تحاول بعض الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" عقد اجتماع طارئ لبحث مسلسل انهيار أسعار النفط وتأثر موازنة بعض البلدان من هزات الأسواق العالمية، وأحدث المحاولات هي اقتراح الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، عقد اجتماع لأوبك دون انتظار لاجتماعها الدوري نحو نهاية العام. وتشهد فنزويلا، التي تحصل على 96%من العملة الصعبة من صادرات النفط منذ 2012، نقصا في المواد الأساسية وضمنها المنتجات الغذائية والأدوية، وذلك بسبب قلة العملة الصعبة اللازمة لتوريدها. وتفاقمت خسائر الأسعار بعد أن غيرت "أوبك" في 2014 سياستها للدفاع عن حصتها في السوق وتضييق الخناق على مصادر المعروض المنافسة من المنتجين الآخرين بدلا من خفض معروضها، وقادت السعودية ذلك التوجه لأنها لم تعد تريد أن تتحمل وحدها عبء ضبط السوق معرضة حصتها للتآكل، بينما المنتجون الآخرون ينتهكون حصص الإنتاج. فالسعودية تملك ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم بعد فنزويلا، وتستأثر بنحو 13% من إنتاج وتصدير النفط عالميا، كما أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تملك سياسة رسمية للحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة كبيرة، يمكن استخدامها خلال فترة قصيرة نسبيا من الزمن. وكان آخر اجتماع لأوبك قرر الحفاظ على سقف الإنتاج كما هو عند 30 مليون برميل يوميا، رغم انخفاض الأسعار إلى نحو نصف مستواها في يونيو العام الماضي. ونشرت تحليلات كثيرة حول أن دول أوبك إنما تريد أن تتحمل الدول المنتجة والمصدرة من خارجها عبء ضبط السوق معها، إضافة إلى رهان على أن منتجي الغاز والنفط الصخري قد يتوقفون عن الإنتاج مع زيادة الكلفة كثيرا عن سعر البيع. ولم تتوقف الزيادة في العرض من المنتجين من خارج أوبك، وزاد منتجو الغاز والنفط الصخري خاصة في الولاياتالمتحدة إنتاجهم بعد تطوير تكنولوجيا لخفض كلفة الاستخراج حتى أصبحت أميركا الآن مصدرا صافيا للنفط، وليست مستوردا صافيا (أنها تنتج أكثر مما تستورد، إذ وصل إنتاجها إلى قرب 9.5 مليون برميل يوميا، بينما استيرادها في أعلى مستوياته عند 7.5 مليون برميل يوميا). ويرجح خبراء أن "أوبك" لن تغير موقفها الحالي وبالتالي ستواصل أسعار النفط تراجعها الحاد، إذ تراجعت الأسعار بمقدار الثلث منذ مايو الماضي، ومازالت أقل بكثير من نصف قيمتها قبل عام بفعل تخمة المعروض الضخمة والطلب الضعيف، كما تفاقمت الانخفاضات في الأسابيع الأخيرة بفعل المخاوف من تدهور معدل نمو اقتصاد الصين. وربما كانت فنزويلا، تليها الجزائر، الأكثر تضررا بين أعضاء أوبك من انخفاض الأسعار وما يشكله من ضغط على الميزانية العامة. لكن لا يبدو أن اجتماعا لأوبك قادرا على التأثير كثيرا في الأسعار، فحتى لو حدث وقررت أوبك خفض سقف إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا، فإن كثيرا من المحللين لا يرون أن ذلك سيؤثر كثيرا في معادلة العرض والطلب مع استمرار تراجع الطلب العالمي على الطاقة. أما الخيار الآخر، في حال حدوثه، وخو خفض سقف الإنتاج مليوني برميل إلى 28 مليون برميل يوميا فيبدو غير وارد لما له من تبعات على حصص منتجي أوبك في السوق العالمي ناهيك عن مشكلة تجاوز الحصص المزمنة التي تعاني منها أوبك.