- سياستنا الثقافية غير عادلة والحكومة تطالبنا بأوراق إدارية مضحكة يستعرض المخرج التونسي وسيم القربي أهم سمات السينما في بلده قبيل وبعد الثورة، ويقف عند تتوجيه الأخير في مسابقة الأفلام الأمازيغية في مهرجان "تزنيت" بالمغرب. ويتحدث ل"البلاد" في هذا الحوار عن تجاربه الفنية والتحكيمية في عدد من التظاهرات السينمائية الدولية التي كانت محطة هامة في مسيرته، بما فيها مهرجان وهران للفيلم العربي الذي يحرص على المشاركة في دوراته حتى دون دعوة. - فزت مؤخرا بالجائزة الأولى في مسابقة الأفلام الأمازيغية ضمن مهرجان" تزنيت" بالمغرب.. حدثنا عن هذا التتويج أسعدني كثيرا هذا التتويج، وهو ما أعتبره اعترافا آخر بمجهوداتي ومجهودات فريقي التقني الذي ضم عددا من الجنسيات.. ودعيني أستغل المناسبة لأشكر "دار السينمائيين الموريتانيين" في شخص عبد الرحمن أحمد سالم وسالم داندو والطالب ولد سيدي وعيشة وبقية الإخوة الموريتانيين، والمصوّر عوض الهمزاني من السعودية ومحمد بن رمضان ورؤوف بالصغير من تونس. صحيح أنني لم أتمكن من الحضور إلى المهرجان؛ لكنني كنت أتابع أصداءه وأرى أنه اتخذ منحا جديا وبلغ مرحلة تجعلني فخورا بأن أكون مشاركا فيه. - ما هي قصة فيلمك "تزنيت" وماذا أردت أن تقدم من خلال هذا العمل؟ أشرح أولا معنى كلمة "تزنيت"' أو "أزهار تيويليت"؛ وهو اسم أمازيغي يحيل معناه إلى الفرح والجمال، أما "تيويلت" فهي إشارة إلى العمق الحضاري الأمازيغي لموريتانيا، وهي كلمة أمازيغية تطلق على الأمكنة القريبة من المياه.. وقد كنت في استشارة دائمة حول الدلالات الأمازيغية مع الباحث المغربي محمد زروال الذي بدوره أصدر تحليلا وقراءة نقدية عن الفيلم في كتابه عن السينما الأمازيغية. وبالعودة إلى سؤالك؛ فقصة الفيلم تروي حكاية زوجين خارج الزّمن، حيث يقرّر الرجل الهروب بزوجته من القرية إلى وجهة غير معلومة، وتقودهما الأقدار في رحلة نحو المجهول إلى أن يستقرّ بهما المقام في كوخ معزل. وينجبان بنتا لتشهد بدورها نفس مصير أمّها وهي رحلة دائرية في زمن عجائبي يحمل همومنا وآلامنا وأحزاننا ويحتفل بخصوصياتنا الحضارية وهويتنا المغاربية. - نراك غالبا ما توظف لغة الصمت في أعمالك.. لماذا؟ ببساطة شديدة لأنها لغتي وقلّما أعتمد الحوارات في أفلامي وهو ما ستكتشفونه في فيلمي القادم "كيخوت".. كما أنني إنسان صامت بطبعي، وهو ما تعكسه روح تفكيري والصمت صعب في زمن الثرثرة، وثانيا لأنّ صمت صوري هو إنصات للوجود، وثالثا لأنّي أحاول أن أجعل صمت صوري يتكلم عبر وجدان الإنسانية.. صمتي هو لغتي وهو أنيني وحُرقة عشقي للسينما وللوجود، عندما أحزن أصمت وعندما أفرح أصمت أيضا. كتاباتي أحاول أن أجعلها صامتة لتكون منهجا فنّيا اخترته في مسيرتي السينمائية لأنني عاشق للسينما..والعاشق غالبا ما يخفي كلماته. - كيف تصور لنا قطاع السينما في تونس.. هل هناك اهتمام به أم أنها مجرد اجتهادات فردية؟ سأجيبك بتنهيدة عميقة.. أولا، لا يمكن أن نتحدث عن صناعة سينمائية في بلداننا، لكن يمكن أن نتحدث عن محاولات سينمائية لا تُقارن بما أنتجه الآخر لا من ناحية الكمّ ولا المضمون الفيلمي والجمالية، لكن هذا لا يمنع من وجود طفرة إنتاجية اليوم ومحاولة إيلاء السينما مكانة حقيقية في ثقافتنا ليس من طرف المؤسسة الرسمية التي أنعى وجودها ولكن من خلال مجهودات السينمائيين الجادين. السينمائي في أوطاننا غالبا ما يُتاجر بالسينما قصد الربح السريع؛ أما أن نتحدث عن العشق والفن فأولئك قلائل.. ما ينقصنا هو الالتزام وجدّية طرح همومنا وأفراحنا وهويتنا عبر الصورة السينمائية. - هل هذا ما دفعك لاختيار السينما المستقلة؟ اخترت السينما المستقلة لأن سياستنا الثقافية في تونس غير عادلة، يطالبوننا بأوراق إدارية مضحكة وأنا لا أقبل الإهانة لأني بلغت موقعا يجعل من واجبي أن أكون صاحب موقف. يرمون سيناريوهاتنا في سلة المهملات قبل قراءتها.. أما إذا كانوا جادين في الدعم فيقومون بقراءة سيناريو دون اسم المخرج.. مشكلتنا إدارية بالأساس لأنّ من يشغلون المناصب الإدارية هم إداريون تجاوزهم الزمن وليسوا ذوي كفاءة سينمائية. - ولكن هذا الوضع لم يمنعك من تحقيق النجاح خارج بلدك؟ بالفعل؛ وأنا سعيد جدا بنجاح أفلامي في الخارج وآخرها الفيلم الوثائقي حول القضية الأمازيغية في تونس بعنوان "أزول" الذي تُوجت به في الولاياتالمتحدة وسيكون في المسابقة الرسمية ب"مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية" في مصر. المسؤولون يسمعون بأفراحي ونجاحاتي عبر الأخبار في الصحف والراديو والتلفزيون، وأنا لا أنتظر منهم شيئا؛ بل إني سعيد بعالمي الخاص وفخور بأصدقائي في مختلف أنحاء العالم، حيث أعتبرهم دعامة ورافدا لنجاحي، كما أهدي تتويجاتي إلى بلدي تونس. - كيف تقارن المشهد الفني والسينمائي في بلدك قبل وبعد سقوط نظام بن علي؟ هو نفسه، ما تغيّر هو صعود أسماء من الجيل الجديد؛ وهو مؤشر لاكتساح الساحة السينمائية بحساسية جديدة وخاصة من طرف السينمائيين المستقلّين. تونس تحصد الجوائز في المهرجانات السينمائية بصفة شبه مستمرّة نظرا لنضج مبدعيها وطموح شبابها، لكن غياب الإرادة السياسية والسبات العميق الذي تعيشه وزارة الثقافة جعلنا نتأخر كثيرا عن الرّكب لولا بعض الإنتاجات الجادة وخاصة حيوية إنتاج الفيلم الوثائقي الذي كسّر أغلال القمع. المشهد السياسي في بلدي يعيش حالة من المخاض العسير والفوضى، وخاصة في ظلّ جشع الحزب الحاكم الذي يقود وطني إلى حافة الإفلاس. هرمنا من أجل ثورتنا لكنهم سرقوها بسبب توظيف الدين في مشاريعهم الانتخابية واللعب على مشاعر المواطن البسيط. أما الجهة الأخرى فقد تفرّقت في شكل أحزاب وتكتلات فاضية، جعل الجميع يسعى إلى حكم قرطاج.. العديد منهم اتبعوا مصالحهم الضيقة وغابت عنهم الوطنية و"الرجولية" كما نقول بالتونسي. لكن على عكس هذا الحراك السياسي نعيش سلما اجتماعيا وحياة يومية كما كنّا سابقا. كرهنا السياسة ومآسيها، أحسّ بالاغتراب الثقافي لكني متفائل لأني أحبّ وطني.. أما كراسيهم الثقافية والسياسية؛ فلن تدوم وأنا واثق مما أقول، والشباب هو من سيمسك بزمام الأمور طال الزمان أم قصر. شاركت في دورات عديدة لمهرجان وهران للفيلم العربي.. كيف وجدت هذه التظاهرة الفنية؟ بالفعل.. منذ سنة 2010 أواكب سنويا مهرجان وهران.. هذا الحدث وشم في ذاكرتي وقلبي لأني سأذكر دائما أنّ انطلاقاتي السينمائية الفعلية كانت من الجزائر ومن وهران تحديدا. مهرجان وهران مكنني من فرصة الالتقاء بسالم داندو وعبد الرحمن أحمد سالم وعوض الهمزاني واتفقنا حينها على المشروع السينمائي "أزهار تيويليت" وأنجزناه دون أنسى لقائي بصديقي المخرج المصري الراحل مؤخرا محمد رمضان الذي ستبقى ذكراه راسخة.. عرفته إنسانا جديا وحساسا ووطني حتى النخاع، ولم يعد من الممكن أن أغيب عن أي دورة للمهرجان أو تفويت فرصة اللقاء بالسينمائيين من مختلف أنحاء العالم.. أتذكر أنه لم تتم دعوتي سنة 2012 فحضرت المهرجان دون دعوة لأني لم أحتمل الغياب وأنا لا أستطيع التغيّب عن عائلتي السينمائية.