تتعقد الأزمة داخل جبهة القوى الاشتراكية بإصرار المعارضين للقيادة الحالية على عقد تجمع شعبي غدا في مدينة تيزي وزو، وتتجاوز هذه الأزمة أقدم حزب معارض في الجزائر لتعيد صياغة مفاهيم المعارضة وأساليبها في ظل التطورات الجارية داخليا وإقليميا. عندما قررت قيادة جبهة القوى الاشتراكية، وبتوجيهات صريحة من رئيسها حسين آيت أحمد، المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من ماي الماضي، برر آيت أحمد قراره في رسالة مطولة إلى قادة الأفافاس ومناضليه يقول فيها، مثلما كان هناك طريق جزائري للتحرر من الاستعمار، فإن هناك طريقا جزائريا للتحرر من الديكتاتورية، ومثلما كان فشل الخيار السياسي والسلمي في التحرر من الاستعمار سببا في الأخذ بخيار الكفاح المسلح فإن خيار العنف فشل في تحرير الجزائر من الديكتاتورية والتخلف والتهديدات الخارجية ويجب أن يترك المجال للكفاح السياسي بالمعنى الأكثر جدية للكلمة. في تبريره لقرار المشاركة في الانتخابات التشريعية قال الأمين الوطني الأول للحزب علي العسكري أن جبهة القوى الاشتراكية قررت المشاركة ” من أجل اعادة الحركية للنشاط السياسي ” داخل المجتمع، وأضاف أن هدف الحزب يكمن في ” التعبئة السلمية والسياسية للجزائريين والجزائريات، وإحداث حركية ووضع حد للجمود السياسي والمؤسساتي”، وقد مثل هذا القرار تحولا في تعامل أقدم حزب معارض في الجزائر مع التطورات السياسية الجارية محليا وإقليميا، وهو التحول الذي بدأت معالمه تتضح منذ احتجاجات جانفي من السنة الماضية، ومن خلال الموقف الذي اتخذه الأفافاس من التغيرات الجارية في العالم العربي. الأفافاس كان السباق إلى رفض خيار التظاهر في الشارع منذ أن دعت بعض أطراف المعارضة، وعلى رأسها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إلى تصعيد الاحتجاجات من أجل تغيير النظام، وبدلا عن ذلك دعا الأفافاس إلى مزيد من العمل على مستوى القواعد من أجل تجنيد المجتمع وتوعيته بحساسية الموقف، ورغم هذا فقد كان موقف حزب آيت أحمد من الإصلاحات سلبيا على العموم، وقد رفض تلبية دعوة لجنة المشاورات حول الإصلاحات. تلميحات آيت أحمد في رسالته إلى مخاطر التهديد الخارجي تقاطعت مع التحذيرات التي أطلقها الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير يوم 23 فيفري الماضي حتى وإن كانت التصورات تبدو مختلفة جوهريا من حيث تشخيص التهديد وطريقة الرد عليه، وهو ما يعني أن الأفافاس اعتبر الانتخابات، من حيث المبدأ، فرصة لرفع مستوى الوعي الشعبي بمخاطر المرحلة وتحدياتها، كما أن الانتخابات يمكن أن تكون خطوة على طريق التغيير بفرض الخيار الديمقراطي السلمي. التشريعيات انتهت بوضع جبهة القوى الاشتراكية كرابع قوة سياسية من حيث التمثيل النيابي، غير أنها في المقابل تعرضت لهزة غير مسبوقة، عندم اعتبر بعض المعارضين للقيادة الحالية أن الأفافاس بدأ ينحرف عن خطه الأصيل وهو خط المعارضة، وكان هذا هو المبرر الأول الذي قدمه كريم طابو، الذي شغل منصب الأمين الوطني الأول للأفافاس قبل علي العسكري، هو أن الهدف من التحرك هو إعادة الحزب إلى خطه الصحيح، غير أن التناقض الأكبر في هذا الأمر، هو أن الذين عارضوا المشاركة في الانتخابات، واعتبروا أنها كانت ضمن صفقة عقدتها القيادة الحالية لم يتخذوا مواقفهم في الوقت المناسب، بل إن طابو ترشح ضمن قائمة الحزب وفاز بمقعد في البرلمان وهو يرفض التنازل عن هذا المقعد رغم قرار صريح من الحزب في هذا الاتجاه. ويسعى طابو إلى إقناع قواعد الحزب والرأي العام ككل بأن حسين آيت أحمد تعرض لمغالطات لأنه لا يملك المعلومات الصحيحة التي تحجبها القيادة الحالية، غير أن هذه الادعاءات ليس لها ما يثبتها، وهي نفس المبررات التي ساقها أولئك الذين عارضوا طابو في الأمس القريب وتعرضوا بعدها لقرارات بتجميد عضويتهم وإحالتهم على لجنة الانضباط كما حدث مع أمين فدرالية غرداية. عندما سأل الصحافيون “طابو” عن رده على قرار الحزب الذي يطالبه بتسليم عهدته البرلمانية قال إنه انتخب من طرف الشعب، وأنه سيستغل عضويته في البرلمان للدفاع عن الخط الأصيل للأفافاس وهو خط المعارضة ووعد بأن الذين سيتابعون تدخلاته سيتأكدون من هذا الأمر، وهذا الكلام يحمل إشارة إلى أن جوهر الخلاف هو حول مفهوم المعارضة، والظاهر أن رسالة حسين آيت أحمد أعطت تصورا جديدا لمفهوم المعارضة يقوم على تحديد الأولويات حيث اعتبر أن أولوية السلم هي التي تحدد أسلوب المعارضة في المرحلة القادمة، وأن التحديات الخارجية تفرض الاحتياط من الوقوع في مهاوي الفوضى، وهنا لا بد من التذكير بأن طابو الذي يمثل أحد أبرز وجوه المعارضة داخل الحزب، كان قد رفض بحزم دعوات التظاهر في الشارع، وقد ساق آنذاك نفس المبررات التي قدمتها القيادة الحالية لقرار المشاركة في الانتخابات. الصراع الجاري حاليا بين قيادة الحزب التي يدعمها حسين آيت أحمد، والتي تدفع باتجاه معارضة إيجابية تتجاوز سياسة الكرسي الشاغر، وتعيد مد الجسور مع القواعد، وصياغة خطاب سياسي جاد يستجيب لمطالب مختلف فئات المجتمع، وبين مجموعة من المناضلين تعتقد بأن المعارضة لا يمكن لها إلا أسلوب واحد هو رفض كل ما يأتي من السلطة، وسيكون المؤتمر القادم للحزب المزمع تنظيمه الخريف القادم، والذي قد يشهد تنحي آيت أحمد عن الرئاسة، حدثا بارزا لأنه سيحدد مسار الحزب في المستقبل، ومن خلال توجهات الأفافاس يمكن قياس التوجه الذي سيغلب على أسلوب عمل المعارضة برمتها لاحقا. إبراهيم عبد الله * شارك: * Email * Print