عندما تأمر الحكومة إدارتها بالحياد في الانتخابات فإن الجميع يعرف جيدا كيف تكون هذه الإدارة محايدة… بدليل أن كل الاستحقاقات المزوّرة كانت فيها الإدارة محايدة.. فأين هؤلاء الولاة ورؤساء الدوائر والأمناء العامون للبلديات الذين يلتزمون الحياد وأخلاق رجال الدولة. لا تكون الإدارة حيادية إلا إذا عملت على أن تميل كفة النتائج لمن يميل له هوى السلطة. لذلك ومادامت الإدارة هي من ينظّم الانتخابات ويشرف عليها وعلى فرز نتائجها، فإن الاستحقاقات لن تعرف لا الشفافية ولا الحياد. وإذا أرادت السلطة أن تضفي بعض المصداقية على الانتخابات فعليها أن تلجأ إلى نظام الهيئات الوطنية المستقلة التي تتولى بشكل منفصل عن الإدارة تنظيم العملية الانتخابية. أما حكاية اللجان المغلقة المتحصّنة بالقرب من دواوين الولاة ومكاتب رؤساء الدوائر فهي مجرد إكسسوارات انتخابية لا معنى لها. وعندما نسلم القاضي مفتاح الصندوق والمكتب الانتخابي ونحمّله مسؤولية النتائج وحفظ أصوات الناس وقتها يمكن الحديث عن انتخابات قد تكون شفافة ونزيهة لأن جراب السلطة يحمل الكثير من المفاجآت. الوزير الأول قال إن المواطن غاضب من بيروقراطية الإدارة وليس من الدولة، ونحن نقول إن المواطن غاضب على الدولة لا منها، وغاضب من الإدارة لا عليها، فقد حوّل البعض مؤسسات البلد إلى مزرعة له ولأصهاره مثلما يحاول البعض تقديم أنفسهم على أنهم الدولة وهم مجرد جزء من حلقة البيروقراطية التي تحدّث عنها عبد المالك سلال، والمواطن غاضب فعلا من الإدارة المغلقة التي تزوّر الانتخابات وتفبرك النتائج كلما تلقت توجيهات الحياد، لكن الحياد ليس يوم الاقتراع فقط، بل كان على الحكومة "المحايدة" أن تلجأ إلى تعديل قانون الانتخابات غير العادل الذي يمنح حقوق وأصوات الناخبين لمن لا يستحقها مثلما حدث في العاشر ماي. وعندما تنظّم الحكومة الآليات والأدوات التي تحتكم إليها العملية الانتخابية يمكن الحديث عن الحياد الحقيقي.