يجد المواطن الفلسطيني، خاصة الغزاوي، نسفه في مأزق الموت البطيء، يعيش في وضع مأساوي لا مخرج منه إلا استقرار مصر، خاصة بعد تهديم أزيد من 80 بالمائة من أنفاق النجاة، وغلق معبر رفح الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة للفلسطينيين. وارتبط المصير الفلسطيني بالوضع في مصر، ولعل التغيرات السياسية التي عاشتها هذه الأخيرة في الفترة الحالية، جعلت من الاهتمام بالقضية الفلسطينية آخر الهم، بالنسبة للعالم العربي ككل وليس مصر فحسب، خاصة في ظل ما يحدث في المنطقة مما يسمى ب"الربيع العربي"، ومن الواضح أن القضية الفلسطينية هي أكبر المتضررين مما يحصل في سوريا ومصر بحكم الارتباط الجغرافي بكليهما. وساءت مؤخرا العلاقات بين "حماس" التي تدير قطاع غزة، وقادة مصر الجديد من العسكر الذين قاموا بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، وذلك بعد حادثة اختطاف جنود مصريين في سيناء والاعتداء على آخرين لاحقا، ما جعل الجيش المصري يتهم صراحة عناصر "إرهابية" قادمة من غزة أو تدعمها "حماس" بالوقوف وراء العملية بغرض نشر الفوضى في مصر من باب الاعتراض على الإطاحة بنظام مرسي. وكانت "حركة المقاومة الإسلامية" استبشرت خيرا كثيرا بانتخاب مرسي قبل سنة من الآن، وقالت في أكثر من مناسبة إن ذلك سينعكس إيجابا على القطاع الذي عاني من نظام حسني مبارك. ولا يمكن التطرق إلى الأحداث في مصر بعيدا عن الواقع الفلسطيني المأساوي، خاصة بعد التقارير الأخير للمنظمات الإنسانية التي تؤكد أن ما يمر به قطاع غزة من أسوء المراحل التي عاشتها المنطقة منذ سنوات طوال، فكل المراحل التاريخية المصرية التي عاشتها فلسطين ارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بالوضع المصري أو بقرارات رؤساء مصر، فلا تكاد تجد فلسطينيا واحدا لا يعرف بنود معاهدة كامب ديفيد، التي كان بطلها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، هذه المعاهدة التي أوضح الكثير من القيادات الفلسطينية بعد سنوات من تحقيقها، ع أنها أكبر الأخطاء التي حصلت في حق الشعب الفلسطيني. وفي 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد؛ وقع الجانبان، الإسرائيلي والمصري، على معاهدة السلام وكانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة وتضمنت الاتفاقية أيضا ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية تضمنت الاتفاقية أيضا البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي. ويذهب كثيرون إلى أن أسوء ما يمكن أن يقدمه البرنامج المصري القادم هو إعادة إنتاج عهد حسني مبارك مع بعض التعديلات في الحريات، دون أن يمس جوهر النظام أو إعادة صياغة لآليته في الإنتاج السياسي الاقتصادي والاجتماعي؛ مما يبقي المقارنة بين برنامج "الإخوان المسلمين" وبرنامج مبارك سابقا في إطار المفاضلة. وكانت القضية الفلسطينية قد دخلت في الحملة الانتخابية الرئاسية المصرية الأخيرة، حيث روج كل من محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، لمعتقداتهم ومشاريعهم تجاه القضية في الانتخابات المصرية الأولى في تاريخ البلاد، فبات الفلسطيني المصري، في خيار بين مقولة استقلال القاهرة عن القدس التي يطرحها شفيق، أو مقولة تحرير القدس وجعلها مقرا لخلافة إسلامية على حد أطروحة "الإخوان". وتفجر الوضع وساءت العلاقات بعد اتهام الفلسطينيين وأهل غزة تحديدا من قبل مصر بإنشاء تنظيم إرهابي في إشارة منه إلى "التوحيد والجهاد" الناشط بين غزة ومصر، والذي تأسس بالاندماج بين فريقين "تكفيريين"، حسب مصادر أمنية مصرية ويعد من أخطر الجماعات المسلحة على جانبي الحدود حيث وحسب ما تردد وقتها توجد عناصر مسلحة متطرفة بسيناء تجيز قتل رجال الشرطة والجيش المصريين. شعب يحتضر وأزمة لم تجد لنفسها مخرجا ربيع مصر.. خريف على القضية الفلسطينية ! يتراجع الوضع الإنساني بقطاع غزة إلى أدنى المستويات في ظل الحصار الخانق الذي فرضه عليه الوضع المصري الراهن، المحتدم، وفي ظل التغيرات الجيوستراتيجية، للمنطقة، وقد أدى إغلاق معبر رفح البري الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة لأهالي القطاع، لمدة يومين متتالين، مؤخرا بتكدس العشرات من الحالات الإنسانية والمرضى والمعتمرين وأصحاب إقامات على كلا جانبي المعبر، بالإضافة لتأجيل رحلات المعتمرين، حيث عززت الجهات الأمنية المصرية الحراسة والإغلاق نتيجة للأوضاع الأمنية الصعبة في سيناء، مما أدى إلى كوارث إنسانية في القطاع، حيث يشتكي هؤلاء خاصة خلال الشهر الكريم من غياب أدنى شروط الحياة، فلا ماء ولا كهرباء ولا غاز. وبعد حصار إسرائيلي مديد لقطاع غزة، حاول أهالي القطاع إيجاد خيارات أخرى لاجتذاب البضائع الأساسية إلى الأسواق الغزاوية، فكانت أنفاق رفح الخيار الأهم والأمثل لإدخال السلع، حيث كانت أسعارها أقل من تلك المستوردة عبر المعابر الإسرائيلية التي تتحكم السلطات الإسرائيلية في إدخالها أو منعها بين الفينة والأخرى، ما يجعل الباب مشرعا لعمليات الاحتكار وإخفاء السلع من الأسواق حين تتقلص، وعرضها في حال ارتفعت أسعارها بشكل كبير. وحين ارتفاعها تتراجع أرباح الجانب الفلسطيني، بينما يزيد انخفاض سعر الدولار وتقل الأسعار مباشرة. وبعد هذه السنوات التي تأقلم خلالها المجتمع في قطاع غزة على نمط تلك البضائع المنسابة عبر الأنفاق جاءت عملية قتل فيها الجنود المصريون في سيناء، وأغلقت إثرها الأنفاق التي تقدر بنحو 1200 نفق وباتت تشكل المورد الرئيسي للسلع والبضائع في القطاع. وبطبيعة الحال يدفع ثمن تلك السياسات الاحتكارية أهالي قطاع غزة وحدهم حيث لا توجد معايير ثابتة ومدروسة لأسعار البضائع سواء التي تأتي عبر المعابر الإسرائيلية وتتعرض للاحتكار من قبل التجار، أو تلك التي تأتي عبر الأنفاق وتعتمد على تكاليف نقلها وتهريبها وتتأثر بارتفاع سعر صرف الدولار، وهو العملة التي يتم بها شراء البضائع من التجار المصريين. وأشارت دراسات مختلفة إلى أن سياسات الاحتلال الإسرائيلي الاقتصادية قد نالت إلى حد كبير من أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، بيد أنها كانت أخطر في قطاع غزة نظرا لشح الموارد المختلفة هناك، ناهيك عن الزيادة الطبيعية العالية لسكان القطاع (3.6٪ ) التي أدت بدورها إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد وعلى سوق العمل في الوقت نفسه.وأدى ذلك إلى زيادة عدد سكان القطاع إلى 1.6 مليون فلسطيني حتى منتصف العام الحالي 2012، منهم 53٪ من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وأدى هذا بدوره إلى زيادة الأعباء على العامل في القطاع. وتشير الدراسات إلى أن كل عامل في القطاع يعيل إضافة إلى نفسه خمسة أفراد من خارج قوة العمل. وقدر مختصون اقتصاديون في الأراضي الفلسطينية الخسائر اليومية الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في قطاع غزة بأنها تزيد على 1.5 مليون دولار يوميا. وتبعا لتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة، تراجع الناتج المحلي للقطاع بنسبة 40٪ ، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر. وجها لوجه القيادي في حركة "حماس" صلاح بردويل ل"البلاد" الدّم الفلسطيني استبيح في مصر وما يمارس ضدنا فاشي بتواطؤ صهيوني استنكر القيادي في حركة حماس الفلسطينية صلاح بردويل، ما أسماه بالممارسات اللا إنسانية التي يتم إتباعها في مصر ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى أن الإعلام المصري حرض على استباحة الدم الفلسطيني لدرجة أن الأمر وصل إلى رفع القبعات للقياديين الإسرائيليين الذين يقتلون الأطفال الفلسطينيين، في برامج على المباشر. ووصف بردويل في حديث ل"البلاد" ما يعيشه قطاع غزة بالمأساة الإنسانية بعد ردم الأنفاق و تطبيق الخناق على معبر رفح، مشيرا إلى أن كل الاتهامات التي تحاول بعض الجهات المصرية الترويج لها عن حركة حماس باطلة ولا أساس لها من الصحة. وأشار متحدثنا إلى أن ما يشن من هجوم على فلسطين وشعبها من قبل مصر ليس له نظير في التاريخ، معتبرا اللغة الخطابية التي تبناها عدد من السياسيين والإعلاميين بالفاشية، مضيفا "كيف وصل الأمر بأخوتنا في مصر باستباحة الدم الفلسطيني، حيث أصبح الفلسطينيون يخافون من كشف جنسياتهم في الشارع المصري خوفا على أرواحهم". واعتبر ما يحصل هذه الأيام من مجريات عبارة عن حقد دفين ومؤامرة حيكت بأياد إسرائيلية وتنفيذ مصري، بتواطؤ عربي ضد الشعب الفلسطيني الذي لا يرجو أكثر من حريته. واتهم المتحدث مصر باستهداف الفلسطينيين على أراضيها وعلى الملأ، واعتبر تواجد الكم الهائل من دبابات الأمن المصري على جانبي معبر رفح دليل على الوضع الصعب الذي يعيشه الفلسطيني الذي لا يجد حتى مكانا يتعالج فيه بعد هذا الخناق المطبق على أهل القطاع. وتعليقا على تصريحات سكينة فؤاد المسؤولة في الرئاسة المصرية ل"البلاد"، تأسف المتحدث لاتهاماتها معتبرا أنها لم تتأكد مما سمعت من معلومات عبر وسائل الإعلامية المصرية "التي تروج للدعايات المغرضة التي تضر الفلسطينيين". وشبه ما يحصل من مصر من تعزيزات أمنية واتهامات بالحرب الرخيصة ضد أهالي القطاع بحجج واهية "لا أساس لها من الصحة". كما اتهم محدثنا دولا عربية ب"التواطؤ مع الخطّة الإسرائيلية المصرية"، ورفض الكشف عن أسمائها، معتبرا أن المستفيد الوحيد من الأمر هو إسرائيل. ودعا في الأخير ما أسماه بالأقلام والألسنة المأجورة إلى توخي لغة الضمير وأحكامه في التعامل مع الشعب الفلسطيني. المستشارة بالرئاسة المصرية سكينة فؤاد ل"البلاد" أنفاق غزة تصدر الجماعات المسلحة ومن حقنا حماية أمننا الداخلي بدت المستشارة السّابقة للرئيس المصري المعزول سكينة فؤاد غاضبة حينما تحدثت عن تداعيا الأزمة المصرية على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل اتهام بعض الأطراف لمصر بإهمال سكان قطاع غزة، والتعامل مع القضية بحيادية غير مبررة، في ظل تهديم 80 بالمائة، من الأنفاق التي كانت تعتبر الوريد الذي يحمل الأنفاس والذي يبث الروح في سكان القطاع، خاصة انه يتم تحميل مختلف البضائع والأغذية والأدوية من هناك. وقالت سكينة فؤاد في تصريحات ل"البلاد"، إن مصر لها الحق في حماية نفسها بغلق كل الأبواب التي تزيد من أزمتها الداخلية، مشيرة إلى أن بلدها لا يحتمل مشاكل أكبر من التي يمر بها الشارع الذي يبحث عن حريته منذ أن خلع حسني مبارك. وطالبت كل من يشكك في وقوف مصر إلى جانب القضية المصرية بالتزام الصمت، معتبرة أن التاريخ هو من يحكم "على مر الزمن، لا يمكن أن تنسى الذاكرة الجماعية الفلسطينية و المصرية الدم الذي أزهق ليعيش الشعب الفلسطيني في حرية، وفلسطين هي بوابة مصر ولا مزايدة على ذلك وإنما مصر أولى في هذه المرحلة شديدة الحساسية". وتقول محدثتنا "لا مجال لأي نقاش حول القضية العربية الأولى، التي لا أظنني أجد عربيا واحدا ضدها، خاصة المصريين المعروفين بتعاطفهم الكبير مع إخوانهم بفلسطين، والمستعدين لوهب أرواحهم فداء أخوتهم، فمصر شديدة الالتحام بالشقيقة فلسطين ولا علاقة بالقومية هنا مع إغلاق المعبر وردم الأنفاق. وترى المسؤولة في الرئاسة المصرية سكينة فؤاد أن الأنفاق التي ردمت مؤخرا والتي تربط قطاع غزة بجنوب سيناء، كانت تسبب العديد من المخاطر على مصر، مشيرة إلى أن تلك الأنفاق كانت "تصدر الجماعات المسلحة والمتطرفة إلى سيناء لتنفيذ عمليات هناك، إضافة إلى المواد الممنوعة، وبذلك تصبح سيناء مرتعا لهؤلاء"، وتواصل "لا أظن أنه هنالك بلد في العالم يسمح بفتح أنفاق غير شرعية تسرب مواد خطيرة، مثل التي سربت وتسرب من خلالها".