"أظن أنك في حاجة إلى خلود للراحة يا سي مولود"، هذه كانت آخر عبارة يسمعها رئيس الحكومة مولود حمروش من رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، قبل أن يقدم الأول استقالته للثاني قائلا "نعم سيدي الرئيس، سأقدم استقالتي، لكنني أنا رهن إشارتك يا سيدي الرئيس"، هنا وفي هذه اللحظة التاريخية، فضّل حمروش الذي أصبح يحمل لقب "رئيس حكومة سابق" التوجه مباشرة صوب نادي "كبار الصامتين" من أجل الخلود للراحة وقوفا عند نصيحة الشاذلي بن جديد، ولكن.. الراحة والصمت والغياب دام أكثر من 20 سنة، بشكل لم يتوقعه حتى أقرب المقربين منه. في 1995، 1999، 2004، 2009 واليوم ونحن على بعد أشهر قليلة عن موعد 2014، ظل وما زال اسم "مولود حمروش" مطروحا لشغل منصب رئيس الجمهورية والقاضي الأول في البلاد، وخلافا لكل المواعيد سابقة الذكر، أصاب المنجمون في موعد 1999 وخابت ظنونهم وتنبؤاتهم في المواعيد الأخرى، ولا تزال آلة "التنجيم" شغالة بطرح تنبؤات وقراءات وتحليلات تصب جميعها في مصبّ واحد بإدراج حمروش ضمن المراتب الأولى لقوائمهم التي عادة ما تحمل عنوانا واحدا: "هذه الأسماء.. الأكثر حظا لخلافة الرئيس بوتفليقة في 2014". والأكيد في كل ما يجري الحديث عنه حاليا، سواء على صفحات الجرائد، أوقنوات التلفزيون، وحتى داخل الصالونات السياسية المغلقة، التي تجمع عادة وزراء ومسؤولين كبار وسياسيين مارسوا مهام في السابق، أنّ طرح اسم "مولود حمروش"، رغم عدم إفصاح وإعلان الرجل عن نيته رسميا في الترشح لرئاسيات 2014، يعود لجملة من الأسباب أولنقل المؤشرات التي تدفع دائما ب "حمروش" لواجهة أي استحقاق بأهمية الاستحقاقات الرئاسية. حمروش الذي يمتنع كليا عن أي حديث مرتبط بالمرحلة الموالية لخروجه من السلطة "1991 / 2013"، ويفضّل دائما الركون لخيار العزلة والصمت سواء عن طواعية أوعن اضطرار، ولا يزال ليومنا هذا وفيا للكلمة التي همس بها في أذن الرئيس الشاذلي بن جديد قائلا له "أنا رهن إشارتك"، وإن كان قد سبق له الوقوع في فخ "الطموح الزائد" أثناء ترشحه في رئاسيات 1999، إلاّ أنّه سارع بعد فترة وجيزة للتكفير عن خطئه والتوبة بالانسحاب من السباق الرئاسي، وهي النقطة التي تجعل من "حمروش" ضمن المطروحين بقوة للعب دور مهم وأساسي في مرحلة ما بعد 2014، باعتبار أن أغلب رؤساء الجزائر السابقين خاصة الرئيس الحالي ينتمون لطينة "كبار الصامتين" الذين يحيطون مواقفهم بالغموض والتشويق حتى تتضح الصورة أكثر. كما أنّ حمروش ليس معروفا مثل أويحيى أوبلخادم لدى جيل الشباب الجزائري، وهي ميزة بالنسبة للرجل لطرح نفسه كبديل ووجه جديد. وأيضا، "حمروش (69 سنة) ما يزال شابا وقويا يتمتع بحيويته المعهودة ونشاطه الكبير الذي أبهر به يوما الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان الرجل الأول المنفذ لإصلاحات الشاذلي، من انفتاح سياسي وإعلامي واقتصادي، كما كان أول من دعا إلى الرأسمالية الأفقية التي تحفظ المصلحة الوطنية من جهة، وتراعي التحولات العالمية، إضافة لتمرسه في مناصب عدة، كرئيس حكومة في فترة تعد من أحلك فترات الحكم بالجزائر، وأيضا كضابط سام في الجيش الشعبي الوطني. ويعتبر حمروش من السياسيين المخضرمين، ونموذجا من نماذج "النخبة الفكرية المثقفة" في الحكم سنوات الثمانينيات والتسعينيات، فالرجل يتقن ثلاث لغات، العربية، الفرنسية والإنجليزية، ونال شهادة ماجستير عن بحث أعده حول "الظاهرة العسكرية في إفريقيا"، ويتمتع بشخصية استقلالية وقوية. وينحدر حمروش من الولاية التاريخية الثانية، الشمال القسنطيني، ما من شأنه أن يساهم كعامل من عوامل نجاح الرجل في الوصول لقصر المرادية، باعتبار أنّ أغلبية رؤساء الجزائر ينحدرون من الغرب، والتوجه السائد حاليا عكس ذلك، كما التحق بصفوف الثورة التحريرية في سن مبكرة جدا، وينتسب لعائلة ثورية مشهورة بمنطقة الشرق، وهي عوامل تساعد الرجل في إنجاح حملته الانتخابية، فمن دون شك سيلقى مساندة ودعما كبيرا من طرف الأسرة الثورية. أما سياسيا، فلا يخفى على المراقبين أنّ حمروش ظلّ إلى غاية التسعينيات يشغل منصب عضوبالمكتب السياسي ل "الأفلان"، ولا يزال إلى غاية اليوم يتمتع بحضور قوي داخل الحزب، ويحظى بتأييد مجموعة من المناضلين وحتى القيادات، مما يسهّل عليه عملية حشد أحزاب وقواعد سياسية للعب دور المساندة والتأييد، إضافة لعلاقاته القوية والوطيدة مع المؤسس والزعيم التاريخي لحزب "الأفافاس" حسين آيت أحمد، حيث يتوقع الكثير من المراقبين أن يلقى دعما قويا من طرف الحزب في حالة ما إذا قرر الترشح.