هناك إجماع عام على أن بطن خزينتا العمومية من أتخم البطون انتفاخا، وهناك إجماع عائم على أن عدد المعوزين والمعدمين أشسع من خريطة الوطن ومن ''خرطي'' المشاريع والبرامج التنموية، فبقدر ما نفرح ونطرب بتصريحات وتصريخات الرسميين بأننا بلد آمن من جوع ومن خوف، بقدر ما تكشف مشاريع الحكومة الخيرية اتجاه فقراء ومقنوطي هذا البلد بأن هناك كذبا وبهتانا متجذرا وميؤوسا منه ومنهم.. نظرة بسيطة على الأعمال الجبارة التي تتورط وتفاخر في تسييرها بعض، إن لم نقل أغلب وزارات الحكومة، تكشف الفرق الشاسع بين ما يذاع رسميا وبين ما هو موجود معيشيا، فالواقع المبكي والمزري أن حكومة ''التخمة'' المالية التي ارتبطت برامجها بصفتي العطف والإحسان اتجاه معدميها، يمكن اختزالها في وزارة واحدة بوزير واحد بدلا من متتالية من الأرقام الوزارية التي تتقاطع في مشروع خيري واحد يسمى التنافس على توزيع الصدقات على المساكين واليتامى وعابري السبيل المجاورين لتخمة هذا البلد.. غلام الله يتبرع من صندوق الزكاة على اليتامى وعلى فقراء مساجده، ووزير التضامن يحسن بقففه للمعوزين ولثكالى الأمهات العازبات، وبن بوزيد يتصدق على معوزي مدارسه بالكتب وبمنحة الألفي دينار، ووزير الداخلية تخفي يمينه ما تنفقه شماله على عمال الشبكة وكبار السن والعاجزين، والنتيجة أن الحكومة برمتها يمكن اختزالها في قفة واحدة وصندوق واحد ومتصدق أو وزير واحد ..فلا شيء ثابت غير أن هناك متسولون وهناك وزراء محسنون يريدون أن يدخلوا ''الجنة'' على ظهورنا وبطوننا باسم برنامج البر والإحسان.