في شهر سبتمبر من السنة الماضية اهتزت مدينة حسين داي بالجزائر العاصمة على وقع جريمة بشعة، أباد منفذها عائلة بأكملها تتكون من أخوين ذكر وأنثى ووالدتهما، أسالت الكثير من الحبر على الجرائد وتساءل الجميع عن سبب اقتراف هذه الجريمة، لكن بعد التحقيق عرف الفاعل وبقي السبب لغزا. غياب الضحايا عن الأنظار كان السبب في اكتشاف الجريمة في غياب الأفراد الثلاثة عن الأنظار وهم المعتادون على الذهاب والإياب من وإلى مسكنهم، وقلق الأهل الذين كانوا يتصلون بهم عن طريق هواتفهم المحمولة دون جواب، وبينما كانت العائلات الجزائرية كلها تحضر إفطارها أيام شهر رمضان الكريم، تلقت قاعة العمليات لأمن ولاية الجزائر في الثالثة زوالا من يوم الأربعاء 10 سبتمبر /,2008 تنقل على إثره عناصر مصالح الأمن الحضري الرابع للقبة إلى عين المكان، وكانت المفاجأة التي لم تكن لتخطر على بال أحد، في حي متواضع متشكل من عمارتين محاطتين بجدار مؤمن، به مدخل رئيسي واحد، وفي الطابق الثالث ودون أن يلاحظ عناصر الأمن أي أثار للتكسير على الباب، دخل المحققين الشقة موضوع البلاغ وهي متكونة من أربعة غرف، تدل محتوياتها على حب أصحابها لكل ما هو جميل وقيم، والتي قلبها المجرم رأسا على عقب بحثا عن شيء هام، لدافع السرقة. مرورا بالرواق ووصولا إلى غرفة الاستقبال وجدوا الجثة الأولى لسيدة كانت ملقاة على ظهرها فوق سجاد للصلاة وأثار العنف والجروح بادية على صدرها ورقبتها. ليواصل المحققين معاينة المكان، وبمؤخرة الرواق في إحدى غرف النوم، كان المشهد مروعا ومذهلا تقشعر له الأبدان، استنفره المحققون برغم خبرتهم ومحاكاتهم للمشاهد المرعبة في كل مرة، إلا أن أحاسيسهم ومشاعرهم الإنسانية اهتزت لرؤية جثتين لذكر وأنثى إحداهما فوق الأخر، وأثار العنف بادية عليهما، وهما كالجثة الأولى تسبحان في بركة من الدماء. لم يمر وقت طويل حتى التحق مفتش شرطةبط.مب من فرقة البحث والتدخل التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بأمن ولاية الجزائر، ومجموعة من المحققين الذين اختيروا فردا فردا لهذه المهمة. كما توجه إلى المكان المعني الطبيب الشرعي وبرفقته طبيبتين مناوبتين على مستوى مصلحة الاستعجالات بعيادة حسين داي، وتبعا للتعليمات الشفهية التي قدمها المفتش للمحققين، تم المسح الشامل لمسرح الجريمة وجرد جميع المحتويات، ووضعت الأغراض الثمينة والوثائق الخاصة بالملكية في أحراز مختومة، وشمعت الشقة إلى غاية انتهاء التحقيق والقبض على الجاني. وكما جرت العادة كلفت فرقة أخرى من المحققين المختصين في الجانب الاستعلاماتي، بتكثيف الدوريات علهم يعثرون على الخيط الذي يمكنهم من الإقاع بالمجرم أو المجرمين، حيث تم سماع الجيران حول أفراد العائلة، وعاداتهم وتنقلاتهم وكذا الأشخاص الذين اعتادوا زيارتهم، وماهي إلا ساعة قصيرة من الزمن حتى كان المشتبه الأول في القضية بين أيدي رجال الشرطة. الابن الأكبر الناجي الوحيد من المجزرة هشام ذو الأربعة والعشرون ربيعا، كان الغائب الوحيد عن البيت حين وصول الشرطة والناجي الوحيد من المجزرة، وقد تم إيقاف هشام بحي عميروش رفقة صديقه وهما على متن سيارة أمهم محل بحث الشرطة، حيث اقتيدا إلى مقر فرقة البحث والتدخل، حيث أبلغه المفتش بمقتل والدته وأخويه، في بادئ الأمر أنكر علمه بالقضية وبكل كبيرة وصغيرة تتعلق بالموضوع، وصرح بأنه كان يومها غائبا بمدينة بوسعادة، ولأن المفتش مراد لم يكن لتمر عليه أية ملاحظة أو معلومة مهما كانت صغيرة أو بسيطة، فقد اتجهت عيناه إلى اليد اليمنى للمشتبه فيه، خاصة أن الطبيب الشرعي المكلف بالتقرير الطبي ومعاينة الوفاة، تطرق في تقريره إلى إمكانية أن يكون الجاني قد أصيب بجروح بآلة حادة استعملها في جريمته عند محاولة الضحايا النجاة منه. جوبه بالمعلومات، فسرد التفاصيل وكأنه يتحدث عن نزهة ؟ اعترف هشام بإبادة أفراد أسرته، حيث سرد التفاصيل وكأنه يتحدث عن نزهة في الحديقة، قال: نعم أنا من قتلتهم جميعا، وقد تأخرت في التنفيذ لأني فكرت في الأمر طويلا وكنت قد قررت التخلص منهم، حاولت قبل اليوم أن أنفذ ما خططت له بدءا بأخي أحمد، فقد استدرجته إلى المرأب مرة، وكان ذلك في ثاني يوم من رمضان طلبت منه مساعدتي في ترتيب بعض الأشياء ووافق، وهو منشغلا مديرا ظهره، أشهرت السكين، وفي لحظة ضعف تراجعت لأن الشجاعة كانت تنقصني، سهرت ليالي طوال أفكر في الموضوع وأخطط وأحاول خلق شجاعة في نفسي لم أكن أملكها، إلى أن أتى اليوم الموعود. يومها استيقضت من النوم على الساعة العاشرة صباحا، وكان أحمد وسميرة جالسان بغرفة الاستقبال يشاهدان التلفاز، وذلك في غياب والدتي، بقيت لحظة في مكاني أتخيل الأمر، إلى أن استجمعت قواي، وتأكدت من إصراري على ما نويت القيام به، جلبت سكينا كبير الحجم من المطبخ وذهبت لغرفتي زاعما ترتيبها، ناديت أختي سميرة لتساعدني، وما إن دخلت الغرفة حتى أقفلت الباب وأخرجت السكين من الخزانة وطعنتها الطعنة الأولى على مستوى ظهرها وطعنات أخرى في صدرها، صرخت كثيرا وشد صراخها أخي أحمد الذي أسرع نحو الغرفة لنجدتها دون علمه بما يحدث، طرق الباب بقوة، ثم أهم بكسره دون تردد، أمسكني من ذراعي الأيمن لإنقاذها من المذبح لكن دون جدوى، وكان لي ما أريد، أجهضت عليها واستدرت نحوه موجها إياه عدة طعنات في صدره وبطنه، هوى على الأرض متأثرا بجراحه، فألحقته بأخته بنفس الطريقة. الأم كانت غائبة عن البيت وليتها لم تعد السيدة فتيحة في الخامس والخمسين من العمر، أرملة عاملة بإحدى المستشفيات، أم لثلاث أولاد هم سميرة 20 سنة، أحمد 22 سنة، وهشام 24 سنة، توفي زوجها في شهر فيفري ,2007 فأخذت على عاتقها توفير كل احتياجاتهم ومصاريفهم وحتى مشاكلهم، أحمد وسميرة كانا طالبين على عكس هشام الذي كان يمضي جل أوقاته مع رفاقه، خاصة أن والدته اعتادت على أن توفر له جميع متطلباته، فحتى سيارتها الخاصة لم تمنعها عنه. رجعت الوالدة المتعبة من شقاء اليوم في العمل، دخلت شقتها ووضعت أغراضها جانبا، ثم سألت هشام عن أخويه، فأجابها أن كل واحد منهما خرج لسبب يخصه، توجهت نحو المطبخ، حيث بدأت بالإعداد للفطور، وكانت الساعة تقارب الثالثة والنصف زوالا، حينها كان هشام يترصد خطواتها ويراقب حركاتها من بعيد، عندما فرغت مما بين يديها، توجهت نحو غرفة الحمام توضأت وبغرفة الاستقبال بسطت سجاد ووقفت نحو القبلة رفعت يداها للسماء وكبرت ثم قرأت سورا من القرآن، وما إن ركعت الركعة الأولى حتى هجم عليها ابنها كالوحش المفترس، أمسكها بذراعها الأيسر وقام بذبحها، وهي تحاول الإفلات منه، قامت بعض إصبعه البنصر، لكنها لقيت نفس مصير ولديها أحمد وسميرة. بعد الجريمة قام أحمد بتنظيف المكان، قلب البيت رأسا على عقب ليوهم الشرطة أن الجريمة ارتكبت بدافع السرقة، أخذ بعض المصوغات وعند انتهائه، قضى ليلته بالبيت رفقة الجثث، في اليوم الموالي طلب من صديقه مرافقته في سفر نحو مدينة بوسعادة، تخلص من الثياب الملطخة بدماء الضحايا وأداة الجريمة والهواتف النقالة التي قام بتكسيرها وكذا المجوهرات التي رماها بمحطات توقف عندها، ثم عاد في نفس اليوم الى الجزائر. سبب الجريمة بقي لغزا !