في مقاله الأخير، تحدث نائب محرر صفحة "الافتتاحية" في "واشنطن بوست"، جاكسون ديل (Jackson Diehl) عن "الديمقراطيين" المصريين الذين تخلوا عن الديمقراطية وارتدوا عنها. وقال إنه في ربيع عام 2008، أنشأت امرأة مصرية عمرها 27 عاما وتدعى إسراء عبد الفتاح صفحة على الفيسبوك لدعم إضراب ضد النظام الاستبدادي للرئيس المخلوع السابق حسني مبارك. ولم يكن للإضراب تأثير كبير، ولكن صفحة الفيسبوك جذبت عشرات الآلاف من المتابعين، وتم اعتقال (الناشطة) إسراء عبد الفتاح. وأصبحت، كما يقول الكاتب، بين عشية وضحاها رمزا لحركة نشطة من الشبان المصريين الذين يطالبون بالتغيير الديمقراطي. بعد ثلاث سنوات، فجرت الحركة الشبابية الثورة التي أطاحت بمبارك وفتحت الباب أمام الديمقراطية الليبرالية التي حلم بها هؤلاء الناشطون. وانهالت الجوائز على إسراء عبد الفتاح مع جوائز من المنظمات الغربية، وتلقت المنظمة غير الحكومية التي تترأسها، "الأكاديمية المصرية الديمقراطية"، تمويلا من الصندوق الوطني من أجل الديمقراطية، ومقره واشنطن، كما تم ترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام. ويقول الكاتب إنه عندما رآها في القاهرة أواخر عام 2011، كانت تستعد بفارغ الصبر لعملية رصد ومراقبة أول انتخابات برلمانية في مصر. لكنَ اليوم، أصبحت (الناشطة) إسراء عبد الفتاح واحدة من جحافل الديمقراطيين المصريين السابقين المؤيدين للانقلاب عسكري ضد حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، كما كتب المحرر. وينقل الكاتب عن حساب في صحيفة نيويورك تايمز، أنها (الناشطة "الثورية" إسراء) تبرر التدخل العسكري بفيض من الغلو والكراهية: "عندما يحاول الإرهاب التغلغل في مصر، ويحاول التدخل الأجنبي الحفر في شؤوننا الداخلية، فإنه لا مفر من دعم الشعب المصري العظيم لقواته المسلحة ضد الخطر الأجنبي". ويتساءل الكاتب: ماذا حدث للشباب الليبراليين في مصر؟ قبل خمس سنوات، كانوا الحركة الواعدة في العالم العربي الذي يهيمن عليه الأقوياء مثل مبارك. أما الآن، يهتف الغالبية العظمى منهم للواء عبد الفتاح السيسي، الذي يظهر على ملصقات في جميع أنحاء القاهرة جنبا إلى جنب مع أولئك الدكتاتوريين العسكريين السابقين: جمال عبد الناصر وأنور السادات. ويقول الكاتب إن هذا التحول المذهل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحركات المؤيدة للديمقراطية الشعبية. ويضيف أن حركة "تضامن بولندا" أو الحركة المناهضة لبينوشيه في تشيلي لم تكن لتحلم أبدا باحتضان مضطهديهم السابقين. ودفاعا عن الديمقراطيين السابقين في مصر، يمكن القول إنه، على عكس نظرائهم في أماكن أخرى، كان عليهم القتال على جبهتين: ليس ضد الاستبداد المدعوم من الجيش، وفقط، ولكن أيضا ضد "إيديولوجية" حركة الإخوان المسلمين، التي بدت عازمة على احتكار السلطة في عهد مرسي، وفقا للكاتب. ويقول إنه على الرغم من أن الليبراليين أشعلوا ثورة 2011، إلا أنهم كانوا دائما أضعف من الجيش والإخوان، أقل ثراء وأقل تنظيما وأقل انضباطا ومفتقدين للقيادة الموحدة. وخلال الانتخابات الخمسة حرة في غضون عامين، أثبتوا أنه كان لديهم أتباع قليلون في أوساط الفقراء وسكان الريف خارج القاهرة. إلا أنهم احتضنوا في نهاية المطاف المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي. وكان هذا خيارا كارثيا عندما انسحب من سباق الرئاسة العام الماضي. ومع افتخارهم بشبكتهم وغياب القيادة، احتضن الليبراليون في نهاية المطاف المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، قائدا رمزيا لهم. وكان هذا خيار كارثيا، كما يرى الكاتب: متعجرف، عديم الفائدة، والذي يجد راحته أكثر في "صالون فيينا" من أحد الأحياء الفقيرة بالقاهرة. مشيرا إلى أن انسحابه من الانتخابات الرئاسية الأخيرة جاء بعد أن أظهرت الاستطلاعات حصوله على نسبة هزيلة. وييقول الكاتب إنه بانسحابه، واجه الليبراليون في جولة الإعادة الاختيار بين المرشح المدعوم من الجيش ومرسي الإسلامي، واختارت الغالبية مرسي. التقى وفدا من قادة الشباب مع مرشح الإخوان وحصلوا على وعود بإدراج الوزراء العلمانيين في مجلس الوزراء وكتابة الدستور الجديد بالتوافق في الآراء بين الأحزاب العلمانية والإسلامية. وفَى الرئيس مرسي ببعض تعهداته، ولكن حكومته أصبحت أكثر تعصبا وانعزالية، كما قال. ويرى الكاتب أنه كان يتعين على الليبراليين الانتظار والتحضير الجيد للانتخابات البرلمانية، ذلك أنه في غضون بضعة أشهر، أظهرت استطلاعات تراجع سريع لشعبية الإخوان. ولكن بدلا من ذلك، يقول الكاتب، اتخذوا الطريق السهل واختاروا الطرف المناوئ للثورة، في تحول مثير. وكما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، ففي الأشهر التي سبقت عزل مرسي، اجتمع زعماء المعارضة العلمانية بانتظام مع كبار الجنرالات في مصر، الذين وعدوا بأنهم سوف يستجيبون لمظاهرات الشارع للإطاحة بمرسي. ومرة أخرى، يقول الليبراليين إنهم قد انتزعوا وعودا من شركائهم الجدد، بأنه سيتم تعديل الدستور سريعا، وستتبعه انتخابات حرة ونزيهة. ومع النجاح الكبير الذي حققته "الثورة الثانية"، كما يرى الكاتب، أقنعوا أنفسهم، وقد غمرهم سكر النشوة، بأن الجيش سوف ينسحب من السياسة، وأن الإسلاميين لن يفوزوا في انتخابات أخرى. لكن، في الوقت الذي يشغل فيه البرادعي منصب نائب الرئيس، تحتجز السلطة التي يشارك فيها المئات من السجناء السياسيين بمعزل عن العالم الخارجي، كما تم إيقاف بث قناة الجزيرة ووسائل الإعلام الإسلامية، وقُتل عشرات المتظاهرين العزل بالرصاص في الشوارع. إنها النتيجة التي لم تكن أبدا تتمناها إسراء عبد الفتاح وأصدقاؤها من الشباب المثاليين قبل خمس سنوات..