي الرسمي سنة 1976.