من يستمع إلى آخر خطاب لبشار الأسد.. يظن أن هذا الحاكم بقوة الأمر الواقع.. لا ينتمي إلى هذا العالم.. فما بالك أن ينتمي إلى سوريا.. ويكون رئيسا لها.. فالرجل يسبح في بحر.. والشعب السوري كما الدولة السورية.. يغرقان في بحر آخر.. الدنيا برمتها نار ودخان وفظائع ومآس.. والأسد يبحث عن شريك مناسب للزواج.. ويريد عقد قران مع معارضة ليست قائمة إلا في مخيلته. لا أدري إن كان بشار مواطنا سوريا بالأصالة.. أم مجرد ظل أسود لملالي طهران ومافيا موسكو.. يتحرك على الخشبة كعرائس الڤراڤوز.. فلا سوريا التي يتحدث عنها.. هي سوريا التي تصنع الحدث في العالم.. تلك التي تنزف دما وألما.. ولا الشعب الذي يعتبره شعبه.. ويريد إنقاذه من القاعدة ومن المؤامرة العالمية.. هو الشعب السوري الذي يتحرك على الأرض.. ويقتل بالجملة أمام المخابز.. وينكل به على مسمع ومرأى من كل العالم!! أمره غريب.. هذا الرئيس الذي لا يسمع ولا يرى ولا يحس.. وكأنه محبوس في زجاجة معتمة ومحكمة الإغلاق.. مرمية في قاع المحيط.. لا يتفرج على تلفزيونات العالم لينعتق من شرنقة العصابة القاتلة في دمشق.. ولا يتواصل مع السماء والهواء والأصداء.. ولا تتحرك غريزته في رفض الزنزانة التي تحاصره من أسفل ومن أعلى.. ومن كل جانب.. فلا هو يشاهد الأطفال في العراء.. والنساء تائهات في البراري بلا رفيق أو معيل .. ولا هو يتقصى أخبار قوافل الهاربين من جحيم البراميل وخناجر الشبيحة.. بلا وجهة ولا رغيف خبز ولا مأوى. مسكين هو.. ومنظره يدعو للشفقة.. وكلامه برمته مدعاة للضحك والسخرية.. أن يخرج حاكم على الناس بعد عامين من المجازر والفظائع والإبادة.. ليتحدث بلغة الصم البكم.. ويضع خارطة طريق للمصالحة.. وكأنه ترك طريقا يمشي فيه الناس.. أو بيتا يجلسون فيه ليتحاوروا.. أو شرفا لم يمرغه “حماة الديار”.. أو دما لم يسفك.. أو حرية لم تصادر أو عقلا لم يحجر عليه!! يتكلم من دار الأوبرا التي تبعد مسافة دقيقتين عن القصر الجمهوري حيث يحبس الحاكم بأمر غيره من القتلة المدججين بجرائم ضد الإنسانية.. ليقول كلاما لا يفهمه إلا من كتبه له.. ولا يعيه إلا من فقد وعيه.. ويكبر حجم العار بتصفيقات الأصنام المتحركة التي غصت بها قاعة الأوبرا.. وتحليلات أزلام الإعلام السوري الذي يجتهد في تطبيق نظرية غوبلز في ترويج الكذب. *** أعتقد أن الأسد أحد أربعة أشخاص.. إما ديكتاتور فعلي أعلن ألوهيته في الأرض.. فهو جالس على عرش سوريا.. يدبر أمرها ليل نهار.. ويرزقها من السماء والأرض.. ويحيي ويميت.. فيزيد في أعمار الشعب السوري ما يريد.. وينقص منها ما يشاء.. لا يري الناس إلا ما يرى.. (وما يهديهم إلا سبيل الرشاد والسداد).. فطبع الديكتاتور أنه مجنون كامل الجنون.. يملك القوة كلها (وبتعبير بشار نفسه: نحن الأقوى على الأرض).. ويملك ارتكاب الحماقات بالقدر الذي يستطيع.. ويجمع حوله النمل المتكلم والضاحك والمصفق. أو هو رهينة بين أيدي قتلة بالوراثة.. قادمين من زمن أبيه القاتل الأكبر.. والمجرم الأخطر.. الذي استعبد الشعب السوري وشرب دمه في حماه.. وأكل لحمه في تدمر.. وباع أرضه في بورصة الصهاينة.. بدليل أنه لم يطلق رصاصة على ذبابة إسرائيلية تطن في الجولان مدة أربعين سنة.. وهو المقاوم والممانع بالفطرة.. هكذا يقولون. وفي هذه الحالة.. ماذا بإمكان الرهينة المعتقلة في قصر خمسة نجوم أن تفعل أو تقول.. وقد برمجت لتتحرك كالروبوت.. وهل بمقدور أسير محكوم عليه بقتل شعب برمته أن يجد شريكا للزواج.. ليأمل في إنجاب أولاد.. وبناء عائلة بملايين الأفراد؟ أو هو جاهل بالحقائق على الأرض.. ضحية زيف المعلومات التي تقدم له مع فطور الصباح.. ووجبة العشاء.. حيث يقال له.. يا سيدي الرئيس إن سوريا بخير.. وما يقع ليس سوى أحداث متفرقة.. تقف وراءها عصابات مسلحة قليلة العدد.. خائرة الهمة.. تقتل وتخطف وتسرق وترهب الشعب.. ولا يوجد منشقون أو شبه منشقين.. مجرد فارين من الخدمة لا غير. يا سيدي الرئيس إن جيش “حماة الديار” يقف بالمرصاد لهؤلاء المرتزقة.. يتصيدهم بكل العزيمة التي يستمدها من عزيمتكم.. وبكل الحرص على تطهير سوريا من هؤلاء الوافدين من وراء الحدود.. فبراميلنا كفيلة بإبادة المارقين.. وطياراتنا وراجمات صواريخنا المشتراة بمال الشعب الذي يحبك ويؤثرك ويريدك رئيسا مدى الحياة.. ورئيسا للعالم كله.. لن تدع سوريا تسقط.. ولن تدعك أنت تسقط أو يلقى عليك القبض.. اطمئن سيدي الرئيس. أو هو أفاك أثيم.. يعلم ما يجري على الأرض.. فمراصده وعيونه تبلغه بما يقع أولا بأول.. وتخبره عن البركان الذي يتسلل تحت الأرض.. وهو على وشك الانفجار تحت القصر الجمهوري.. وعن المطارات التي تسقط والشبيحة الهاربين على وجوههم.. والقادة الميدانيين الذين يبيعون الجنود في الثكنات ويسلمونهم لمصيرهم الحالك.. بعد أن يفروا لا يلوون على شيء.. وعن الحلقة التي تضيق على رقبة النظام.. وعن عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ.. وعن عدد المخابز المستهدفة.. والمنازل المفجرة.. والحمير التي تقتل باعتبارها شريكا في الثورة. إنه قاتل مع سبق الإصرار والترصد.. لا شرف له ولا ذمة ولا كرامة.. كذاب بن كذاب.. وسفاح بن سفاح.. يحكم بالنار والسياط. *** من هو من بين الأربعة؟ ليكن ما يشاء ومن يشاء.. ديكتاتورا أو رهينة أو ضحية أو أفاكا أثيما.. فكل مآسي هذا البلد مقيدة باسم الأسد.. وبشار هو كبير مجرمي حماة الديار.. وليس بعد رمي المنشفة سوى المشنقة.