اهتم التقرير السنوي للخارجية الأمريكية الخاص بسنة 2008 بالانتخابات الرئاسية المقبلة متضمنا أياه بعض المؤاخذات حول وضع حقوق الإنسان في الجزائر، لكن لم تدرج بلادنا في القائمة السوداء في مجال انتهاك هذه الحقوق والتي ضمت الصين و روسيا وبلدان عربية.وأشار التقرير الأطول من نوعه (20 صفحة من الحجم العادي) والأول الذي يصدر في عهد الإدارة الديمقراطية الجديدة، إلى التعديل الدستوري الذي تم في 12 نوفمبر الماضي بدعم أغلبية النواب مع حد أدنى من النقاش، وذكرت كتابة الدولة بظروف إجراء الرئاسيات التي جرت في 2004 وكانت على العموم حرة ونزيهة مثلما أكده ملاحظو منظمة الأمن والتعاون بأوروبا، وأشارت إلى شكاوى مرشحي المعارضة من القيود التي تعترض نشاطهم، حيث رفضت وزارة الداخلية منحهم تراخيص لإقامة تجمعات في القاعات والساحات العمومية بينما يحصل مساندو الرئيس بوتفليقة على ذلك وخصوصا جبهة التحرير الوطني وجددت كتابة الدولة الملاحظات السابقة بخصوص القيود على التعددية السياسية والنقابية وخصوصا تعقيد منح الرخص للنشاط الحزبي والتنظيمات النقابية والجمعيات غير الحكومية كما أشار التقرير إلى استمرار محاكمات الصحفيين وأصحاب المدونات في قضايا قذف. وأشار التقرير إلى أنه رغم حرية وصول الجزائريين إلى الانترنت، فإن مصالح الدولة تقوم بالتدقيق في الرسائل الالكترونية واتهم التقرير ذاته الجزائر بانتهاك خصوصية الإنسان، حيث تتابع اتصالات المعارضين السياسيين والصحفيين والحقوقيين وأفراد مشتبه بصلتهم بالإرهاب. وتحدث التقرير عن اعتقال وقتل ما يصل إلى 1000 إرهابي فيما تراجعت حصيلة العمليات الإرهابية إلى 321 قتيلا منهم 90 مدنيا و69 رجل أمن وهو ما يشكل نصف عدد القتلى في سنة 2007 والذين قدر عددهم ب670 قتيلا. ولاحظ التقرير الذي اعتمد التقارير السابقة لكتابة الدولة سابقا والمنظمات غير الحكومية الدولية والجزائرية، إضافة إلى التقارير الصحفية المحلية، في عرضه لمسائل حقوق الإنسان عدم وجود تقارير عن حالات تعذيب، أو معتقلين لأسباب سياسية أو آرائهم أو عمليات قتل خارج نطاق العدالة، لكنه تحدث عن استمرار تقييد حقوق الدفاع والمتقاضين وسياسة الحجز التحفظي الطويلة. كما تحدث عن تقارير بوجود سجون سرية في الجزائر والذي أثارته لجنة مكافحة التعذيب الأممية السنة الماضية، لكنه قوبل بنفي جزائري واضح. وتحدث التقرير عن تعقد ملف معالجة قضية المفقودين وجهود الحكومة في ذلك. كما ذكر بقانون المصالحة الوطنية وأشار إلى تصريحات فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان، بتسوية 70 بالمائة من حقوق عائلات المفقودين. وأشارت كتابة الدولة إلى القيود التي فرضتها الحكومة على حرية العبادة لغير المسلمين والمحاكمات التي تعرض لها بعض الرعايا المعتنقين للديانة المسيحية، ورفض السلطات اعتماد الجمعيات المسيحية غير الكاثوليكية، حيث رفض على سبيل المثال طلب إحدى الجمعيات البروستانتية في ولاية تيزي وزو، الحصول على الترخيص وهي نفس المواقف التي تم اعتمادها في تقرير الحريات الدينية المقرر أن يصدر لاحقا. كما تحدث التقرير عن استمرار صدور مقالات معادية للسامية في ظل غياب قانون داخلي لمكافحة الكراهية. وفي مجال مكافحة الهجرة السرية، تجاهل التقرير الإجراءات القانونية والتشريعية التي اعتمدتها الحكومة السنة الماضية رغم قسوتها، وتحدث في هذا السياق عن رفض الجزائر منح حقوق اللجوء السياسي لكثير من المهاجرين الأفارقة وأنه يجري أحيانا رفض طلباتهم ومحاكمتهم ثم إبعادهم في غياب الدفاع. واستشهدت كاتبة الدولة بتقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان وتحدثت فيه عن رفض السلطات الرد على 1400 طلب للجوء السياسي تقدم بها رعايا من أصول إفريقية. وتناول التقرير هذه السنة معاناة مرضى فقدان المناعة المكتسب سيدا، حيث ينظر إليهم المجتمع بأنهم وصمة عار، وأنهم لا يحصلون على نفس القدر من الاهتمام والعلاج مقارنة بالأمراض الأخرى. ووصفت الخارجية الأمريكية غياب الشفافية لدى الحكومة بأنه مثير للانشغال، وتحدثت عن تسجيل حالات فساد وتلاعب في منح صفقات إنجاز المشاريع رغم تشديد الحكومة لإجراءات وقوانين لمكافحة الفساد والتي تصل عقوبة البعض منها إلى 10 سنوات سجنا. واستدل التقرير، الذي اعتمد على ما نشرته الصحف الوطنية على عمليات مكافحة الفساد، إلى المتابعات في حق والي الطارف الأسبق ووالي ولاية البليدة ومسؤولين محليين بما في ذلك مصالح الأمن كما حدث في ولاية سكيكدة، وأشار إلى أن شرطة الحدود هي الجهاز الأكثر تضررا من قضايا الفساد. وضمن التقرير إشارة إلى رفض نواب البرلمان لمادة قانونية تتيح رفع الحصانة عن المنتخبين الوطنيين المتورطين في حالات فساد. ولدى تناوله وضع العمال في الجزائر قال التقرير إن الأجر القاعدي الذي يحصل عليه العمال وهو 12000 دينار لا يفي بالحاجة وضمان حياة كريمة. وعلى العموم فقد جاء تقرير هذه السنة أكثر اتزانا مقارنة بالتقارير السابقة، رغم أنه لم يعد يصنع الحدث بسبب سجل الأمريكيين الذين لم يعودوا في موقع من يقدم دروسا في مجال حقوق الإنسان، بعدما فعلوه في العراق، أفغانستان وغوانتانامو.