دخلت المناضلة الصحراوية أمينتو حيدر أسبوعها الرابع من الإضراب عن الطعام الذي تشنه احتجاجا على إبعادها عن بلدها من طرف السلطات المغربية، ومع مرور الوقت أخذت قضية حيدر بعدا دوليا كبيرا وضع المملكة المغربية تحت ضغط سياسي كبير ترتفع الأصوات في أوروبا وأمريكا وأنحاء مختلفة من العالم بضرورة التدخل من أجل إنهاء معاناة أمينتو حيدر، التي دعتها منظمات غير حكومية في إسبانيا إلى وقف إضرابها عن الطعام والذي أصبح يشكل خطرا على حياتها، وقد عبرت شخصيات سياسية وثقافية عالمية عن التضامن مع حيدر من أجل استعادة حقها في العودة إلى وطنها ومواصلة الوقوف إلى جانب شعبها من أجل إنهاء الاحتلال المغربي للأراضي الصحراوية وتقرير مصير الشعب الصحراوي. وخلال السنوات الأخيرة مثلت أمنيتو حيدر، الحاصلة على جوائز عالمية من قبل المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، الوجه الآخر للنضال السلمي الذي يقوده الشعب الصحراوي من أجل انتزاع حقوقه المشروعة المكفولة بموجب القانون الدولي ومواثيق الأممالمتحدة، وقد ظلت حيدر تجوب مختلف دول العالم من أجل شرح قضية شعبها وتبيان الجور الذي لحقه بسبب الاحتلال المغربي والتواطؤ الدولي، وبدا واضحا أن نضال حيدر، ومجموعة من النشاطين الصحراويين في ميدان حقوق الإنسان، أثر بشكل واضح على صورة المغرب في المجتمعات الغربية. خلال الأشهر الأخيرة شنت السلطات المغربية حملة قمع واسعة في الأراضي الصحراوية المحتلة، وقد انتهى الأمر إلى إدانة دولية واسعة لتلك الحملة تجلت بصفة خاصة في التقارير التي أصدرتها منظمات حقوق الإنسان على غرار العفو الدولية وهيومن رايت ووتش، والتي أشارت إلى تدهور خطير في وضعية حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، وجاءت هذه التقارير في وقت حساس ميزه السعي المغربي الحثيث لتمرير مشروع الحكم الذاتي والعمل على جعله قاعدة لاستئناف المفاوضات المتعثرة مع جبهة البوليساريو. التحول الأساسي الذي استطاع النضال السلمي للناشطين الصحراويين أن يحققه هو تنبيه الرأي العام الغربي عموما إلى حقيقة النزاع في الصحراء الغربية، ونجح هؤلاء الناشطون في كسب تعاطف المجتمع المدني في الغرب وهو ما فتح جبهة جديدة أمام المغرب الذي اكتفى دوما بالعمل في الأوساط الرسمية من أجل إقناع الحكومات بدعم موقفه السياسي على مستوى الأممالمتحدة، حيث بدت الرباط راضية للغاية على الدعم الذي يلقاه مشروع الحكم الذاتي من كل من أمريكا وفرنسا خصوصا، وبدرجة أقل من إسبانيا التي تسعى إلى صياغة موقف توفيقي، ولعل هذا الرضا تجلى في انعدام جدية الطرف المغربي في توفير شروط إجراء مفاوضات ناجحة مع جبهة البوليساريو من أجل تسوية عادلة وشاملة للنزاع. الفارق الذي أحدثه النضال السلمي للشعب الصحراوي هو تحويل قضية الشعب الصحراوي إلى مسألة ضمن اهتمامات الرأي العام في الدول المعنية بالنزاع وعلى رأسها إسبانيا، وإضافة إلى تجند المجتمع المدني في إسبانيا للتضامن مع أمينتو حيدر فقد خاضت الطبقة السياسية هناك في المسألة وانتقدت بشدة أداء الحكومة الإسبانية في هذه القضية وخاصة وزير الخارجية ميغل أنخيل موراتينوس، وقد اعتبر جزء من السياسيين الإسبان التعنت المغربي إهانة لإسبانيا وطالبوا بسياسة أكثر حزما تجاه الرباط خاصة بعد أن نكثت بعهودها الخاصة بالسماح للمناضلة الصحراوية بالعودة إلى بلادها. الضغط الذي تواجهه حكومة إسبانيا هو الذي يدفع بها إلى تكثيف الجهود من أجل حل هذه المسألة، غير أن ما يجري من تعبئة على مستوى المجتمع المدني قد تكون له آثار على الموقف الإسباني الرسمي من قضية الصحراء الغربية مستقبلا، ولعل هذه النتيجة هي التي كانت السلطات المغربية تحاول تجنبها من خلال قرارها إبعاد أمينتو حيدر واعتقال ناشطين صحراويين آخرين. المستوى الآخر الذي أثرت فيه هذه القضية هي المنظمات الدولية والإقليمية وعلى رأسها الأممالمتحدة التي أصبحت مطالبة بالتدخل بشكل مباشر من أجل تمكين حيدر من العودة إلى ديارها، والأهم من هذا حل القضية الصحراوية في إطار مبادئ الأممالمتحدة ومن خلال تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره كما نصت على ذلك كل قرارات الشرعية الدولية التي صنفت النزاع على الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، ولعل الاهتمام الإعلامي الذي أثارته قضية أمينتو حيدر على المستوى العالمي يمثل تكملة للعمل الذي قامت طيلة السنوات الماضية من أجل تعريف المجتمعات الغربية بقضية شعبها وتعبئة الرأي العالمي للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي. الأشكال الجديدة من النضال التي يتبناها الصحراويون اليوم تنقض الأطروحات المغربية حول افتعال النزاع من قبل الجزائر، وتسقط الأكاذيب التي تدعي أن اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف هم مجرد محتجزين، والنضال الذي يقوده الصحراويون الملتزمون بقضية شعبهم من داخل الأراضي المحتلة يبرز حقيقة القضية الصحراوية كقضية شعب يكافح من أجل الحرية، ولعل هذا النجاح في وضع القضية ضمن إطار القيم الإنسانية التي تتبناها المجتمعات الغربية هو الذي سيفتح المجال أمام مرحلة من التحول في كيفية تعامل الغرب مع هذه القضية لاحقا، وسيكون الضغط الذي تتعرض له الحكومات الغربية من قبل المنظمات غير الحكومية ومكونات المجتمع المدني سندا آخر لنضال الشعب الصحراوي سيدفع باتجاه مواقف دولية أكثر توازنا وأكثر انسجاما مع مبادئ الأممالمتحدة وقراراتها.