عبد الحميد بن هدوقة تزوج أربع مرات وترك مخطوطا لأزيد من 200 مسرحية والدي كان في حركة انتصار الحريات ولا أستطيع جزم بميصاليته من مركزيته أنزعج من الخلط بين صورة محمد ديب وصورة والدي في الإعلام أتساءل أين هو ملتقى بن هدوقة الذي دام 14 سنة ثم توقف أدب بن هدوقة ترجم ل22 لغة عدا الإنجليزية وهذه هي الأسباب يكشف لنا نجل صاحب أوّل رواية جزائرية ناطقة بالعربية، عبد الحميد بن هدوقة عن الجوانب المظلمة من شخصية والده، ويضع أنيس بن هدوقة في هذا الحوار الذي جمعه ب"البلاد"، اليد على التقصير الذي طال أدب والده، ملقيا المسؤولية على عاتق الجميع. وقال إن والده، حسب تخمينه، لم يكن مصاليا، مشيرا إلى أن الروائي الراحل تزوج أربع مرات، ورغم أنه يتقن اللغة الأمازيغية ووالدته أمازيغية، إلا أنه لم يفكر يوما في الكتابة بغير العربية، لأنه يحبها رغم إتقانه الفرنسية أيضا. لنبدأ حوارنا بالحديث عن الموقع الإلكتروني الذي أنشأته أسرة الأديب الراحل بن هدوقة.. لماذا تأخرتم إلى اليوم، وما الغاية من هذه الخطوة؟ قد نكون تأخرنا، ولكن نحن دائما في مسعى لأن نقرّب الصورة الحقيقية لشخصية عبد الحميد بن هدوقة لقرائه الذين لم ينسوا يوما صاحب "ريح الجنوبط.. أطلقنا الموقع بمناسبة الذكرى ال17 لرحيله، وأردت من خلال هذا الموقع أن أكرّم روحه تخليدا له ولكتاباته لأنه لا يزال حيا بالنسبة لنا، حيث إنني أراه قدوة ومرجعا في الحياة والأدب. وأردنا التعريف بشخصيته ومسيرته، فقد استبدّت بنا حالة من التردد الكبير قبل إقرار إطلاق الموقع حول والدي عبد الحميد بن هدوقة، رحمه الله، الذي توفي ذات 21 أكتوبر من سنة 1996. والأسباب كانت عديدة، لكن ها هو الموقع يطلق اليوم على الشبكة العنكبوتية، ويرصّع صفحات تتألق على المنتديات الاجتماعية "الفايسبوك" و"تويتر" و"اليوتيوب" وغيرها.. إن كنا وضعنا التعريف بصاحب "ريح الجنوب" و"الجازية والدراويش"، سيرته وحياته، أدبه فكره، في صلب أهداف إطلاق الموقع، إلاّ أننا أردنا من خلال الموقع أيضا أن نكرم والدي الذي لا يزال حاضرا بنا رغم رحيله عنا منذ 17 سنة، ينبض في قلوبنا، ومازال قدوتنا ومرجعيتنا في أفكارنا ومواقفنا. من، من الجزائريين، ومن محبي الأدب في العالم، لم يقرأ "ريح الجنوب".. والأكيد أن من قرأها تلمّس معالم الشّخصية الأدبية لصاحبها، ولكن الجانب الخفي من حياته كان دائما مغيّبا، خصوصا نشاطه في حركة انتصار الحريات الديمقراطية.. ما تعليقك؟ كان والدي أحد رجال الإعلام الذين دافعوا بكلمتهم عن القضية الوطنية، وانتمى في بادئ الأمر إلى حركة انتصار الحريات، ومن ثم إلى جبهة التحرير الوطني، واشتغل في إذاعة تونسوفرنسا آنذاك، وكان ميلاده ذات التاسع من جانفي بقرية الحمراء قرب المنصورة بولاية برج بوعريرج ونشأ في أسرة فقيرة اشتهرت في المنطقة بتجليلها للعلم والعلماء. وكان أبوه مدرسا متبحرا في علوم الفقه واللغة. ونقل شغفه هذا إلى ابنه الذي حفظ القرآن والحديث ومصنف الخليل في الفقه المالكي العربي قديمه وحديثه.. كان من عائلة فقيرة كغالبية الشعب الجزائري آنذاك.. حتى أنني لا أنسى يوما قال لي إنه يوم تم تعبيد طريق حيه، فضل المشي حافيا، ذلك أنّ الطريق كان أكثر لينا من حذائه البالي، كان شخصية هادئة فلا أتذكر أنني رأيت والدي متعصبا أو يتعامل بعنف، كلما تذكرته، تعود إلى ذهني صورته وهو يحمل كتب طه حسين، فقد ولع منذ صباه بالقراءة. كما أنه دخل مدرسة للتعليم باللغة الفرنسية، ثم انتقل إلى قسنطينة ليواصل تحصيله بجامع الكتانية، حيث عايش عن كثب نشاط جمعية العلماء والحركة الوطنية. قبل الحديث عن انتماء بن هدوقة السياسي، لنتكلم عن مكتبته.. إلى أي العناوين كان يميل، وهل تأثر بمواقف طه حسين من الثورة الجزائرية؟ سأبدأ لك من الشطر الثاني، ما تعلق بطه حسين.. والدي كان محبا لكتاباته، ومكتبة منزلنا تحتوي على كل مؤلفات الروائي المصري الكبير، أما عن موقفه من الثورة الجزائرية، فلا يمكن أن أقول سوى أن ما اتخذه طه حسين من موقف تجاه الثورة الجزائرية لم يكن يوما موضوع حوار بيني وبين والدي، لذلك فلا يمكن الخوض في هذه النقطة الحساسة دون التأكد أصلا إن كان هناك موقف للراحل طه حسين من ثورتنا المجيدة. أما عن مكتبة بن هدوقة التي ورثناها من بعده، فهي تحتوي على حوالي 3000 كتاب، بين الأدب الروسي، والفرنسي.. كان حريصا على الإطلاع على جديد زملائه في الجزائر وخارجها. تحدّثت عن انتماء الراحل لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وكان وقتها، أصحاب القضية، منقسمين بين المصاليين والمركزيين.. لأي رأي كان يميل بن هدوقة، خاصة أنه التحق فيما بعد بجبهة التحرير الوطني؟ لا يمكن الجزم في هذا الموضوع، ولكن حسب رأيي الذي لم أدعمه بعد بالبحث المتأني الذي سأقوم به، أنه لم يكن من المصاليين، والأكيد أنه كان وطنيا حتى النخاع.. كان يناضل بين الإذاعات لإيصال صوت الحياة الثورية للمجاهدين، إنّ الوالد ينتمي إلى جيل لا نعتقد أنه سيتكرر في التاريخ المستقبلي لوطننا.. جيل أسس كل شيء، وأسس دولة وسياسة وثقافة وأدبا وكل شيء في جزائرنا اليوم. كيف لنا إذن نحن الأبناء ونحن الشباب، أن نطمع أو نطمح للوصول إلى ما وصلوا إليه، وكيف لنا أن نقارن أنفسنا بهم.. نحن علينا فقط أن نسعى إلى التّعلم من حياتهم وتجاربهم وما صنعوه لم يكن من عدم. الجزائر بصدد احتضان طبعة جديدة من المعرض الدولي للكتاب، هل ستكون أعمال صاحب "الجازية والدراويش" حاضرة، بعد 17 سنة من وفاته، خاصة أن رواياته غائبة تماما عن السوق، الأمر الذي يقودنا إلى التساؤل حول السبب في ذلك؟ نعم ستكون حاضرة مع "دار القصبة" التي اهتمت هذا العام بطبعة جديدة لكل روايات والدي، والتي تم إخراجها في حلة جديدة تليق بمتطلبات العصر السمعية البصرية. أما عن غياب كتبه في الساحة الأدبية، فهو نتاج سوء التوزيع، والمسؤولية تقع على عاتق الدولة بأكملها، فهي المسؤولة عن الأرشفة والحفاظ على الذاكرة الجماعية، فالعالم مهتم بروايات والدي التي ترجمت لأكثر من 22 لغة، بينها الفرنسية، الصينية، الإسبانية،.. وغيرها من اللغات، عدا اللغة الإنجليزية، والسبب في ذلك، أننا لم نهتم كفاية بإيصال أدب والدي إلى ما وصل إليه زملاؤه في العالم، خاصة أنه أحد القامات الأدبية، وهذه ليست شهادتي لأنني ابنه، وإنما شهادة كبار الأدباء. كما أني أنزعج كثيرا حين يتم الخلط بين صورة والدي وصورة محمد ديب في الإعلام وعدم التفريق بينهما. يعرف المثقف الجزائري الكثير عن بن هدوقة ككاتب، ولكن لدى الراحل، جوانب عديدة مظلمة في حياته، حبذا لو تقدم لنا نبذة عنه وعن زيجاته مثلا؟ الوالد لم يكن أديبا فقط وإنما كان مناضلا في صفوف الحركة الوطنية قبل أن يكون مجاهدا خلال الثورة التحريرية عندما كلف من قبل جبهة التحرير الوطني بالانتقال من فرنسا إلى تونس للعمل في إذاعة تونس والمساهمة في صوت الجزائر، ولقد كانت له العشرات من التمثيليات المسرحية وسائر الكتابات خلال إقامته بتونس، قبل أن يعود إلى أرض الوطن غداة استرجاع الاستقلال ليلتحق بالإذاعة والتلفزيون الجزائري في سنة 1962. وبعيدا عن ذلك، تزوج أربع مرات، أولاها كان مع إحدى قريباته وهو في سن العشرين، وقد توفيت أثناء الولادة وأنجبت فتاة لحقت بأمها إلى دار البقاء بعد ستة أشهر، وبعدها بسنوات راسل جدي والدي الذي كان يدرس في جامعة الزيتونة بتونس، ليعلمه بأنهم زوّجوه بأخرى. أما زيجة بن هدوقة الثالثة فكانت مع فرنسية أنجب منها هي أيضا فتاة، وهي الآن تعيش في فرنسا، وبعدها تزوج بوالدتي التي أنجبت له ثلاثة ذكور، أصبحوا اليوم رجالا يسعون لتخليد والدهم وأدبه، وتوفي قبل 17 سنة بورم خبيث في البنكرياس وضع حدا لحياته التي كان يتمنى أن يكتبها سيرة ذاتية، ولكن القدر لم يشأ ذلك. نريد معرفة مصير ملتقى بن هدوقة.. وهل تنوي كتابة سيرة والدك، خاصة أنك ناشط في مجال الكتابة والإعلام؟ أفكر جديا في كتابة السيرة الذاتية لوالدي، ولكن أحرص دائما على أن تكون بمقامه؛ لذلك قد يطول الموضوع معي. أما بالنسبة لملتقى بن هدوقة فأنا أطرح ذات السؤال، أين هو، كيف لملتقى أن يدوم 14 سنة، 14 طبعة، ثم يتوقف دون أسباب لسنتين.. الكاتب الفرنسي مارسيل بوا يتحدّث عن تجربته مع بن هدوقة الترجمة انتقال من لغة إلى أخرى وباب مشرع على عالم مختلف يدخل منه قراء جدد. وهي كذلك لقاء بين الأشخاص. وأنا أعتبرها أكثر من أداء مهمة كونها اتخذت مظهر الصداقة. بدأت القصة بمطالعتي "ريح الجنوب" آنذاك لم يكن المؤلف في نظري اسما ضمن أسماء أخرى. لكن انكشف أمامي أثناء القراءة إنسان متأصل بعمق، إنسان ملتزم، إنسان واضح مبتكر. وهذا التأصل هو تأصل ابن من أبناء الجزائر، جزائر الأمس واليوم، بنظرة متجهة بعزم إلى المستقبل. لقد كبر في رحاب الريف الجزائري الذي يدخلنا إليه. إن شخصية مثل العجوز رحمة تعكس على نحو باهر هذا التأصل حيث لا تنفصل الذكريات عن الآمال.