ربما لم تدرك تلك المجموعة الطائشة من الشباب المصري أن قذفها حافلة المنتخب الوطني الجزائري بالطوب والحجارة في طريقها من المطار إلى الفندق، قد حطم بالإضافة إلى زجاج الحافلة ورؤوس بعض اللاعبين، علاقات سياسية واقتصادية وشعبية تعود إلى عشرات السنين بين البلدين الشقيقين الجزائر ومصر.وفي قراءة تاريخية للعلاقات الجزائرية المصرية نجد أنها مرت بمراحل متباينة نستعرضها على الشكل التالي: دماء جزائرية مصرية طاهرة في ثورة التحرير وحرب أكتوبر لعل أبرز محطتين شهدت فيهما العلاقات الجزائرية المصرية دفئا وحرارة، هي ثورة التحرير الجزائرية باحتضان القاهرة لمقر الحكومة المؤقتة ومساهمة نظام الضباط الأحرار في دخول السلاح إلى الجزائر، بالإضافة إلى حرب أكتوبر، حيث قدم الرئيس الرحل هواري بومدين للأشقاء في مصر السلاح والرجال ما ساعدهم على الصمود وتحقيق الانتصار ولو كان منقوصا .. وفي كلتا المحطتين اختلطت دماء الأشقاء في معركة المصير المشترك لتصنع ملحمة رائعة في التضامن العربي العربي.. كامب ديفد... الصدمة الكبرى أما مرحلة البرودة والتوتر، فبدأت من معاهدة كامب ديفد الشهيرة التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني والتي سمحت لها باسترجاع صحراء سيناء بسيادة منقوصة مقابل رفع العلم الصهيوني في اقاهرة المعزا من خلال أول سفارة إسرائيلية في أكبر دولة عربية، ما خلق صدمة هائلة في الجماهير العربية المقاومة وعلى رأسها الجمهور الجزائري الذي اعتبرها طعنة خسيسة في ظهر الأمة العربية والشعب الفلسطيني الجامعة العربية... ملحق تابع لوزارة الخارجية المصرية أما الملف الثاني الذي وتر العلاقات بين البلدين، فهو السيطرة المصرية اللامعقولة على جامعة الدول العربية التي من المفترض أن تمثل كل العرب، وبالتالي تكون آليات تسييرها وصنع القرار فيها من صلاحيات الدول العربية، لكن المصريين كعادتهم استغلوا وجود المقر على أرضهم وثقة الدول العربية فيهم، باعتبار مصر أكبر دولة عربية ليحولوا الجامعة العربية إلى ملحق لوزارة الخارجية المصرية، من خلال التطبيع مع الصهاينة والتناغم مع المواقف المصرية المعادية للمقاومة والحق والكرامة العربية، وهو ما دفع الجزائر في أكثر من مرة إلى المطالبة بوضع حد لهذه السيطرة المصرية على مؤسسة تمثل كل العرب وكان هذا من خلال ترشيح أحد المسؤولين الجزائريين لمنصب الأمين العام للجامعة والمطالبة أيضا بأن تكون الأمانة العامة دورية، لكن المصريين رفضوا وفعلوا كل شيء ليبقوا الجامعة العربية تابعة لوزارة الخارجية المصرية. أشلاء أطفال غزة وغلق معبر رفح يثيران الشارع الجزائري حرب غزة كانت هي الأخرى محطة أساسية لتوتير الأجواء بين البلدين، حيث لم يتقبل الشارع الجزائري التواطؤ المصري المفضوح مع العدوان الصهيوني على قطاع غزة وكان هذا واضحا للعيان من خلال إعلان وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني لحربها على غزة من القاهرة وبحضور وزير الخارجية المصري، بالإضافة إلى مساهمة مصر في الحصار المفروض على الغزاويين من خلال غلقها لمعبر رفح أمام الأدوية والمساعدات الإنسانية لأهل غزة، بالإضافة إلى تدمير الأنفاق المؤدية إلى غزة لتشديد الحصار، ما دفع الجزائريين للخروج بقوة في مظاهرات مليونية نددت بالحرب الصهوينة والتواطؤ المصري معها، ما زاد في جرعة التوتر بين البلدين رغم الامتناع الرسمي الجزائري عن إدانة نظام مبارك في قضية غزة بشكل مباشر. وأخيرا جروح أشبال سعدان ورغم تمنياتنا بطي هذه الصفحة على خير وإعادة المياه إلى مجاريها بين بلدين شقيقين تجمعهما لغة واحدة ودين واحد ومصير مشترك، إلا أن الشارع الجزائري المتعلق بنجومه المضطهدين في مصر يصعب عليه كثيرا نسيان جروح لموشية وحليش، وهو ما سينعكس سلبا على العلاقات السياسية بين البلدين.